٢٠٠٧/٠٧/١٧

اليوم الرابع ..واتفاق براغ و المرور بفينا




اليوم الرابع

اتفاق براغ التاريخي ..

استيقظت منذ الساعة الرابعة فجراً.لم يكن الشارع الذي يطل من نافذة الغرفة , قد غسل كؤوسه بعد سهرة البارحة. النافذة التي انتقيت سريري بجانبها, حرصا على ان اكون بعيداً عن انتقاداتهما و دخانهما, "فمصطفى أيضا يدخن بالمناسبات السعيدة و التعيسة" وحيث ان السريران الآخران كانوا في العمق الداخلي للغرفة,
وقفت ساندا جسدي الثقيل على حرف النافذة وركبتاي توازيان ذلك الجسد باتكائهما على الجدار اسفل النافذة ..هكذا حتى مر وقت لا بد وانه اكثر من ثلاث ساعات بدت الشوارع التي أمكنني ان اصورها بتلفوني الجوال وهي فارغة , إلا من بعض سيارات التابعة للشركات التي تمد المحلات بحاجياتها (موزعين)

كان البارحة يوما متعبا, تذكرت مساءً قبل النوم, أنني وطارق تكلمنا طويلا بشأن الرحلة, واقترح طارق الرجوع الى السويد مع تحمل الخسارة كاملةً, أي ابتداءً من المصاريف حتى الوقود و العبارات التي ايضا ستنقلنا بالعودة وذلك بسبب ان طارق قد اعاد النظر بالمصاريف و حسبها بأن من المستحيل أن تنجح رحلة كهذه بالميزانية التي ظنناها انها ستكفينا 21 يوم أو حتى أن نصل لبلغاريا, التي لم نقطع للآن سوى اقل من نصف المسافة. كنت تعبا و بائساً. الرحلة التي كان من المفروض ان تكون من رحلات العمر المميزة, أصبحت الآن ورطة لا يعرف مقترحها كيف سيتخلص منها! تكلمنا على المصاريف التي ممكن أن توصلنا لبلغاريا ووصلنا لنتيجة أننا بلا أدنى شك سنصل لمرحلة افلاس بعد ايام معدودة من وصولنا, وهذا غير منطقي بعد كل ذلك التعب من القيادة و النوم بالسيارة... قررنا سوية وبرضى أن نبدأ بالعودة غدا وننسى الرحلة, بدوري أنا وافقت على القرار لكن يبقى قرار مصطفى النائم بأن يرجع أو أن يستمر وحيدا برحلته إلى ليوبليانا عاصمة سلوفينيا لغرض ما في ذهنى لم يفصح عنه!

طارق الذي يعاني من مشاكل كبيرة في النوم واضطراره في تلك الحلات ان يأخذ دواء موصوف من طبيبه قد حوله إلى آلة فونوغراف على اسطوانة فحمية قد ظنها احد ما صحن بلاستيك فاخذ سيفة المنيوم او فولاذ واخذ في تنظيفها .. يشخر طارق كهذا الصوت تماما. في البداية ظننت ان احد ما يقرع الباب بانتظام ثم تنبهت ان هذا الصوت ما هو الا مقطع من شخير طارق المسكين..

الفطور يبدأ من الثامنة حتى التاسعة و النصف.. لم اذهب للمطعم فما زالو نائمين, بقيت أنظر من النافذة على شاب وأظنه شرقي, يفرد اوراق ويطويها على مسطبة في منتصف الشارع الذي لا تمر به السيارات هكذا حتى اقترب وقت العمل فبدأ البشر أشكالا و الوانا يعبرون ذلك الشارع أما صديقنا المهموم بتصنيف و طوي اوراقة لا يعبئ بأحد من المارة الذين لايخفون ضحكاتهم او عجبهم. في التاسعة استيقظ طارق مصبحاً رددت الصباح ............ وبدأ اليوم الرابع .

في العاشرة الا ربعا عندما نزلت البهو مع طارق استقبلتنا الشقراء الجميلة التي لم تكن البارحة. وسالناها عن قاعة الطعام متجاهلين انتهاء وقت الفطور فاعتذرت لأن الوقت أصبح متأخراً ,وأن صالة الفطور قد اغلقت. تركنا لمصطفى الذي استيقظ متأخرا, رسالة تفيد بأننا في مقهى بجانب الاوتيل. في ذلك المقهى الجميل الذي يقع في أجمل شوارع العاصمة التشيكية, كان له الشرف في استقبالنا حيث أنها اول مرة نجلس بمقهى في الرحلة. تحت مظلة كبيرة من الكتان الابيض خارجا على الرصيف, نشرب شيئا ما, ريثما طارق يستيقظ, تماما كعادة المدخنين الذين يقولون اننا لا نستيقظ بالشكل الصحيح الا بعد اخذ حاجة الجسم من النيكوتين, والظريف بالامر و ان بدا لغير المدخنين ادمان فانهم لايخفون عنك متعتهم بهذا.
كان المطر خفيفا مما اضطرنا للتنقل من طاولة لطاولة تجنبا للبلل, كنا في تلك الاثناء بدأنا الحديث عن ماحصل البارحة وبأننا وبدون شك فشلنا في شراكة غير صحيحة و أنني لا أصلح لهكذا رحلات... لأنني متطلب!! وربما هذا صحيح ولكن لأعترف لكم... ليس تماما !! فأنا وإن كنت متطلبا لدرجة ما... لكن ليس للدرجة التي يظن طارق انه خبير بها.. المهم بعد ساعة من الكلام اتفقنا على ما يلي ..أننا سنرجع لاستوكهولم مهما كان قرار مصطفى, اما بالرجوع او بالاستمرار. وكان ذلك القرار قرار طارق الذي حسم الامر تماما قبل مجيء مصطفى .

جاء مصطفى بالقهوة, مرتديا شورته الاحمر تحت سماء ممطرة وبدأنا الحديث الذي سأختصره بأن طارق تراجع عن قراره وأصبحت انا صاحب قرار الرجعة الوحيد بعدما طرح مصطفى افكاره عن المغامرة و المتع المنتظرة و مما لاشك به ان مصطفى يملك ايجابية النيازك في عتم الليل, "جميلة لكن لاتنير" كل شي عنده ايجابي حتى القطب السلبي و العواصف و الكوارث.. وأنا معجب بتلك الايجابية, لكن في ذلك الوقت كانت الايجابية الوحيدة التي سأستشعرها هي بالعودة لسريري و عائلتي يا للعجب!!!!

قررت العودة بمفردي وطرحت عليهم توصيلي لمركز سفريات برية للسويد, لعلمي بحتمية وجودها وخرجنا للاوتيل و اتينا بالحقيبة الوحبدة التي جلبتها معي واتجهنا للسيارة التي اعتقد بأنها و لاشك أن ورقة المخالفة ترصع نافذتها الامامية, بسبب وجودها بمكان مخالف ..لكن ويا للعجب لاشي .. علل مصطفى ذلك بأننا سياح نظرا للوحة السيارة المختلفة.
أخذت الحقيبة ووضعتها في السيارة وركبنا في طريقنا الى محطة باصات لاعود الى السويد. طارق الذي يقود السيارة انتبه الى أن الطريق المؤدي الى غايتنا ممنوع وهو ذات الطريق الذي علينا ان نسلكه للوصول الى مركز المعلومات السياحية لنسأل عن الباصات و المواعيد و الامكنة التي يتواجدون بها المحطات ! رجع طارق للموقف نفسه ليسأل في بهو الاوتيل عن المكان المنشود, وطلب مني ان ارافقه .. أفاجأ بأنه يريد مني ان أبقى و أنه سيعفيني من المبلغ الذي علي ان ادفعه له بالاتفاق الذي جرى منذ البداية لكن أيضاً مقابل ان اخفض من متطلباتي, وأنه سيسر اذا وافقت لأن الرحلة ستكون عذاب نفسي له لانه تركني ارحل وبذات الوقت لايستطيع ترك مصطفى ليستمر بالرحلة وهو الذي دعاه لها ...وهذا صحيح !!

لم اوافق بالسهولة المنتظرة, لعلمي بأنني لن أكون سعيدا و لن ارتاح طوال الرحلة إذا كانت ستستمر بهذا الشكل .
وافقت لعدة اسباب اهمها بالفعل انا احسب حساب الفلوس التي يمكنني بها ان أسافر لسوريا وابقى ثلاثة اشهر هناك دون ان احتاج لمصاريف اضافية وزاد من حرصي على المصاريف قلة الدخل لان المساعدات التي كانت تأتيني من منظمة الطلاب قد انتهت بسبب تجاوزي العمر المحدد للمساعدة ,كما أن السبب الرئيسي ايضا و ان لم يصدق احد, بأنني كرما لطارق و مصطفى الذين احبهما و اعزهما وافقت. لانني اعلم بانهم سيشعرون بعقدة الذنب ( او هذا ما ظننته) أرجعت الحقيبة و قررنا التوجه الى النمسا فينا ... ركبنا السيارة و اتجهنا لمدينة صديقي توماس الذي يقيم الان في نيوزيلاندا, اسم المدينة برنو ومن ثم باتجاه بلاد العم غليوم الاول و الثاني "بروسيا " النمسا..

في الطريق, بعد أن قدنا ولمسافة 23 كم, اكتشفنا اننا اتجهنا خطأ الى عمق البلاد وليس الى الخارج, قفلنا عائدين نفس الطريق ووضع اخطاء الملاحة على مصطفى الذي معه دفتر الخرائط.. كم صرخنا و ضحكنا, كم القينا على الآخر "كعادتنا" كل الملامه على الاخطاء التي نقع بها, حتى على تلك التي نعرف مسبقا بأننا السبب بها !!

أخذت القيادة من طارق بعد حوالي 200 كم اي بعد ساعتين لأنني قلت له بأنني نمت جيدا ويمكنه النوم ليقود لاحقا..

أخيرا وعند عبورنا الحدود النمساوية اوقفنا الحاجز القديم النمساوي ليرا جوازات السفر و بشكل روتيني بحيث انه لم يدقق حتى بالوجوه أشار لنا بالمرور وبدأت المناظر والمشاهد تتغير جزريا.....!

كل شي جميل الطرقات أفضل, مولدات الكهرباء من الهواء تكثر بشدة, يعلق مصطفى قائلا انها ليست جميلة لكني احببتها جدا. تشبه شيئا فنيا لحد ما, عواميد بيضاء ترتفع بمروحياتها بين الجبال و البيوت وفي الحقول الملونه باللون الاخضر الجميل وتدور ببطئ يثير سؤالا بداخلك!! ألا ترتفع السرعة بسرعة الهواء !! لا أعلم عندما فجأة سألني مصطفى عن ذلك!! قلت له أظن أن السرعة محددة بالتأكيد, معللا ذلك أن المولدات تحتاج لسرعة معينة ليس من المفروض انا تكون كبيرة أو أن السبب ربما إن كانت سرعة الرياح عالية جداً ألا يتأثر المولد بتلك السرعة الكبيرة, لذلك بلا شك أن السرعة محددة..!!

في الطرقات النمساوية تتحدد السرعة ككل الطرقات السريعة باوروبا في داخل المدن 60 في الطرقات الريفية 80 و السريعة خارج المدن 130 كم ساعة , لكن السيارات التي كلنت تمر بجانبي كانت تتعدى ال170أو 180 كم بالساعة.. العاصمة فينا قريبة جدا على الحدود التشيكية 324 كم لكن عندما تهنا عن الطريق الصحيح تصبح 400 تقريبا.

في طريقنا الى فينا مررنا بقرى جميلة جدا ..!! تتأثر ببساطة البشرهناك, تذكرك ببلادنا مع فارق عظيم بالترتيب و الجمال و الطبيعة ايضا !! قرى أقرب للخيال, من قوة الجمال الذي تطلقه عليك. بساطة الابنية و منها تاريخية و تلك القصور و القلاع التي تشع بوهجها من بعيد .. لااقدر على وصف احاسيسي اتجاه جمال غير منطقي ..

في الطريق تستوقفك تلك البسطات الصغيرة على الطريق المؤدي الى فينا .. تقف بجوار كل منها فتاة رائعة الجمال تبيع الدراق و المشمش و الخوخ و الكرز, وكلما قررنا ان نقف عند احداهن نتأخر في الوقوف عندها .. في النهاية نجحنا في ذلك عند فتاة لا تتجاوز الحادية عشر ........ أي حظ...!!

وقفنا قليلا حيث اتصلت بفادي استنبولية الذي لم يصدق أنني اتكلم معه من فينا ودفعت بالتلفون للفتاة لتتكلم معه وبأننا هنا دون أدنى شك !! لكن وجود الاولاد في البيت وزوجته التي لم تكن موجودة و الشباب الذين رفضوا الذهاب لعنوانه مرددين ان لا وقت لدينا, كان سببا في ان لا أرى صديقي الذي لم اره منذ سنين!!

عبورا نحو مدينة تاريخية كمدينة فينا الرائعة !!! لا شك ينتاب الزائر الشرقي الذي أتى من بلاد يقولون عنها أم الحضارات شكوك بكل تاريخه الذي حشر في ذاكرته كالسمك المعلب (السردين) .. أي تاريخ و أي حضارة !!

لــــن أطيل البكائي .. في فينا وضعنا السيارة قرب السنتر .. لنتمشى في (مركز المدينة).

ما أجملهم !! التماثيل و المحلات .. لاشك أن اي منكم يعرف كم هي جميلة تلك المدينة و لاول مرة شاهدت العزف على كؤوس الكرستال ولمقطوعة موسيقية رائعة هي المونامور او عازف الليل كما يطلقون عنها ببلادنا وهي

The Concierto de Aranjuez is a composition لل classical guitar ,و orchestra عزفتها Spanish composer Joaquín Rodrigo

كذلك هذه الساحة الرائعة المسماة بستيفنز القريبة من المركز المذكور وبجانب كتدرائية ستيفنز. وهي تعتبر رمزا من رموز فيننا وهي كنسية ضخمة Cathédrale Saint-Étienne وهي من طراز الباروك المعماري ويبدوا عليه آثار حريق!.

المهم كل شيء كان جديرا بالدهشة و الشي الذي لا يفارقك هو ذلك الكم من الجنسيات المختلفة و اظن يمكنك تمييز المتوسطيين بسهولة, أعجب أو أدهش كم نحن شعب شتاتي .. في كل بقاع العالم ... حيث حللت. هناك عرب.

لم يستطع فادي المجيء, رغم وعده بعد قدوم زوجته لتنتبه على الاولاد, شاء الوقت ان لا يعطينا فرصة لنلتقي ..
وداعا فينا .. حشونا معدتنا الفارغة ببعض الطعام المتبقي في السيارة و ها نحن باتجاه سلوفينيا وعاصمتها ليوبيانا ..

مرة أخرى على الطريق ...كانت الساعة الثامنة والنصف مساء عندما بدأنا التحرك.. لا يمكن أن أخفي اعجابي بالمدن و الابنية كانت فينا خليطا من الجمال الكلاسيكي و الجمال الحديث وربما الصورة التي بالاعلى تعطي فكرة عن ما أقول ..!! لكم ان تحكموا .

٢٠٠٧/٠٧/١٣

اليوم الثالث


اليوم الثالت

لم يكن مكتب قطع التذاكر للعبارة التي ستنقلنا لألمانية قد فتح ابوابه, فلا زالت الساعة لا تتعدى الخامسة صباحا بعد قيادة طالت ال11 ساعة متواصلة حيث اصر طارق على الوصول الى مبتغانا بلغاريا دون توقف حتى أننا لم نر العاصمة الدنمركية !!

أول وجباتنا في الرحلة ..

أخرجت بعض الاكياس وانتقيت منها بعض الخضار و الجبنة و المرتديلا و كان بودي ان يكون الفطور مرتبا نجلس بعد الارهاق من القيادة, لكن الشباب كان لهم رأيا آخر!!

كان من الافضل لي ان أخرج من السيارة التي بدأ طارق بالتدخين فيها, حيث أنني لا أحتمل التدخين بعد اقلاعي عنه منذ مدة طويلة.

لا أعرف إن كانت لحيتي التي لم أشذبها منذ زمن أم أن رجل الامن الدانماركي الذي أتى باكرا في طريقه الى المكتب, هي السبب ليقترب مني و يحيني, فحييته, ثم بعد دقائق اتجه نحوي و سألني لماذا أقف هنا فقلت له اننا ننتظر المكتب ليفتح !! قال لي يجب ان تتحركو من هنا الى مدخل السفينة التي تبعد حوالي ال500 متر.. لم يعرف طارق ذلك, وأن شراء البطاقات للعبارة يجري عن طريق بوابة العبور للساحة التي تتجمع فيها السيارات.. وهذا الذي حصل.

بعد دفع حوالي ال 900 كرون اجارا للعبور الى المانية ودخولنا للعبارة وهي تجربتي الاولى في الابحار مع السيارة وكان ذلك مسليا نوعا ما !!

في الساعة السابعة ابحرت السفينة متجهة الى روستوك و هي المدينة الالمانية التي تقابل غودسر الدنماركية.

في قاعة المقهى في العبارة وعند جلوسنا على المقاعد اصبح كل واحد منا يقلب الافكار ويحلل الرحلة و المتوقع منها !!

أصابنا منذ البداية نوع من الخيبات و الانتكاسات, أنا الذي لا احتمل التدخين و لا التعليق على سياقتي عندما تتجاوز السيارة خط المنتصف المتقطع, الذي اصر طارق على انه يضغط نفسيا و يرتعب كلما تجاوزته, لكن عندما قاد هو السيارة كانت قيادته للسيارة اشبه بقيادة السكارى وذلك عندما صعدت السيارة و لمرتين رصيف الشارع عندما دخلنا غودسر ...

في العبارة البحرية يوجد طبعا مطعم و مقهى جلسنا في المقهى وشربوا الشباب القهوة وانا ربع فطور دون شاي.. أما طارق الذي بدا عليه التعب و العصبية لان بيع الدخان ممنوع حتى الساعة العاشرة, حيث اضطر اخيرا ليخرج على السطح ويستجدي لفافة تبغ ..لكنهم لم يعطوه !!

في خضم ذلك بدت لي الرحلة غير مفهومة بهذا الشكل وأعني بذلك أن نقود تلك المسافات الى بلغاريا دون الجلوس بمقهى او مطعم أو أن ننام باوتيل,على سرير ما, وخصوصا أن المطر كان كالسيل لا يتوقف,

أثرت موضوع التوقف في المدن الجميلة عندما نمر بها او بجانبها و ان يكون موضوع النوم مرتبا بطريقة ان لا نضطر على الاقل الى النوم في السيارة وصولا الى صوفيا عاصمة بلغاريا. وتكلمت مع مصطفى الذي وافقني ومن ثم تكلمنا مع طارق الذي رأى أنني لا احتمل المغامرات ,

" أي مغامرات !!" هل قال له احد بأنني مغامر, لا شك بأنه اخطأ الشخص!!

طارق الذي قبل بالتوقف إما في برلين إن نجحت بالاتصال بسامر جازة, أو برغبة مصطفى الذي قال سنقف ببراغ عاصمة التشيك وهي الدولة اللتي سنمر بها في طريقنا للجنوب .

تلفنت لسامر عند اقترابنا من برلين لم يرد احد. كان موبايلي لايعمل بسبب عدم تمكني من اختيار ميزة به, جربت بموبايل طارق ايضا لا احد ثم تلفنت لأخيه سليم الذي رحب بي قائلا حولوا الى دوسلدورف وان سامر الآن مشغول بدورة تدريبية .. قفزنا عن اقتراحي بدخولنا برلين و أكملنا الطريقنا إلى بلاد التشيك, براغ.!!

لم يسألنا أحد عن وثائق السفر او أن ينظروا لنا على الاقل عندما نمر ببوابات البلاد قبل الوحدة الاوروبية , كان ضوء أخضرا دائماً. أما في التشيك أوقفونا و تفحصوا وجوهنا. وصلنا اليها في الخامسة, كان نهر فلتافا العظيم يرافقنا طول الطريق المؤدي لبراغ. قلت للشباب مازحا .. هذا فلتافا النهر الذي تعرفت اليه من بطاقة بريدية من حبيبة جائت هنا ابان مشاكلي بالعسكرية, وبقي اسم فلتافا و البطاقة البريدية مزحة تطلق على كل نهر وجسر رأيناه حتى انتهت الرحلة ..

براغ .. جميــلة جدا .. بل رائعة بكل ما فيها .. مبان ام بشر .. سياح من اطراف العالم وبكثرة . يظهر للزائر وبشكل واضح جدا أن التشيك يعتمدون على السياحة. من الاشياء الغريبة عند وصولنا مركز المدينة كانت تلك الفتاة الجميلة التي ارتدت ثوب يصل تماما الى الثلاث سنتيمترات أسفل مؤخرتها وبدا واضحا ان الفتاة لم تبذل جهدا كبيرا في اخفاء انها لاتلبس تيابها الداخلية.. !! وبما اني كنت السائق آنذاك فلم أتردد في ادخول الى طريق ممنوع لربح المزيد من الوقت للنظر الى هذه الجميلة الجريئة وخلفها ليس قليلا من جموع قد أثارتها غرابة الامر.

أمام أوتيل رائع ملئت السيارات المواقف التي ربما خصصت لهم كنزلاء وكان هناك بالصدفة سيارة تتأهب للخروج فوضعنا السيارة هناك مؤقتا ريثما نقرر الذهاب الى مكان آخر لتأكدنا ان الموقف ممنوع او غير مجاني على الاقل !!! اقترح طارق اننا يمكننا رك السيارة و استطلاع المركز قليلا و مع اعتراضي على ذلك "كالعادة" وافق مصطفى على ذلك مع المخاطرة في مخالفة.. !!

براغ جميلة جدا .. سياح .. أبنية .. جمال فتياتها التي ذكرتني بكاميلا احدى الفتيات التي احببتهم في حياتي وكانت من ام تشكوسلافية .. كان واضحا ان الجمال يشع من كل شيء .. المحلات التي غصت بالبشر و الكريستال المشهورة به تشيكيا ويطلق عليه البوهيمي عنا .. و ممع أن المطر لازال غزيرا ونحن نقفز كالمجانين من زاوية الى اخرى, محاولين أن نتجنب تلك السيول وذلك بالوقوف بمداخل المحلات المسقوفة .. تمشينا الساعة في المركز وفجأة دخل طارق و مصطفى ليسألا عن سعر الليلة في اوتيل صغير, كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة.

عندما خرجا من الاوتيل كانا قد قررا النوم وقالا لي انه بحمامات مشتركة الامر الذي يغيظني في الاوتيلات الجيدة اذا كانت الحمامات غير نظيفة فما بالك بالمشتركة, مما أثار سخطي بأنهم لم يسألوني اولا و أنهم أخذو قرارا دوني و كاني لا أوجد بينهم ومع أن طارق كان منذ البداية معارضا على اوتيل بمنتصف المدينة إلا انه قرر ذلك لانه لم يعد يستطيع الاستمرار في ان نذهب لمكان آخر من التعب .. أما السيارة التي رجعنا اليها و التي لم نجد مخلفة عليها لحسن الحظ قد قررا ثنائيا أن تبقى مكانها معللين ذلك أن السيارات السياحية لا تخالف لتشجيع السياحة.. أثارني ذلك التناقض لدرجة أحسست بفورة من الغضب وبدأ هنا أول خلاف حقيقي, حتى أن مصطفى قال لاحقا لقد اخفتني.. !!!

كان الاوتيل ظريفا أكثر بكثير مما توقعته و الحمامات كانت نظيفة .. تحممت ثم رتبت السرير الذي سأنام عليه و استلقيت أفكر .. أي ورطة وقعت بها .. لست باعمارهم و أنا لست مغامرا كما يحسبون .. كانو قد جاؤوا بطعام من السيارة و بدؤا بالاكل كالعادة في العسكرية او في المعتقلات .. اليست مغامرة !!!!!!

لم أستطع أن أجاريهما و أكل غصبا عني لأريهما أنني لست مهتماً و أننا على وفاق !! نمت

٢٠٠٧/٠٧/١٠


اليوم الثاني..

قرار رقم 3 الرحلة قد تقررت ..

مررنا جميعا عند رجوعنا من استقبال مصطفى الى بيت زياد يانس و تقديم تعازينا بوالده رحمة الله ومن ثم الى بيت طارق في رنكبي, المدينة ذات الصيت السيء في السويد, لما لها من سجل سيء في الامن و الامان, حتى في ذاكرتي التي لن انسى كيف سرق جوالي بلحظة في بداية هذه السنة ..

كان طارق الذي يعاني من بعض المطبات في العلاقة بالبيت قد أرخى كل الحبال الى البئر ليؤمن طريق العودة الى السطح ان اضطر وذلك عن طريق القبول في مقايضة ما .. جاء المساء سريعا, تعشينا و من ثم اعطانا غرفة اولاده حيث تبادلنا الحديث لساعات قبل النوم ..

في الصباح وعند استيقاظنا كان قرار الرحلة قد أخذ .. سنرحل اليوم بالسيارة الى الدانمارك مرورا باوروبا وصولا الى بلغاريا .. قرارا لا يقبل الطعن و لا التراجع..!!

مصطفى الذي جاء على عجل دون اي ملابس اضافية و طارق الذي قرر الرحلة بلحظة كمن يضغط على الزناد ليقتل نفسه ..اعطاني حوالي 25000 كرون لاشتري بعض الحاجيات و منها جهاز ملاحة للسيارة الذي لم اقبل شرائه لارتفاع ثمنه و بعض المأكولات من شيستا و هي مدينة كان من المفروض ان تكون مدينة المعلومات كوادي السليكون في الولايات المتحدة الامريكية .. استعجلنا كل شيء وكأنه لزاما علينا ان نهرب وبسرعة لا نلوي على شيء .. ركبنا السيارة مررنا على المدينة التي اعيش بها. في بيتي, اخذت بعض الالبسة و طلب طارق مني ان اجلب معي ما يمكن ان نلتحف به ان نام احدنا في السيارة و كانت تلك بداية الشقاق .. لماذا لم يفكر احد من قبل بهذا... لا علينا زوجتي التي رحبت بالامر لعلمها بان لدينا ما يمكنه ان يكون مناسبا لهذا , فأنا لا أذكر جيدا ما لدينا من تلك الاشياء وحسب ذاكرتي المريضة لا اذكر سوى الحرامات التي نلتحف بها .. ودعت الاولاد وكاتارينا .. ثم اخذت الجي بي اس الذي يحوي فقط خرائط الدول الاسكندنافية وصعدت السيارة ودار المحرك ...إلى العالم ..انتظرنا نحن قادمون ..

الدانمارك ..

بعد حوالي 600 كم وصلنا هلسنبوري ثم بمالمو ثم ذلك الجسر الجميل الذي يربط الاراضي السويدية مع أراضي المحتل السابق الدانمارك .. العاصمة الدنمركية لا تبعد سوى دقائق ربما ال20 .. كوبنهاغن كما نسميها و شوبنهام كما يسمونها السويديون و اقرانهم السكندنافيين .. بدأت اشعر بوطأت الملل من السويد فشعوري القديم عندما اعبر الحدود السورية الى الاراضي اللبنانية كنت أشعر بسعادة تغمرني ربما مردها طبيعتي الملولة من المكان و كل شيء .. لكن للقول الدانمارك بلد جميل جدا ..تشبه لا أحد .. لكن هناك شعور خفي بحبك لها ..البيوت الوادعة و الخضار الذي ربما تجد منه الكثير في السويد لكن هناك سحر في الاماكن لا أعرفه..

لازلنا نقود حتى وصولنا الى بلدة صغيرة بها مرفأ والموقع في جنوب الدانمارك تسمى المدينة غودسر .. وصلنا الساعة قريب السادسة صباحا .. فطرنا في السيارة و انتظرنا موظفين قطع التذاكر ..

٢٠٠٧/٠٧/٠٩

الرحلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة


لم يكن شيء من هذا في الحسبان !!!

لم يكن التاسع بعد العشرين, الجمعة من حزيران يوماً مختلفا عن غيره, لولا اتصال صديقي طارق بي معلنا بأن كل ماقاله بشأن الرحلة الى بلغاريا صحيح و ان صديقنا المشترك مصطفى سياتي من النروج الساعة العاشرة مساءً الى مطار استوكهولم.

استقبال مصطفى!!

قال طارق هل ستأتي الى المطار ونتقابل هناك لنرحب بمصطفى .. بالطبع كان جوابي.

كانت الساعة السادسة عندما قررت التحرك الى محطة القطار الشمالية وهي الاقرب الى استوكهولم, بعدما فقدت الامل في المرور لعند احد الاصدقاء لضيق الوقت في مساعدته في تركيب آلة الكترونية اشتراها لتوه!!..

اتجهت لموقف الباص الذي ساستقله الى هناك والذي يبعد عني ضعفي مسافة موقف الباص التي كنت ساستقلها ان كنت سابدأ رحلتي من المحطة الرئيسية املا في توفير بعض الوقت و الوصول قبل الجميع ..

لا أعرف ما الذي جرى !! هل قرأت خطأً ان الباص يأتي بعد كل 35 دقيقة و أن الباص التالي بعد عشر دقائق من وصولي أم أنني كنت في ذلك الوقت قد اصبت بهلوسة وعدم تركيز, مما جعلني اعتقد ذلك .. فالباص لم يأت بعد عشر ذقائق بل بعد 45 دقيقة أي أن الباص المفترض قدومه قد الغي دون سابق انذار ... يقول القانون السويدي المتعلق في مواعيد المواصلات الداخلية للشركة ذات المواعيد المسبقة, أن للفرد الحق في استأجار سيارة اجرة و الوصول الى مبتغاه ضمن دائرة المحافظة في حال أي تاخير الباص, والحادثة التي أعلمتني هذا كانت قبل أيام معدودة. ولكنني للاسف كما جميعا تعلمون أنني لا اجرؤ على القيام بأي عمل, في أعماقي لا أمنطقه, على كل الاحوال جاء الباص بعد 45 دقيقة و اصبح ضيق الوقت يشكل لي ضغط نفسي لدرجة عندما صعدت الباص وقلت للسائقة الخمسينية و أنا أمد يدي لختم البطاقة, "ويقولون أن للسويد المركز الاول في احترام مواعيد مواصلاتهم" اجابت " ولازلوا" !!

جلست طوال المسافة التي أخذت حوالي ال 20 دقيقة أحترق كلفافة تبغ, وعندما وصلنا المحطة الأخيرة وقفت أمام باب النزول الذي يفتح اتوماتيكيا كلما توقف الباص, حسب تجربتي التي تجاوزت الاربع سنوات في بلد لم أزور منه إلا العاصمة التي أحيا في ضواحيها و التي استعمل فيها الباص بشكل روتيني قبل سنة واحدة من الآن بسبب شرائنا السيارة, الباب من فضلك, صرخت بغضب, لم يفتح الباب.... استعرت النار في داخلي كآتون و أنا أرغي و ازبد مرة أخرى ..صرخت وبالأنكليزية " the door please!! كم هو عجيب عندما أتت الفتاة التي كانت تجلس في المقعد القريب من الباب ومدت يدها عابرة الخليتان الضوئيتان اللتان تفتحا الباب.. بماذا شعرت و كيف ترجمت مشاعري لنفسي .. أتركها لكم !!!!

نزلت الباص مسرعاً نحو السلم المحطة ومن ثم شباك التذاكر .. ختمت التذكرة و نظرت للتلفاز الذي عادة يكتب مواعيد وصول القطارات فلم أر شيئا .. رأيت الاتجاهات و المدن و محطات الوصول لكني لم أر المواعيد , رجعت إليها سائلاً عن الموعد الاقرب لمجيء القطار المتجه للمطار فقالت يمكنك النظر الى التلفاز و قلت لها لم يكتبوا شيئا عن الوقت, فذهبت للنظر الى الجدول, في الوقت نفسه يأتيني صوت من شابين ربما أحدهم صديق الفتاة التي سألتها قائلاً ألا تستطيع النظر الى التلفاز و تقرأ المواعيد, قلت له لم أر أي مواعيد, فقال انظر جيدا !!

رفعت زاوية رقبتي بعض الدرجات عاليا و نظرت هذه المرة جيدا نحو يسار الكتابة وإذ بالمواعيد مكتوبة وواضحة...!! فعلت على وجهي علامات البله,.......!!!!!!!!!! يا إلهي اي غباء أصابني , أي شيطان قد أولج بي من فتحة شرجي كل ما بشأنه سحقي و قتلي من الداخل .. كنت أريد أن أرمي بنفسي تحت القطار عندما يأتي.. لا تستطيع اي من الكلمات وصف ما بي من خيبة, لكن مع الدقائق ال20 الباقية لمجيئ القطار و لقاء صديق مشتاق له, كانت كافية لأتابع الرحلة و الحياة .. جاء القطار الجديد الابيض و الازرق الذي يشبه مكوك الفضاء الهوينا ليقف و يفتح أبوابه ليحتويني مع كل قذارتي و غضبي و خيباتي و آمالي, فأجلس في زاوية ذات مقعدين بعيدة عن بقية الركاب فأخرج الوكمان و أستمع للبلوز الذي أحبه .... ستبدأ الرحلة مع الأصدقاء الذين أحب .. و نقضي معا وقتاً لاينسى من المتع و السعادة و ذكرى لاتمحى ..علي أن أكون أكثر ايجابية .. و أنسى ما حصل لي.!

كان الوقت متأخرا كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة, موعد وصول طائرة مصطفى من أوسلو وأنا لازلت في منتصف طريقي إلى المطار فاتصل طارق ليقول لي انتظرنا في محطة تدعى Marsta وهي المحطة الاخيرة للقطار قبل ان تستقل الباص المتجه الى بوابات المطار "و هي مسافة ليست بقريبة و ربما تحتاج لاكثر من 25 دقيقة" نزلت المحطة منتظرا ....!!

حوالي الساعة و عدة مكالمات مع طارق الذي تاه عن المحطة التي نزلت بها, ألتقينا أخيرا سويةً .. أجتمعنا بعد خمس سنوات .. مصطفى الذي نجح في اعادة حريته بانفصاله عن زوجته وسجينان .. يقفون وراء القضبان.. أي سجن أي تعب اي غباء حكم علينا أن نستمر !.