٢٠٠٨/١٠/٠٧

آندرو .. اسكتلندي ذو 96 عاما يسكن سودرتالية




منذ بضعة شهور, جائت زوجتي من عملها كمساعدة لشؤون العجزة في منطقة مارشيلا وهي متلهفة لتتكلم عن رجل من بريطانية بحيا في السويد منذ الحرب العالمية الثانية.. !! كانت كلما تأت من عملها تسرد ماجرى عند بعضا من العجزة التي قابلتهم في هذا اليوم.

آندرو .. طيار حربي بريطاني, أصيبت طائرته ابان قصف برلين في بداية الاربعينات من القرن المنصرم. ولم يكن مايكفي من الوقود حيث ان اصابة الطائرة في احدى جناحيها أفقدها القدرة على الاستمرار في التحليق للوصول الى لندن, فاضطرو للهبوط في الاراضي السويدية, ولكن المفاجئة أن المعلومات التي اعطيت له على ان الارض التي سيهبط عليها هي منبسطة وصالحة للهبوط, حسب الخرائط الموجودة في بريطانية, كانت خاطئة, فما كان من اندرو الى ان هبط على اراضي صخرية ادت الى اصابته بجروح وكسور وتحطم الطائرة بالطبع.

نقل اثرها الى المشفى ومن ثم اعطي جناح دبلوماسي في اوتيل بمنطقة فالون ..

بقي أندرو إلى ان وضعت الحرب اوزارها .. كان اندرو قد اعجب ببلاد السويد واتقن لغتها فقرر البقاء ..

سأتكلم عنه كثيرا لكن غالبني النعاس فالساعة قاربت الثانية منتصف الليل ..

رجعت بعد أيام .. كنت قد كتبت لصديقي عمر ردا على تعليقه, أنني لم أتابع الكتابه عنه وكأنني اسير فكرة الكتابة عنه .. أي جعلني اندرو كالتائه في السطور و النقاط!! ماذا سأكتب عنه ؟ بأي شيء سأبدأ !! هكذا كانت الاسئلة تتراكم يوما بعد يوم , في النهاية رأيت أن أكتب كعادتي, بعد أن انطفئ قنديل الدهشة !! نعم كلنا هكذا .. أصحاب صدمات وصادمين .. لكننا تستيقظ بعد فترة, فنتثائب وتمضي الحياة كعادتها!!
لذلك سأكتب عنه دون تلك الصدمة التي ابتلعها الانشغال اليومي وصراخ اولادي وزيادتي وزني وتحطم الجهازين الاجدد من مجموعة الكومبيوترات المحمولة لدي...
بعد أن تكلم معي على الهاتف واتفقنا على موعد للقاء في بيته يوم الاثنين الساعة الثالثة, سألت زوجتي عن حالته
الصحية, فأنا من اكثر الناس تشائما , فلو حصل شيئ ما, كيف سأتصرف وهل من الممكن ان يتوفى فجأة أو ربما يصاب بذبحة قلبية , وهكذا اشياء .. !! قالت زوجتي لا تقلق وان حصل اي شيء فقط عليك ان تتصل بي !! أراحتني ثقة زوجتي التي لا عهد لها بها قبلا!! لكنها فعلا قد اكملت الرغبة المنقوصة بالخوف والاضطراب.
يوم الاثنين .. الساعة الثالثة .. واقفا تحت المبنى, أركن الدراجة التي اتيت بها من المكب والتي اركبها لاول مرة , صاعدا الدرج للطابق الثالث حسب الوصف وناقرا على الباب بهدوء.... صوت من الداخل يقول .. السلام عليكم ! بلهجة اجنبية, حاول اندرو جاهدا, ان لا يظهرها !! دلفت الى الداخل وأغلقت الباب بهدوء وأنا أرد التحية ب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته !!

أندرو بوجهه المتدلي ويديه المرتجفتين وكرسيه المتحرك .. رافعا عينيه الى الاعلى, لتلتقي اعيننا و ببعض الحذر أمسكت يده مصافحا .
قال لي من الافضل ان نجلس في المطبخ فهناك أحضرت لنفسي ما سأقوله لك وما سأريه !!
جلست في المقعد المقابل وامامي بعض المغلفات التي بدأ أندرو يفتح احداها بقوله سأريك الآن أحد اصغر نسختين من القرآن الكريم في العالم .. !! وكنت أعلم مسبقا عن ذلك في أحاديث زوجتي عن اندرو, قرآن كريم مطبوع بحجم لايتجاوز 2.5 سم ب 2 سم , كاملا ضمن علبه معدنية من الفضة المشغول .قال لي أنه اشتراه في مزاد علني علني في لندن ربما في الاربعينات او الثلاثينات ب 1700 جنيه استرليني وكان المبلغ في ذلك الوقت ثروة .
ثم أمسك ورقة نصف صفراء مكتوب عليها بالالة الكاتبة عدة نقاط , كانت البرنامج المعد للزوار الذين ربما اعتاد اندرو ان يأتو اليه !!
ثم شرح لي عن بعض اختراعاته وتجاربه العلمية وايضا عن رحلاته الى الجزائر ومصر واليابان حيث درس مادة الرياضيات والفيزياء .. كانت الساعة قد قاربت الخامسة عندما قال لي .. أنه تعب ويأسف على ان الوقت الذي قضاه معي ليس كافيا للمزيد!!
وفي طريقي للخروج كان قد اعد لي بعض الهدايا .. مسطرة قديمة وبعض الملفات عن دراسة اعدها ونشرها في الصحف السويدية و نسخات عن رسوماته وآلة يدوية لأخذ البروفيل .. أخذتهم شاكرا وممتنا ومن ثم خرجت من الباب مودعا اياه وبنظرة تصنعت ان تكون مصحوبة ببسمة , إلا أن قلبي كان يتشقق .. ربما لن أراه ثانية ..