٢٠٠٩/١٠/١٥

.. محمد وأنا .. عندهم.. جبريلا وروبير وستيفاني, في لابولو!!


إذا أحبك مليون فأنا معهم.. وإذا أحبك واحد فهو أنا ..وإذا لم يحبك أحد فاعلم أنني مت

..

كانت السادسة والنصف مساء, عندما نزلنا من البيت إلى المقهى .. التقينا بجاك العزيز .. تحادثنا قليلا ..محمد غارق في الانترنيت وأنا وجاك نتناقش صعود وهبوط الأسهم في الداو جونز ونيكي. إلا أن الوقت ذهب سريعا, الساعة السابعة .. موعد إغلاق المقهى .. جاءت منى مبتسمة .. نظرنا إليها مبتسمين, قالت لقد حان موعد الإغلاق لكن لا عليكم .. أنهوا بهدوء أعمالكم.. هكذا .. أغلقنا أجهزتنا واتجهنا للسيارة .. ودعنا جاك .. وها نحن في طريقنا إلى لابولو ..

وصلنا إلى المدينة, لكن العنوان بالنسبة لنا, كان طلسما !! أوقفنا السيارة واتصلنا بجبريلا .. لتأقول انها ستأتي , بعد لحظات أتت بالجميع لاستقبالنا .. كان مكان وقوفنا قريبا جدا من المنزل .. !! وبدأت السهرة ....

البيت .. كان ظريفاً جدا .. صغيرا .. تصعد إليه بدرج ضيق لايتسع لشخصين, ثم غرفة صغيرة بكرسيين منجدين وطاولة صغيرة وبعض التحف الافريقية والتي جلبوها معهم من كندا حيث كانا يعيشان, .. في القسم المقابل .. كان هناك صندوق كبير وضع عليه مضخم الصوت ومشغل اقراص موسيقية .. الضوء كان خفيفا, تنشره بعض الشموع الصغيرة هنا وهناك ....قبلتنا الفتيات .. ستيفاني كانت تلبس ثوبا اسوداً رائعاً .. وكأنها استعدت للسهرة جيدا من أجل محمد العازب الوحيد بيننا !!

جلسنا بجو حميم جداً بدأ روبير الذي - يعمل نصف دوام كساقي في مطعم – بتحضير ما يطلبه ضيوفه .. ويسترسل هو وجبريلا ..قصصهما عن عملية شراء بيتهما .. محمد فضل النبيذ بينما أنا الذي لا يتأثر بالنبيذ, قد اخترت ما تشربه جبريلا وهو شراب المارغريتا .. استمعنا الى موسيقى جميلة .. كان ذوق روبير وجبريلا يتوافق مع ذوقنا انا ومحمد لأننا تقريبا نفس الجيل ..

.. كانت طاولة المطبخ التي وضع عليها الأطباق والكؤوس والمحارم والشموع , تبدو كأنها طاولة تليق بدعوة ملوك .. كل شيء أنيق ورائع .. ولو أنني في آخر الأمر, لم أعجب بالطعام .. !! تناقشنا على رحلاتنا إلى أندورا والمدن التي سبق وزرناها .. حياتنا الخاصة والعامة .. تكلمنا بكل شيء ...ضحكنا كثيرا..

كانت المساحة والوقت قد تأخر لنرقص ونغني ... حان الوقت لننهي السهرة والرجوع للبيت ..

رافقنا لجميع إلى السيارة ..قبلات .. ووعود باللقاء .. ثم صعدنا السيارة .. ودار المحرك .. إلى البيت .. لم نتكلم الكثير .. كان كل منا قد شرب ما يكفي لدخولنا السجن في حال أوقفتنا أي دورية شرطة .. والتي أيضا تخلو طرقات فرنسا كالسويد, منهم ..!!

وصلنا البيت .. جلسنا على الشرفة كالعادة .. وكأننا في كل مساء نراجع ما حدث معنا في النهار .. كان يوما جميلا .. كان يوما معاشاً بحق .. كان الهواء منعشاً .. وكان صوتنا هو الوحيد الذي يعكر صفو السكون .. السكون موسيقى الليل ..... سكون البحر وهذا الهدوء الذي يحيل الوقت إلى أبدية مطلقة ..بدأت أجفاني بالتعب .. تصبح على خير محمد .. وأنت من أهله ..جاوب محمد بصوته الهادئ ..

الخميس 17 ايلول .. ناربون




Narbonne

الكاميرا التي اشتريناها من أندورا لم تعمل.. عدة محاولات لشحن البطارية, عبثا لم تعبئ البطارية... أصبحت لا أستغرب أي سلعة لا تعمل أشتريها ..وهنا لا داعي لذكر البراهين !! .. فذلك تعودت عليه !!!!

في اليوم السابق تقصدت ابقاء الشاحن بالكهرباء .. يا الهي في الصباح التالي .. كانت البطارية قد شحنت ..!! يا للعجب بعد أيام من المحاولات ..!! عظيم .. هاهو الوقت المناسب في تصوير المدينة التي سنزورها اليوم , وحتى السهرة التي دعينا اليها في مدينة لا بولو, عند جبريلا وروبير, في الثامنة مساء ..

استيقظ دائما أبكر من محمد, فأنا أنام قبله بساعة أو أكثر .. في بعض الحالات أترك محمد لكتابة مقال يجب إرساله للجريدة أو المجلة في اليوم التالي .. !! لذلك أجد أن من اللائق أن أترك لمحمد بعض الوقت بمفرده !

بضعا من الايام, تحتاج ليتبين لجميع الساكنين, ببيت واحد, كيفية عادات الآخر من اجل التكيف معه .. كنت قد حفظت الروتين اليومي لمحمد .. قهوته الصباحية .. حمامه , الجلوس قليلا بالشرفة , ثم التوجه إلى المقهى, لقراءة الأخبار بالانترنيت, ومن ثم إلى مكان ما, خارج سان سيبيرين ..إمكانية السباحة .. حسب الطقس .. صباحا أم بعد الظهر .. والسهرة في احد الامكنة .. الطعام, ليس لديه أي أفضليه في قائمة يومياته هنا .. فمحمد لايأكل الدجاج ولا اللحم .. يأكل الثمار البحرية .. يحب النبيذ الأحمر , والجبن,. لديه ذوق خاص به !!

بعد الفطور الاعتيادي , الشاي والجبنة .. وانهاء محمد روتينه اليومي .. اتفقنا للذهاب لتفقد الايميل ..

في المقهى كان هناك جاك الذي لاتزال علامات الوعكة الصحية التي المت به, ظاهرة .. ضممناه وعانقناه وكأننا لم نلقاه منذ مدة ..- عندما كان مريضا قلقنا عليه جداً -.. الحمدلله لقد استرد عافيته !!.. جرى كل شيء بسرعة .. شربنا المشروب وتناقلنا الاخبار والنكات والابتسامات .. وها نحن بطريقنا الى ناربون بعد أن أعتذر جاك عن مرافقتنا,... ولكنه لم يبخل بالنصائح .. !!

في ناربون اضغط عليها لترى بعض المشاهد عنها في اليو تيوب

دخلنا الى المدينة .. كيف أصفها !.. الأمكنة لها أرواح, ألا توافقوني على ذلك !!.. كأن لهذه المدينة , روح بحار, علق على جانبه سيف صدئ .. هكذا صدئ.. وفولاذه لا يلمع .. وكأنه صنع من معدن مطفئ .. ثم يرتدي ثيابا ممزقة وشفاهه مشققة .. هذه هي ناربون .. .. محلات وساحات, مقاهي ومحلات ومطاعم لبيع البيتزا والكباب و الفلافل حتى ..انه امتزاج العصري والقديم .. لوحة جميلة جداً .. وهذا البحر وعلى شاطئه, الشارع الطويل الذي يحده, ترى البشر المتنوعين .. بشر جمعهم, حبهم للبحر والشمس وبعضهم البعض .. التاريخ يحضر بقوة, ربما هو العنصر الرئيسي هنا بعد البحر .. البيوت الحجرية والساحات المرصوفة بالحجارة .. الجدران العالية للكنائس .. ككنيسة cathedral of Saint-Just , والقنال الذي يمر من مركز المدينة Canal de la Robine ...هناك دائما في تلك المدن , أحساس غريب بأرواح حية تلتمس منك حب غامض .. أحببت كل المدن التي مررت بها في هذه الفترة, ربما بسبب صديقي محمد , الصحبة تعطي نكهات الأزمنة والأماكن .. أنا لا أستمتع بأي شيء بمفردي .. طبعا عداك عن "الاستمناء" هههههه .. لكني هنا في هذه المدينة وبصحبة صديقي العزيز محمد .. أحسست بأن الحياة حقاً, تستحق محاولات كثيرة للاستمرار بها .. !!

انتهينا من المدينة وها نحن مرة أخرى على الطريق الريفي الرائع الذي لا يقل روعته عن المدينة نفسها .. طرقات صغيرة تتلوى بين حقول العنب .. تذكرت لوحات بول سيزان الذي قال مرة "تحيى الشمس التي تشع نوراً بهذا لجمال" والرسام فان جوغ الخالد, .. تذكرت رسالته لأخيه تيو يصف المشهد : "يشبه البحر في لونه سمك الماكريل في سرعة تغير ألوانه بحيث لا يمكن معرفة ما إذا كان أخضراً أو بنفسجياً أو حتى أزرقاً لأنه في اللحظة التالية تأخذ ظلاله المتغيرة صبغة وردية أو رمادية". يا لهذا الوصف .. نعم انه حقيقة !!... مددت يدي, وأدارت أصابعي مفتاح الصوت لأخفض مستواه... قلت لمحمد الذي يقود السيارة ويستمع لأغنية فرنسية ربما كانت لشارل ازنافور..., ليست هناك لحظات أتمنى فيها الموت أكثر من هذه اللحظة .. أني سعيد جداً .. وأني أشكرك على ذلك .. !!! الموت سعيدا ً ... الموت حبا, الموت الجميل يجب أن يكون في أشد لحظات السعادة .. برأي !, نظر إلي محمد مستغربا ثم ضحك.. لاتعليق !!.. وتابعت السيارة .. مسيرها بين لوحات جوغ وسيزان ..

تبضعنا للغداء .. ثم اقتراح للسباحة .. علما الجو كان غائما .. الحرارة منخفضة نوعا ما .. لكننا مع ذلك كله, حملنا زجاجة نبيذ جديدة ... ونزلنا .. تمشينا طويلا .. حتى وصلنا الى مكاننا المقصود ..جلسنا وبدأنا بكأسنا الأول .. ثم بدأنا بالحديث عن امكانية السباحة في هذه البرودة .. حتى أننا ضحكنا كثيرا, على رجل اقترب من ماء البحر, ثم عدل رأية بألا ينزل ..ربما من البرودة .. أما أنا فقد ركضت وغطست .. كعادتي الجديدة هنا .. لكن محمد لم يقتنع هذه المرة .. وفضل البقاء وشرب النبيذ على الشاطئ ..

اليوم مساء الساعة الثامنة ... إلى مدينة لابولو .. !! دعوة للعشاء !!