٢٠٠٧/٠٧/١٧

اليوم الرابع ..واتفاق براغ و المرور بفينا




اليوم الرابع

اتفاق براغ التاريخي ..

استيقظت منذ الساعة الرابعة فجراً.لم يكن الشارع الذي يطل من نافذة الغرفة , قد غسل كؤوسه بعد سهرة البارحة. النافذة التي انتقيت سريري بجانبها, حرصا على ان اكون بعيداً عن انتقاداتهما و دخانهما, "فمصطفى أيضا يدخن بالمناسبات السعيدة و التعيسة" وحيث ان السريران الآخران كانوا في العمق الداخلي للغرفة,
وقفت ساندا جسدي الثقيل على حرف النافذة وركبتاي توازيان ذلك الجسد باتكائهما على الجدار اسفل النافذة ..هكذا حتى مر وقت لا بد وانه اكثر من ثلاث ساعات بدت الشوارع التي أمكنني ان اصورها بتلفوني الجوال وهي فارغة , إلا من بعض سيارات التابعة للشركات التي تمد المحلات بحاجياتها (موزعين)

كان البارحة يوما متعبا, تذكرت مساءً قبل النوم, أنني وطارق تكلمنا طويلا بشأن الرحلة, واقترح طارق الرجوع الى السويد مع تحمل الخسارة كاملةً, أي ابتداءً من المصاريف حتى الوقود و العبارات التي ايضا ستنقلنا بالعودة وذلك بسبب ان طارق قد اعاد النظر بالمصاريف و حسبها بأن من المستحيل أن تنجح رحلة كهذه بالميزانية التي ظنناها انها ستكفينا 21 يوم أو حتى أن نصل لبلغاريا, التي لم نقطع للآن سوى اقل من نصف المسافة. كنت تعبا و بائساً. الرحلة التي كان من المفروض ان تكون من رحلات العمر المميزة, أصبحت الآن ورطة لا يعرف مقترحها كيف سيتخلص منها! تكلمنا على المصاريف التي ممكن أن توصلنا لبلغاريا ووصلنا لنتيجة أننا بلا أدنى شك سنصل لمرحلة افلاس بعد ايام معدودة من وصولنا, وهذا غير منطقي بعد كل ذلك التعب من القيادة و النوم بالسيارة... قررنا سوية وبرضى أن نبدأ بالعودة غدا وننسى الرحلة, بدوري أنا وافقت على القرار لكن يبقى قرار مصطفى النائم بأن يرجع أو أن يستمر وحيدا برحلته إلى ليوبليانا عاصمة سلوفينيا لغرض ما في ذهنى لم يفصح عنه!

طارق الذي يعاني من مشاكل كبيرة في النوم واضطراره في تلك الحلات ان يأخذ دواء موصوف من طبيبه قد حوله إلى آلة فونوغراف على اسطوانة فحمية قد ظنها احد ما صحن بلاستيك فاخذ سيفة المنيوم او فولاذ واخذ في تنظيفها .. يشخر طارق كهذا الصوت تماما. في البداية ظننت ان احد ما يقرع الباب بانتظام ثم تنبهت ان هذا الصوت ما هو الا مقطع من شخير طارق المسكين..

الفطور يبدأ من الثامنة حتى التاسعة و النصف.. لم اذهب للمطعم فما زالو نائمين, بقيت أنظر من النافذة على شاب وأظنه شرقي, يفرد اوراق ويطويها على مسطبة في منتصف الشارع الذي لا تمر به السيارات هكذا حتى اقترب وقت العمل فبدأ البشر أشكالا و الوانا يعبرون ذلك الشارع أما صديقنا المهموم بتصنيف و طوي اوراقة لا يعبئ بأحد من المارة الذين لايخفون ضحكاتهم او عجبهم. في التاسعة استيقظ طارق مصبحاً رددت الصباح ............ وبدأ اليوم الرابع .

في العاشرة الا ربعا عندما نزلت البهو مع طارق استقبلتنا الشقراء الجميلة التي لم تكن البارحة. وسالناها عن قاعة الطعام متجاهلين انتهاء وقت الفطور فاعتذرت لأن الوقت أصبح متأخراً ,وأن صالة الفطور قد اغلقت. تركنا لمصطفى الذي استيقظ متأخرا, رسالة تفيد بأننا في مقهى بجانب الاوتيل. في ذلك المقهى الجميل الذي يقع في أجمل شوارع العاصمة التشيكية, كان له الشرف في استقبالنا حيث أنها اول مرة نجلس بمقهى في الرحلة. تحت مظلة كبيرة من الكتان الابيض خارجا على الرصيف, نشرب شيئا ما, ريثما طارق يستيقظ, تماما كعادة المدخنين الذين يقولون اننا لا نستيقظ بالشكل الصحيح الا بعد اخذ حاجة الجسم من النيكوتين, والظريف بالامر و ان بدا لغير المدخنين ادمان فانهم لايخفون عنك متعتهم بهذا.
كان المطر خفيفا مما اضطرنا للتنقل من طاولة لطاولة تجنبا للبلل, كنا في تلك الاثناء بدأنا الحديث عن ماحصل البارحة وبأننا وبدون شك فشلنا في شراكة غير صحيحة و أنني لا أصلح لهكذا رحلات... لأنني متطلب!! وربما هذا صحيح ولكن لأعترف لكم... ليس تماما !! فأنا وإن كنت متطلبا لدرجة ما... لكن ليس للدرجة التي يظن طارق انه خبير بها.. المهم بعد ساعة من الكلام اتفقنا على ما يلي ..أننا سنرجع لاستوكهولم مهما كان قرار مصطفى, اما بالرجوع او بالاستمرار. وكان ذلك القرار قرار طارق الذي حسم الامر تماما قبل مجيء مصطفى .

جاء مصطفى بالقهوة, مرتديا شورته الاحمر تحت سماء ممطرة وبدأنا الحديث الذي سأختصره بأن طارق تراجع عن قراره وأصبحت انا صاحب قرار الرجعة الوحيد بعدما طرح مصطفى افكاره عن المغامرة و المتع المنتظرة و مما لاشك به ان مصطفى يملك ايجابية النيازك في عتم الليل, "جميلة لكن لاتنير" كل شي عنده ايجابي حتى القطب السلبي و العواصف و الكوارث.. وأنا معجب بتلك الايجابية, لكن في ذلك الوقت كانت الايجابية الوحيدة التي سأستشعرها هي بالعودة لسريري و عائلتي يا للعجب!!!!

قررت العودة بمفردي وطرحت عليهم توصيلي لمركز سفريات برية للسويد, لعلمي بحتمية وجودها وخرجنا للاوتيل و اتينا بالحقيبة الوحبدة التي جلبتها معي واتجهنا للسيارة التي اعتقد بأنها و لاشك أن ورقة المخالفة ترصع نافذتها الامامية, بسبب وجودها بمكان مخالف ..لكن ويا للعجب لاشي .. علل مصطفى ذلك بأننا سياح نظرا للوحة السيارة المختلفة.
أخذت الحقيبة ووضعتها في السيارة وركبنا في طريقنا الى محطة باصات لاعود الى السويد. طارق الذي يقود السيارة انتبه الى أن الطريق المؤدي الى غايتنا ممنوع وهو ذات الطريق الذي علينا ان نسلكه للوصول الى مركز المعلومات السياحية لنسأل عن الباصات و المواعيد و الامكنة التي يتواجدون بها المحطات ! رجع طارق للموقف نفسه ليسأل في بهو الاوتيل عن المكان المنشود, وطلب مني ان ارافقه .. أفاجأ بأنه يريد مني ان أبقى و أنه سيعفيني من المبلغ الذي علي ان ادفعه له بالاتفاق الذي جرى منذ البداية لكن أيضاً مقابل ان اخفض من متطلباتي, وأنه سيسر اذا وافقت لأن الرحلة ستكون عذاب نفسي له لانه تركني ارحل وبذات الوقت لايستطيع ترك مصطفى ليستمر بالرحلة وهو الذي دعاه لها ...وهذا صحيح !!

لم اوافق بالسهولة المنتظرة, لعلمي بأنني لن أكون سعيدا و لن ارتاح طوال الرحلة إذا كانت ستستمر بهذا الشكل .
وافقت لعدة اسباب اهمها بالفعل انا احسب حساب الفلوس التي يمكنني بها ان أسافر لسوريا وابقى ثلاثة اشهر هناك دون ان احتاج لمصاريف اضافية وزاد من حرصي على المصاريف قلة الدخل لان المساعدات التي كانت تأتيني من منظمة الطلاب قد انتهت بسبب تجاوزي العمر المحدد للمساعدة ,كما أن السبب الرئيسي ايضا و ان لم يصدق احد, بأنني كرما لطارق و مصطفى الذين احبهما و اعزهما وافقت. لانني اعلم بانهم سيشعرون بعقدة الذنب ( او هذا ما ظننته) أرجعت الحقيبة و قررنا التوجه الى النمسا فينا ... ركبنا السيارة و اتجهنا لمدينة صديقي توماس الذي يقيم الان في نيوزيلاندا, اسم المدينة برنو ومن ثم باتجاه بلاد العم غليوم الاول و الثاني "بروسيا " النمسا..

في الطريق, بعد أن قدنا ولمسافة 23 كم, اكتشفنا اننا اتجهنا خطأ الى عمق البلاد وليس الى الخارج, قفلنا عائدين نفس الطريق ووضع اخطاء الملاحة على مصطفى الذي معه دفتر الخرائط.. كم صرخنا و ضحكنا, كم القينا على الآخر "كعادتنا" كل الملامه على الاخطاء التي نقع بها, حتى على تلك التي نعرف مسبقا بأننا السبب بها !!

أخذت القيادة من طارق بعد حوالي 200 كم اي بعد ساعتين لأنني قلت له بأنني نمت جيدا ويمكنه النوم ليقود لاحقا..

أخيرا وعند عبورنا الحدود النمساوية اوقفنا الحاجز القديم النمساوي ليرا جوازات السفر و بشكل روتيني بحيث انه لم يدقق حتى بالوجوه أشار لنا بالمرور وبدأت المناظر والمشاهد تتغير جزريا.....!

كل شي جميل الطرقات أفضل, مولدات الكهرباء من الهواء تكثر بشدة, يعلق مصطفى قائلا انها ليست جميلة لكني احببتها جدا. تشبه شيئا فنيا لحد ما, عواميد بيضاء ترتفع بمروحياتها بين الجبال و البيوت وفي الحقول الملونه باللون الاخضر الجميل وتدور ببطئ يثير سؤالا بداخلك!! ألا ترتفع السرعة بسرعة الهواء !! لا أعلم عندما فجأة سألني مصطفى عن ذلك!! قلت له أظن أن السرعة محددة بالتأكيد, معللا ذلك أن المولدات تحتاج لسرعة معينة ليس من المفروض انا تكون كبيرة أو أن السبب ربما إن كانت سرعة الرياح عالية جداً ألا يتأثر المولد بتلك السرعة الكبيرة, لذلك بلا شك أن السرعة محددة..!!

في الطرقات النمساوية تتحدد السرعة ككل الطرقات السريعة باوروبا في داخل المدن 60 في الطرقات الريفية 80 و السريعة خارج المدن 130 كم ساعة , لكن السيارات التي كلنت تمر بجانبي كانت تتعدى ال170أو 180 كم بالساعة.. العاصمة فينا قريبة جدا على الحدود التشيكية 324 كم لكن عندما تهنا عن الطريق الصحيح تصبح 400 تقريبا.

في طريقنا الى فينا مررنا بقرى جميلة جدا ..!! تتأثر ببساطة البشرهناك, تذكرك ببلادنا مع فارق عظيم بالترتيب و الجمال و الطبيعة ايضا !! قرى أقرب للخيال, من قوة الجمال الذي تطلقه عليك. بساطة الابنية و منها تاريخية و تلك القصور و القلاع التي تشع بوهجها من بعيد .. لااقدر على وصف احاسيسي اتجاه جمال غير منطقي ..

في الطريق تستوقفك تلك البسطات الصغيرة على الطريق المؤدي الى فينا .. تقف بجوار كل منها فتاة رائعة الجمال تبيع الدراق و المشمش و الخوخ و الكرز, وكلما قررنا ان نقف عند احداهن نتأخر في الوقوف عندها .. في النهاية نجحنا في ذلك عند فتاة لا تتجاوز الحادية عشر ........ أي حظ...!!

وقفنا قليلا حيث اتصلت بفادي استنبولية الذي لم يصدق أنني اتكلم معه من فينا ودفعت بالتلفون للفتاة لتتكلم معه وبأننا هنا دون أدنى شك !! لكن وجود الاولاد في البيت وزوجته التي لم تكن موجودة و الشباب الذين رفضوا الذهاب لعنوانه مرددين ان لا وقت لدينا, كان سببا في ان لا أرى صديقي الذي لم اره منذ سنين!!

عبورا نحو مدينة تاريخية كمدينة فينا الرائعة !!! لا شك ينتاب الزائر الشرقي الذي أتى من بلاد يقولون عنها أم الحضارات شكوك بكل تاريخه الذي حشر في ذاكرته كالسمك المعلب (السردين) .. أي تاريخ و أي حضارة !!

لــــن أطيل البكائي .. في فينا وضعنا السيارة قرب السنتر .. لنتمشى في (مركز المدينة).

ما أجملهم !! التماثيل و المحلات .. لاشك أن اي منكم يعرف كم هي جميلة تلك المدينة و لاول مرة شاهدت العزف على كؤوس الكرستال ولمقطوعة موسيقية رائعة هي المونامور او عازف الليل كما يطلقون عنها ببلادنا وهي

The Concierto de Aranjuez is a composition لل classical guitar ,و orchestra عزفتها Spanish composer Joaquín Rodrigo

كذلك هذه الساحة الرائعة المسماة بستيفنز القريبة من المركز المذكور وبجانب كتدرائية ستيفنز. وهي تعتبر رمزا من رموز فيننا وهي كنسية ضخمة Cathédrale Saint-Étienne وهي من طراز الباروك المعماري ويبدوا عليه آثار حريق!.

المهم كل شيء كان جديرا بالدهشة و الشي الذي لا يفارقك هو ذلك الكم من الجنسيات المختلفة و اظن يمكنك تمييز المتوسطيين بسهولة, أعجب أو أدهش كم نحن شعب شتاتي .. في كل بقاع العالم ... حيث حللت. هناك عرب.

لم يستطع فادي المجيء, رغم وعده بعد قدوم زوجته لتنتبه على الاولاد, شاء الوقت ان لا يعطينا فرصة لنلتقي ..
وداعا فينا .. حشونا معدتنا الفارغة ببعض الطعام المتبقي في السيارة و ها نحن باتجاه سلوفينيا وعاصمتها ليوبيانا ..

مرة أخرى على الطريق ...كانت الساعة الثامنة والنصف مساء عندما بدأنا التحرك.. لا يمكن أن أخفي اعجابي بالمدن و الابنية كانت فينا خليطا من الجمال الكلاسيكي و الجمال الحديث وربما الصورة التي بالاعلى تعطي فكرة عن ما أقول ..!! لكم ان تحكموا .