٢٠١٠/٠١/٠٧

الأغنية لازالت .. لكن الصوت هو الذي يتغير 2




الكل يحلم بتغيير العالم،

لكن لا أحد يفكر بتغيير نفسه.

ليو تولستوي


في المغطس, أرجع كجنين ..لا بل كطفل ..يستشعر احاسيسه المرهفة ...!! صوت المياه ..الذي يتدفق بشدة .. البخار المتصاعد...خارج الحمام, صوت ارتطام الرسائل والصحف والاعلانات من فتحة الباب .. صوت حذاء ساعي البريد .. وهو يقفز على درجات السلم ... رنين الهاتف .. ليس الآن ... الموبايل ايضا.. أين هو .. أقفز من اللوحة .. من الذاكرة .. أسقط من السماء ..

انتشل جسدي المبلل, من المغطس .... أهرع خلف صوت رنين الخليوي .. أين هو ..!! أصل متأخراً .. أنظر للرقم .. !! أحد أصدقائي .. سأتصل به لاحقاً ..!! أنظر لأرض الغرفة .. والصالون وصولا الى الحمام .... لابد أن المياه قد تركت آثارها اماكن كثيرة .. أنظر الى تلك الاقدام المرسومة بالمياه .. بعضها بلا أصابع .. بعضها تبدو كمستنقعين .. الكعب والمشط .. !! سأمسح البيت .. لكني سأرجع للوحة ... سأضع نفسي, احد التلاميذ في لوحة "العشاء الاخير" لدافنشي .. .. !! أصدقائي .. أهلي .. أخوتي .. مدينتي .. أزقتها .. صالون الحلاقة .. دكان السمان .. المدرسة الكريهة أيام الشتاء .. الحديقة العامة .. الحارس مصطفى .. رائحة طهي الطعام المنبعثة من نوافذ المطابخ المجاورة ... أصوات ثرثرة نساء الحي .. بائع السكاكر ذو البذلة الخاكية .. .. !! تتوالى أصوات الباعة المعروفين في الحي .. أبو علي بائع الخضار ..وأبو أحمد أيضا يبيع الخضار .. يلتقيان أحيانا بالحي ويتباريان بتخفيض الاسعار .. ويحلفان بأغلظ الايمان بانهما يبعان بخسارة , أمام أهل الحي .. " قال لي صديقي مرة, بأنه شاهدهما بتقاسمان الغلة وأنهما شريكين" ههههه لابأس .. أنهما مرحان .. ابتسم وأنا أغير من وضعيتي في المغطس .. المياه بردت قليلا .. ساعدلها .. صوت المياه .. هذه المرة أشد, ربما فتحت الصنبور أكثر .. أم أن المياه أصبحت أقوى .. صوتها أعادني الى مصيف, اعتاد اهلي أن يقضوا به بعض الأيام كل سنة .. سيـر .. الواقعة في شمال طرابلس .. أوتيل الجزار .. الرائع .. أصوات الشلالات الصغيرة ومياهها التي كانت تهدر طوال اليوم ..!! - .. أغلق صنبور المياه ..- !! أرجع للاوتيل, صحن الشوربة الذي يسبق الطعام .. كل شيء كما في أفلام السينما .. مرتب وأنيق .. .. صوت العصافير وأجراس تلك الصناديق المعدنية التي تسمى بفليبرز, كلما لامست الكرة بشيء, تحت هذا اللوح الزجاجي.. صوت ابي يقول: كفاك فليبرز اليوم .. لقد أعطيتك بما فيه الكفاية .. "لايوجد فليبز عندنا في سوريا أنها ممنوعة " للآن لم أجد جوابا لهذا !! المنطق في الحكومات الاستبدادية, يتحول الى خرافة .. غفوت قليلا .. لم أعد أتذكر الحلم .. ألم رقبتي وظهري ماجعلني أستيقط وسط مياه لازالت دافئة ... سأفعل شيئا ما !!

اليوم يجب أن أخرج من البيت .. سألتقي معارفي في ستوكهولم .. أي أحد .. أعرف الكثيرين .... لابد أن أحدهم يستطيع أن يقضي معي بعض الوقت في شوارع ستوكهولم .. .. ســــــــــــــــــــــألبـس .... و أستقل القطار .. سأغامر بمئة كرون ثمن بطاقة, تخولني أن أستقل القطار وقطار الأنفاق والباصات العامة ضمن محافظة ستوكهولم الكبيرة .. مفيدة اكثر فلربما لن يحالفني الحظ بلقاء احد المعارف .. فاستقل أي باص, أجلس بجانب النافذة .. وأمسح بعيني شوارعها وناسها .. ستوكهولم التي حلمت يوما بها .. ستوكهولم التي أصبحت الآن مجرد أرقام شوارع وأرقام باصات .. ستوكهولم التي سأزورها .. بعد ساعتين .. بعد هذا الحمام الدافئ .. هي نفسها العشيقة السايقة لآلاف المهاجرين .. العشيقة التي خيبت ظنهم .. فأحرقت الحلم والسنين .. ستوكهولم !!!!! ..... أنا آت ..

بدوت أمام المرآة رجلاً بالكاد أتذكره .. لكنني لم آبه كثيراً .. كنت قبلاً, أتفيئ في سنيني القديمة .. فأنا كنت ألعب كمال أجسام .. كنت أتمرن 4 ساعات باليوم .. كنت أخاف أن أغيب عن التمرين .. كمن ولأول مرة أكتشف بأن في وسعي أن أملك جسداً يحسد عليه .. كان عقدة نقصي حين كنت صغيرا ..

حسناً أنفي .. أنفي الذي بدا لي أكبر بكثير من ذي قبل .. شعري, الذي يسد مصرف الحمام في كل مرة أغتسل ... لحية بلونين .. اسود وابيض .. شفتان مختبئتين وراء أكمة شعر الشوارب ..!! أخفض منسوب نظري الى الجسد .. تصطدم كتلة كروية منتفخة, تحت ثديين مهدلين .. لرجل لم يعد كما كان .. رجل قارب النهاية ..

على ما يبدو لاشيء يفيد .. إن هذبت لحيتي .. إن لبست الثياب, التي اشتريتها منذ سنين ولازلت أتابع شرائي لها , لتوضع في الخزانة انتظارا لحدث جميل ... .. اختلفت الموضة .. زاد وزني .. ثيابي هي فقط دليل حسي على إنني بانتظار حدث جيد .. حدث يفترض به أن يكون مهما لي !! ..

لم يأت .. قطع القماش .. بعضها لازال بأكياس المحل الذي اشتريتها منه !! لكنها لازالت تنتظر معي !!

الفصل الأول