٢٠٠٩/١٠/٠٤

الثلاثاء 15 ايلول بربنيون perpignan ..


الصداقة تحفة تزداد قيمتها كلما مضى عليها الزمن



لأي دوله طابعها الخاص وتميزها, كما لفرنسا, طابع ثقافي اجتماعي يتميز عن بقية الدول, وهذا ما وجدته ظاهرا بقوة في مدينة بربنيون التي تقع إلى الشمال من سان سيبيرين والجنوب الشرقي من الدولة الفرنسية والقريبة من الحدود الاسبانية .. بربنيون كانت المكان الذي سنقصده اليوم ..

استيقظنا وفطرنا في البيت وبدء مشوارنا اليومي الى مقهى انترنيت. وهو محل بقالية صغير به بعض الفواكه والخبز والمعجنات وفي خارج الباب الجانبي للمحل كان هناك عدة طاولات مربعة صغيره وضعوا عليها الزبائن محمولهم " اللابتوب " وكتب على لافتة صغيرة مواعيد إقفال المحل .. الاسم وكلمة السر تأخذها من المحل بالداخل كما القهوة والشاي .. صاحبة المحل اسمها منى ولذلك درجنا على تسمية المقهى بمقهى منى !!..

جلسنا بقرب رجل في العقد السادس من عمره .. "تعرف عليه محمد بنفس المكان وقد قال لي قبلا أنه لبناني ولطيف وهو هنا يعيش مع امرأة بريطانية بيخت جميل" مددت يدي مصافحا, رفعت! رد هو - بلهجة لبنانية بيروتية – أنا جاك .. !!

جلسنا وبدأ محمد في وصل اللابتوب الكهرباء وجاك يناقشه في وضع الاقتصاد وعن تحليلاته بخصوص اليسار واليمين البريطاني وتأثيرهم على الضرائب وانفتاح السوق " هنا أنا لا أفهم أي شي من هذا, لكن الأسماء التي تداولونها قد جاء ذكرها في كتاب محمد " محمد منهمكا في قراءة ما جاءه من رسائل وإخبار .. جاك لازال في حديثه عن الكتاب الذي لم ينته منه بعد "كما قال" .. أنا أجلس أتفحص المكان .. طاولات وكراسي بلاستيكية .. ثلاثة او اثنين من الزبائن قد انغمسوا في شاشات حواسيبهم المحمولة .. صاحبة المحل في العقد الرابع من عمرها, جميلة شقراء تبدو اصغر من عمرها بكثير ... مبتسمة وضاحكة دائما .. الجميع يعاملها بحب وهي تبادلهم اهتمامهم .. تضحك وتتبادل معهم أحاديث جانبية .. .. جاك يتكلم عن البورصة, جاك يشرح لي ولمحمد عن صعود وهبوط الأسهم والسوق .. يتفحص الأرقام وأسماء الشركات بعين خبرت جيدا التعامل مع المال والمغامرات, يبيع ويشتري كل يوم .. يأتي المقهى أما لعدم وجود خدمات انترنيت لاسلكية بتلك المنطقة, أو أنه يأت ليتسلى ويقضي وقتا ممتعا بين بشر قد ألفوا وجهه جيدا .. جاك اجتماعي جدا ومحبوب .. يعرفه الجميع ويعاملونه بحب واحترام.. قال له محمد سنذهب بعد قليل لبربنيون .. فأخذ يشرح لنا عن المدينة وأماكنها الجديرة بالزيارة .. !! سنأتي مساء وتواعدنا للقائه!

إلى بربنيون ..

محمد لايستخدم الجي بي اس.. ومع أن اللغة الفرنسية تختلف عند قراءتها عن الانجليزية بأشواط فقد كان خبيرا بقراءة العلامات وأسماء المدن والاتجاهات .. .. مررنا بعدة بلدات جميلة في الطريق وها قد وصلنا إلى بربنيون .. كالعادة عندما ستصل لمدينة ستتجه للمركز, والظريف بدول أوروبة أنها لم تنسى أن تحسب حساب المركبات لما تحتاج لمواقف وساحات. سرعان ما وجد محمد مكانا بجانب النهر الذي يخترق المدينة, للسيارة..

دائما هناك شيء ما يجذبك للمدن .. جمال المباني .. البشر الزحام السياح وكاميراتهم .. المقاهي التي اختلطت طاولاتها بالمقهى الذي يلاصقها, الساحات الكبيرة .. القصور التاريخية .. المحلات والمطاعم .. !! النشاطات الموسيقية ..

بربنيون هي عاصمة التقسيم الإداري جنوب فرنسا, وهي كانت أيضاً عاصمة المملكة السابقة ومنطقة روزيلو, والعاصمة القارية لمملكة مايوركا في القرن الثالث والرابع عشر. ومن اشهر معالمها كنيسة سان جون الباتستي وقصر ملوك المايوركيين, وتعتبر مركز فني مهم للنحت. حيث اتى النحات المشهور اريستيد مايلول "Aristide Maillol" حيث اقام مدرسة للنحت هنا. كما زارها الفنان الأسطوري, - صاحب المدرسة السريالية للرسم - سلفادور دالي سنة 1963 حيث أقر محطة قطار المدينة, على أنها مركز الكون, وقال أن أهم أفكاره جاءت حين اعتاد أن ينتظر في صالة المحطة.وهناك أقيم نصب تذكاري فوق المحطة تخليدا لذلك.

من أهم المناسبات في بربنيون مهرجان موسيقي لعزف آلة الغيتار, ويقام في الأسبوع الأخير من شهر آب. طبعاً لن أستطع حضوره !!

تمشينا بأسواق المدينة .. وقطعنا مركز المدينة .. لنصل إلى الأحياء الشعبية التي تشبه تماما أحيائنا .. هنا يسكن المهاجرون .. خليط عجيب .. لم أعرف أن كانوا عربا من شمال افريقية أم من الغجر .. أحياء ضيقة قديمة .. أرصفة لاتتسع للمشاة ..بعضهم وضع كرسي أمام بيته .. امرأة تخاطب جارتها التي تنشر الغسيل على الشرفة .. ألوان متعددة من الألبسة المنشورة على الشرفات وخارج النوافذ .. بعض الآليات وضعت لترميم منزلا هنا وهناك .. أصوات صراخ أولاد .. . حتى في لاذقيتي لم يبق هكذا مشاهد .. كنت صغيرا عندما كان الجيران .. النساء بالتحديد, يناقشون أزماتهن وإخبارهن من على الشرفات .. !! لكنهن هنا لازالوا .. كأنها قطعة من التاريخ الاجتماعي, تجمدت حقا .. !! محمد كان خائفا من أن أحدا ما سيؤذيننا! قال لي من الممكن جدا أن يكونوا من الغجر الغير مسالمين ونتعرض للتشليح .. أضحكني كلامه, لكنني بدأت أفكر بالموضوع .. فهذه الأحياء تبدو فعلا خطيرة, ثم أنني أثق بمعلومات محمد عن المكان.. !

مدينة جميلة جدا .. تلك القلعة والكنيسة .. تاريخ يرجعني إلى الزمن السحيق في القدم !! تصورنا وتمشينا كثيرا , زرنا كل معالم المدينة .. ومن ثم شعرت بأنني تعب, وبدا لي ان ألم رأسي لن يزول, مع أن محمد قد اشترى لي علبة من السيتامول, الغير فعال لهكذا رأس!

في الرابعة رجعنا إلى قواعدنا .. البيت وسان سيبيرين... وبدأ محمد في إعداد الفون دو .. وماأدراك ما الفون دو .!! أكمل فيما بعد ما جد معنا في رحلة المساء الى كل من ايلن وارجيليس وكانيه وكورليور.