٢٠١٠/١٠/١٢

أسرا .. من إزميــر


أكبر سمكة هي التي استطاعت أن تقطع الشبكة، وأحلى النساء التي هجرتك، وأحسن الأيائل التي نجا منك ..
رسول حمزاتوف

خلال تلك السنوات العجاف الثمان في السويد, لم أحظ بموعد مع فتاة !! لم أعش حياة السويديين في استوكهولم .. لم أجلس في مطعم سويدي .. لم اسهر لمنتصف الليل مع فتاة في بار أو مرقص .. . !
اقتصرت زياراتي لاستوكهولم إما لرؤية ابناء بلدي المنتشرين في ضواحي العاصمة أو لعمل ما .. !! .. ماتبقى من اوقات حياتي هنا, كانت تقتل, تبدد, وتحرق في أفران الحياة العقيمة, التي - ولسوء حظي - لم تتغير منذ مجيئي لهذه المملكة .... لكن .. للقدر ألاعيبه وللحياة مفاجآتها .. عندما صدفة وأنا أتكلم مع أحد أصدقائي أسمع صوتا انثويا جميلا .. يتكلم بانكليزية لابأس بها .. فقلت له ممازحا .. من هي صاحبة الصوت فيقول لي هذه هي الممرضة التركية التي تعمل في العيادة .. رغبة مني في أن أتواصل معها, طلبت منه أن أتكلم معها .. كانت رقيقة جداً ..
تكلمنا قليلا عن موطنها .. قالت لي انها من ازمير ,, وانها اكملت تعليمها العالي في استنبول .. كانت تتكلم الانكليزية بشكل ظريف جداً, شدني اليها ذلك الدفئ في صوتها .. انهينا المكالمة, لكن صوتها بقي حائما لأيام بعدها !!
في زيارتي المقبلة للعيادة بسبب ألم شديد أصاب أسناني .. رايتها للمرة الأولى .. كانت طويلة 183 سم, بيضاء, شعر اسود فاحم طويل .. ومكتنزة قليلا .. لكنها لم توحي لي بأنها تلك الامرأة اللطيفة التي كنت أحسب .. فلقد كانت مشغولة بأعمال العيادة من ترتيب وتنظيف .. هكذا لم أرتح لها , لم تعطيني فرصة لأستلطفها .. قلت لصديقي .. لاتقل لها بأنني أنا من تكلمت معه بالهاتف .. قلت له انها ليست من النوع الذي استظرفه !!

تكررت زياراتي وزاد ألمي .. ساعدت أسرا " اسمها "الدكتور الذي أوقف النزيف الذي أصاب لثتي. كانت كمن ينتقم مني .. لا اهتمام لاشيء .. "أنا صديق صاحب العيادة" .. !! كانت تستلطف الدكتور الشاب الذي راح يظهر امتعاضه من مزحها وكلامها ... !!
كانت الساعة قد قاربت وقت اغلاق العيادة ..كنا أنا وصديقي نتحدث في غرفته, عندما دخلت أسرا الى غرفة المكتب لتلقي علينا تحية وداع لانتهاء دوامها .. فتجاذبنا أطراف الحديث .. قال لها صديقي ماذا في برنامجك اليوم ؟ قالت له سأشتري بعض الكحول وأسهر لوحدي في البيت !! قال لي بالعربية , "هي لاتفهم العربية " . ان كنت تريد أن ترافقها في سهرة فهي جاهزة لقبول دعوة ما .. !! قلت له لا اريد !! " لم اكن بالفعل جاهزا لأسهر مع فتاة لاتعيرني اي اهتمام .. هذا إن قبلت أيضا .. فانا ربما أكبر منها بأكثر من 24 سنة .. أي ضعف عمرها !
عندما ودعتنا وخرجت من العيادة ..
اجتاحني شعور بأني سأفقد فرصة جميلة لقضاء سهرة ممتعة مع فتاة .. نظر لي صديقي وقال لي, هل أقول لها بأنك سترافقها الى المحطة .. قلت له ارجوك افعل ..!!

مشينا سوية في طريقنا الى المحطة التي تبعد ربما 600 متر عن العيادة .. كان صوتها الذي سمعته في الهاتف, يعود ليحتل بعضا من اعجابي ..!! بدأنا نتكلم عن استنبول .. هي لاتعرف بأني انا من تكلم معها تلك الليلة " ربما كان الامر لايعنيها بشيء" كنت أريد أن أنتقي الوقت الملائم لأرمي حقيقة أني أنا من تكلم معها منذ أيام!! قلت لها أعلم مجموعة معلومات عنك .. قالت كيف .!! حينها قلت لها بأننني أنا من تكلم معها وأنني أعجبت بكلامها وبمعلوماتها عن الاصول التركية لشعوب الوسط البلقاني !!
بدا لي أنها تزيد جمالا كلما تكلمت ..حين أصبحنا على مقربة من المحطة كان علي ان استجمع قوتي لأدعيها على العشاء .. كنت راغبا فعلا في قضاء حياتي معها " وقعت في آتون جوعي العميق لقضاء وقت ممتع مع فتاة شابة " قلت لها مارأيك بدلا من شراء زجاجة نبيذ تشربينها بمفردك, أن أدعوك للعشاء في مطعم ما باستوكهولم, وأترك لك أن تنتقيه بنفسك !!
نعم!! قالتها بلا تردد ..

انتقت مطعما وبارا في منطقة مشهورة من استوكهولم .. كان كبيرا ومليئا بالبشر .. صوت موسيقى الروك الصاخب ورائحة المكان يثير بي ذكريات كثيرة .. !! مما لاشك به أنه مطعمها المفضل .. في قسم من اقسامه توضعت بعض الطاولات الصغيرة .. اخترنا واحدة منها " المتوفرة " وبدأت السهرة ..

كان كلاما كثيفا .. كانت كمن خبأت مستودعا من الأحاديث من التجارب .. مستودعا من رغبات التواصل مع الآخر. كنت أنا ذلك الآخر لحظي الجميل .. الطعام لم يكن طيبا لكن البيرة كان لابأس بها .... كثيرا من البيرة ... البيرة.. صوت الموسيقى المرتفع بأغاني الروك التي تحبها.. الليدزبلن, غنز ن روزيس , ميتاليكا.
.. عائلتها .. ابيها وامها .. اختها المتزوجة في فلوريدا بالولايات المتحدة .. زواجها من شاب سويدي .. رغبتها بالعودة الى استنبول ..
كانت تتكلم بينما انا انظر الى عينيها .. حاجبيها الرفيعين وعينيها القاتميتن كلون شعرها الداكن .. وجنتيها الجميلتين .. كأن الكحول الذي أشربه يزيد من روعتها .. لم تكن المواضيع سوى شخصية .. كل شيء عنها .. كان هناك آلاف الأحاديث .. آلاف الذكريات ..كنت انا المستمع .. والمستمتع أيضا ..
في بعض الاحيان كانت شفاهي تنطق بشيء, لم أعد أحاول أن يكون له معنى .. هي كانت تسترسل بالكلام وكأنه سيل .. سد كبير قد انهار, وتدفقت مياهه الغزيرة .. كنت سعيد جدا بها .. كانت جميلة جدا .. وذكية .. مواضيعها التي تطرحها كانت أكبر من أن تكون لفتاة بهذا العمر .. عن الدين , التقاليد ,التربية .. عن حياتها في السويد .. عن تجربتها في الزواج "لازالت متزوجة" وعن رغبتها في العودة الى دفء استنبول .. كنت بين الحين والآخر امسك كفها واتحسس أصابعها .. كانت أصابع فتاة صغيرة ..قصيرة وناعمة وبيضاء .. وجهها الطيب المنمش قليلا وغمازتيها الجميلتين .. أسنانها البيضاء ورائحتها الطيبة ..
في الساعة الحادية عشر مساء .. أي بعد ست ساعات من الجلوس متقابلين .. قلت لها .. أحبك !! كان هناك لحظة صمت قوية .. ربما شعرت أن الموسيقى قد صمتت .. أو أني فقدت السمع .. ريثما سمعت منها كلمة .. ماذا !! هل أنت مخمور . ..!! نعم وماذا يختلف الوضع ان كنت مخمورا أم لا !! مشاعري هذه هي الآن هكذا .. أحاسيس الحالية تغلي بمشاعر الرغبة والحب اتجاهك .. !! قالت لي أنا لم أعرف اسمك بعد .. قلت لها وماذا في ذلك .. انت لم تسأليني !! فاقتربت منها فوق الطاولة وقبلتها من فمها .. قالت لي لقد قبلتني .. انت مجنون .. .. مجنون .. مجنون ... لابد ان التستسترون قد ارتفع لدرجة جعلك تقول ذلك !! نعم وماذا في ذلك !! لكني الآن اشعر بهذا وأنا سعيد جدا !!

خرجنا من البار مصرة على دفع نصف الفاتورة .. !! ربما من أجل أن تشعر براحة حين ترفضني !! هههه
تمشينا للساعة الثانية ليلا .. بجانب المنطقة المطلة على البحر .. الشبان والفتيات الكثر المتواجدين في تلك المنطقة المليئة بالبارات والمراقص .. بتعانقون .. ويقبلون بعضهم بشغف .. مددت رأسي باتجاهها وقبلتها قبلة طويلة .. قالت لي ارجوك .. اني تعبه ويجب ان اذهب للبيت لانام ..
كان ذلك ايذانا بالوداع ... قلت لها .. سأرافقك لمنتصف الطريق !
ركبنا قطار الانفاق .. واقفا خلفها, محيطا خصرها بزراعي, بينما رأسي ملقى على كتفها ..
وصل القطار للمحطة التي سأنتقل اليها الى قطار آخر ....
قالت لي .. وداعا ..

خرجت مسرعا ... علني اجد قطارا متجها الى خيبتي .. !!