٢٠٠٩/٠٥/٢٧

اللاذقية تستمر ..عبد اللطيف أبو شامة والأغا محمد هارون والسيد الكبير سهيل جازة

ماذا يعني أن يكون لديك أصدقاء في مدينة كاللاذقية, ماذا يعني أن تحتل علاقاتك بأصدقائك أكثر من نصف عمرك !! النصف الثاني للنوم والعمل والطعام والمرض والزوجة والأولاد .. ومعاملات الدولة !!!

في أغلب الأيام أكون قد أنهيت ما أريد فعله وترتيبه قبل الساعة التاسعة مساء , موعد إغلاق مكتب زحل للسفر , فأتسلل من أي مكان لآت في هذه الساعة قبل الإغلاق , فأدخل محيياَ صديقي محمد هارون الذي يجلس في مكان الصدارة للمكتبه المطل على الشارع مقابل الباب الكبير لمدرسة الأب سالم " الأبسالة" كما اعتاد على تسميتها أهل اللاذقية باعتبارهم لا يلفظون الحرف الأخير من الكلمة .. فالقي عليه التحية فيقول لي دقيقتان وأنتهي من تحضير هذه التذكرة .. فأنتهز الفرصة لأفتح الانترنيت وأبدأ في قراءة ما أتاني على صندوق بريدي الالكتروني وبعض ما يثير فضولي من أخبار .. ريثما ينتهي "الآغا أبو فؤاد" ... "باعتبار مكاتب السفريات في سوريا لها ترخيص بخط نت سريع"... فيأتي صوته مرة أخرى وهو ينظر الى الشاشة وليس لي .. هل تريد شايا أم نسكافيه فأشكره.. يأتي ببعض بسكويته التركي المفضل بطعم المشمش أو المنجو ويضعهم أمامي, ...أتململ قليلا ليسرع في إنهاء عمله, حتى نتوجه لمخزن السيد عبد اللطيف أبو شامة العزيز .. فيقول لي "دون أن يدير رأسه باتجاهي, .. باقيا بنظره إلى لوحة المفاتيح" ... لن نتأخر ..!! عندما بنتهي.. نغلق المكتب سوية.

نتمشى ويبدأ, أو نتابع حديث الذي ربما بدأ بالمكتب... مرورا بمحل أصدقائي" محمد يونس ومازن مصري " لتصليح أجهزة الخليوي فنقف قليلا نسمع آخر النكات ..ونضحك !! .. نتابع المسير ...أخيرا بعد أن نحيي عدد من الأصدقاء المتواجدين على خط مسيرنا نصل لمخزن العبد, الذي وضع كرسيين بلاستيكيين بيض على باب مخزنه, محتلا من رصيف المشاة نصفه تقريبا " للعلم الرصيف إما لركن السيارات أو للبضائع التي توضع خارج المحلات أو كالحالة لدينا, يجلس صاحب المحل وأصدقائه أمام مخزنه, عدا ذلك المشاة لديهم الشارع بطوله وعرضه للسير عليه !! " .. ........ أما هو, فإما يبيع شيئا في الداخل أم في منتصف نقاش عن أمور الحياة المعقدة والمكركبة .. يرحب بنا في كل مرة, أحر من التي سبقتها.. شعوري بالطمأنينة بجانب هؤلاء الأصدقاء يمتعني ...أنا أهم بالجلوس على الكرسي الصغير الأزرق الذي وضع بين الكرسيين الكبيرين ثم يأت الآغا ويقول لي ألا تشرب شيئا أجلبه لك فأشكره نافيا رغبتي بازدراء أي شيء .. فنجلس وتبدأ الأحاديث, يأتي يوسف حمادة وربما أخيه هيثم ثم عدد من الأصدقاء ريثما يستقر رأي العبد أما برحلة بسيارته الشاحنة أو كل على بيته .."بالطبع ماعداي, فأنا عصفور بري الآن" .. إن كان الاختيار على الشاحنة (وهي تسع لاثنين, أنا والآغا ) فهناك عدة خيارات سنتجه لمطعم ما في الطبيعة أم فقط بين الطرقات القريبة من اللاذقية مثل رأس الشمرا والشاطئ , أم نركن السيارة بجانب الكورنيش ونتمشى!! وتمضي الأيام .. في الحالات العادية عندما يصر العبد على احد المطاعم المركونة بجانب الطريق المؤدي الى رأس الشمرا, يعصب الآغا ويقول إن لم تأخذوني البيت فسأستقل سيارة أجرة للبيت !! فنوصله البيت فنتلفن لسهيل الكبير إن كان متاحا, فنأتي به , ثم الى احد المطاعم الذي كان يصر السيد عبد على دفع الحساب دائما..!! والمشهور أن العبد يحب جوانح الدجاج المشوية على الفحم .. عندما نلتقي بالآغا في اليوم التالي, يقول ضاحا " شو صرتو عم بطيرو .... قال !! "" لذلك وحبا بالسهرة معا خاصة عندما يكون سهيل قد أتى إلينا, حصل أن أحضروا الشباب ما لذ وطاب لشقتي وسهرنا معا إلا أن ذلك لم يحصل إلا ربما لمرتين او ثلاث .. ولن أنسى كم كانت المقانق التي جلبها عبد اللطيف شهية, تذكرت بها كل سندوتشات المقانق التي أكلتها في حياتي !!

في الأحيان الأخرى وهو ماتكرر في الآونة الأخيرة, يأت سهيل الى مخزن العبد مباشرة حين نلتقي ... .طبعا, بعد اتصال هاتفي, فيقول عشر دقائق وأكون بين الأيادي.. فيطول به الأمر إلى النصف ساعة, فينظر الآغا إليه ويده اليسرى مرفوعة كمن يقرأ الوقت و فيقول .. سيد سهيل مواعيدك كالطيران السوري !!! هههههه

عموما عندما يأتي سهيل تتغير المشاريع, فالشاحنة لاتتسع ل4 أشخاص " في مقاعد الكبين طبعا " فيبدأ المشوار سيرا على الأقدام ابتداء من مخزن عبد اللطيف, الملاصق لفرن العواد حتى عتبة باب بيت كل منا .. مرورا بشارع الجمارك النازل الى بوابة المرفأ ثم المستودعات و بمحاذاة شاطئ البحر الى الكورنيش الجنوبي وصعودا الى الفرن الاحتياطي حيث يقطن الآغا.. فيأخذ الوداع أمام مدخل بنايته, حوالي النصف ساعة, ليكتمل حديث ما بدأناه, ثم نشتري ربطتان من الخبز الذي خرج لتوه من الفرن متوجهين الى البيت .. فنودع عبد اللطيف على المفرق وأكمل أنا وسهيل لبيته فتستمر السهرة الى الرابعة مع عشاء بيتي لذيذ .. فأفتح الباب مودعا سهيل وزوجته على أمل اللقاء ربما غدا أو بعد غد. أقفز عن عدة درجات مرة واحدة لأصل خارج المبنى,, رائحة الصباح ممتعة, الطريق الضيق والسيارات المركونة على الرصيف لاتترك لك المجال إلى أن تخوض السير على التراب في منتصف الطريق بسبب الحفريات, أنظر للأعلى فأرى السماء بلونها الرائع عند الساعات الاولى للصباح .. زقزقة العصافير .. طيران بعض الحمامات وصوت خفق أجنحتها .. صوت الأذان من عدة جوامع ومساجد قريبة وبعيدة .. نسمات عليلة .. تهمس لي بكل الأغاني التي أحب والقصائد التي لم تقرأ بعد .... أتجه يساراً فأرى الحديقة والشجرة التي زرعت عندما كنت لازلت صغيرا ألعب بالحي, أصبحت أكبر من كل الأشجار الباقية ... أنا كبرت في السن .... حسناً ..!! لكن مهلاً , فأنا في داخلي لا زلت ذات الصبي .. أقف ساندا جسدي بكوع يدي, وإحدى قدمي على جدار الحديقة ......فتتابع الذكريات .. هنا لعبنا .. لعبه " عيش دك كديش" "هناك تصورت أنا اثنين من أصدقائي قد تركوا الحياة باكرا .. هناك .. تحت النخلتين كنا نلعب الكلال .. كان عمار وزان من أمهر أولاد الحارة ... في الساحة الصغيرة .. حفرنا عشرة حفر صغيرة مناسبة لكرة التنس لنلعب لعبة الجورة .. أما خارج الحديقة .. مقابل منزل أهل صديقي محمد كركوتي وبيت اليونس خططنا الطريق لنلعب لعبة الخبر " تشبه لعبة الكريكت البريطانية .. ثم في مرحلة أخرى بذات الحي لعبنا بالمضارب " كرة المضرب" وفي السبعينات عندما أصبحت في الرابعة عشر طغى على الحي حمى الدراجات النارية .. فاشترى لي والدي دراجة 50 سل هوندا .. وكان لدى عبد المسيح حلبي 125 سل ومحمد منلا 90 سل والبقية كان لديهم دراجات اوتوماتيك .. "فرفيرة" مما كنا نعتبره دراجة أولاد هههه لن أنسى ماحييت .. ما كتبته ماري , أخت عبد المسيح على جدار الحديقة " تماماً حيث أقف الآن " حارة الهوندا والفكر الفاضي" ....... المصلين مروا من أمامي باتجاه الجوامع "هناك عدة جوامع ومساجد قريبة من حينا قديمة وحديثة " ينظرون لي محيين " السلام عليكم ! أرد باحترام ظاهر وعليكم السلام" ..

أي حياة يحياها الإنسان مع ذاكرته, ماضيه, سنينه التي مضت وسنينه التي ستمضي .. عمر طال أم قصر .. يبقى هناك دائما مكانا كبيرا للذكريات ..... رجع المصلين من صلاة الفجر, أيضا السلام عليكم , السلام عليكم .. أنا ابدو لهم كمشعوذ ذو شعر طويل وجسد مترهل, وعيون تعبة .. ربما يظنون بأني مدمن مخدرات ههههههه

أصبح ضوء الشمس اشد سطوعاً في السماء .. الزرقاء الصافية .. لازال هناك زقزقة العصافير وان خفت حركتها قليلا .. حان الوقت لأصعد بيتي .. فتتحرك تلك العضلات التعبة المسؤولة عن تنفيذ أوامر العقل لتحملني وتسير وتصعد الدرجات بي الى بيتي .. أخرج المفاتيح .. أنظر الى الأوساخ التي روموها الأولاد على الفسحة السماوية المطلة على نوافذ مطابخ الجيران , فأبتسم .. لقد كان اليوم والبارحة ظريفاً .. هل سأنام في غرفة النوم .. أم على الشيزلونغ كما يسمونه وهي اريكة طويلة يستعملها اطباء النفس لمرضاهم!! واشاهد التلفاز ريثما تبدأ أجفاني في الهبوط اللزج لتغلق يوما مليئا بالأصدقاء والمحبين ... وبعض النساء .. .......... يتبع