٢٠١٠/٠٩/٢١

شهرا من العمل ..انتهائه وترتيب البيت من الاغراض






اننا نقتل أنفسنا عندما نضيّق خياراتنا في الحياة.
نيلسون مانديلا


هكذا يمر عمرك دون ان تفكر بأنك قضيت عليه بترهات وتوافه .. قضيته هكذا لانك لم تختر الصواب بما تحبه وتظن بأنه يجلب لك السعادة .. !! كنت أظن بأن حصولي على عمل قريب من بيتي "17كم" والقيادة بمنطقة محددة لاتتجاوز 3كم مربع هو شيء اكثر من ترف بالنسبة لي .. هكذا ظننت منذ البداية .. مع مرور الايام الاولى .. شعرت بثقل العمل وبأنني لم أعد ذات الامكانيات الجسدية التي كنت امكلها سابقا .. حسنا .. لقد هرمت , صرت بدينا اكثر .. اوجاع الظهر والرقبة ثم الركب والمفاصل هذا الصيف , جعل عملي صعبا وبدأت أكرهه ,, ليس بيدي حيلة ,, لقد استنفذت الغربة طاقتي وأصبحت كومة من النفايات التي يجب ان تنتهي في مكب ما !.

مع ذلك كنت من الضعف ان اترك العمل .. كأن أقول هكذا.... ببساطة .. لن آت للعمل بعد الآن !!.... لمَ لا !!
في خدمتي العسكرية الاجبارية .. قلت لا .. وبالفعل لم التحق بقطعتي .. وكان الثمن باهظا .. وان لم ادفعه كاملا !! لكني لم اتردد .. لم احتج سوى لقرار حازم وسريع .. الآن كل شيء تغير .. الحسابات تغيرت .. المسؤوليات .. الشجاعة .. المواقف التي كانت بديهية وسهلة , الآن أصبحت تخضع لمراسيم روتينية ونتائج استفتائية .. نعم تابعت العمل حتى لآخر قطرة زمنية .. العمل الذي سررت باتنهائه لأنني تعبت واستنفذت كل طاقتي به .. النفسية والجسدية .. لقد انتهى بعد 6 اسابيع.. الاسبوع الاخير كان بدوام جزئي لثلاث ايام .. وهكذا رجعت لروتين قديم , ألخصه بتوصيل الاولاد الى المدرسة وتحضير الطعام وترتيب البيت من النفايات والاغراض التي احضرتها من المكب ..


المشاكل مع الزوجة التي اصابها كآبة من منظر بيتنا, الذي اصبح من المحال الحياة به بشكلها الطبيعي .. زادت واصبحت تفرز خلافات تصل الى جدالات عنيفة تصل الى حد الخروج من البيت او الصراخ والبكاء" من جهتها" ....
فالاغراض الموزعة على ساحة غرفة الجلوس الكبيرة, تحتل كل مساحاتها .. الالكترونيات والحقائب المليئة بكل انواع الخردة منثورة هنا وهناك , لتحتل حت
ى مواضع اقدام الاطفال الذي يقفزون بينها .. منظر يشبه بيتا بعد ضربة زلزال قاصمة ..
زوجتي السويدية لم تعتد هكذا وضع ولم تعد تحتمل .. استمر هذا الوضع طوال الشهرين وعلاقتنا المتوترة بشأن أين سأرميهم .. وأنا لم آت بهم لأرميهم .. هنا الاشكال !!
الحل الامثل كان في توضيبهم وبمساعدة صديق
لي من اللاذقية " عيسى طالب " يسكن في بلدة قريبة من بلدتي قررت بموافقته ان اضعهم في مستودعه لريثما اقرر ماذا سافعل بهم ..
وهكذا .. ولايام عديدة عملت بجهد كبير لأنهي مشاكلي مع زوجتي وترتيب ما امكن غرفة الجلوس .. نتج عن هذا اصبتي بالام الظهر والمفاصل بشكل كبير ..

انتهى العمل .. بدون اصابات .. بدون حوادث .. لولا سرقة الدراجة واغراض السيارة.., لقلت مر العمل هذه السنة بهدوء .. الآن يجب التحضير لعودتي الى البلد .. بالطبع مؤقتا .. شهرين او ثلاثة او اربع ان استطعت .. لاذقيتي .. اشتقت اليك .


٢٠١٠/٠٩/١٨

يوم في العمل ..






يبدو أنني سأعيش وأموت فقيراً، فمن الصعب على رجل في الخمسين أن يشرع في تعلم أصول السرقة !
نجيب محفوظ




في سرد الحياة اليومية هنا في السويد, تجد ان الاحداث القليلة تملئ يومك بما فيه الكفاية بل وربما تزيد عنه قليلا .. ليس لان الاحداث كبيرة .. بل ان اليوم هو القصير جدا .. قصير بحيث لاتجد متسع لتفعل نصف ماظننت انك فاعله بيوم واحد في حياتك السابقة, او ربما بجملة اوضح , نصف ما كان يمكنك او مااعتدت ان تفعله في وطنك... منفاك السابق !!
الزمن بمعداته المتطورة, يتسابق مع جدول اعمالك البطئ والمتخلف.. تستيقظ باكرا, علك تربح مسافة عنه .. لكنه بفاجئك, انه لم يكن اصلا نائما .. انه يسبقك بمراحل .. .. تزدرد مايجعل امعائك تسارع بطلب الافراغ .. فتجلس بالمرحاض, ضاغطا على منطقتك الوسطى من جسدك
بكل ما اوتي لك من قوة داخلية وخارجية .. لتجعل يومك اقل قلقا بشأن الدخول الى المراحيض العامة . أو ان يفرض عليك فجأة أن تترك عملك لتبحث عن مرحاض لتفرغ مخلفاتك .. نعم قلقي يجبرني على كل هذا .. ثم يأتي دور البحث عن ثياب العمل النظيفة .. وهكذا يتسرب الزمن من ساعة معصمك وتلك الموجودة في اعلى باب المطبخ ... يجب ان تنهي كل شيء .. ان تلقي نظرة على الاولاد وهم نائمين .. تقبلهم وتركض الى سيارتك .. تفتح الباب وتجلس وتدير المفتاح فتسمع هدير المحرك .. الحمدلله دارت السيارة .. لكن ماهذه الفوضى في السيارة .. اكتشفت ان كل ماتحتوية السيارة من اشياء ثمينة , قد اختفت !! أحدا ما قد فتح باب السيارة وأخذ ما يمكن أخذه .. لم تسلم حتى الراديو, التي لحسن الحظ لم ينجحوا في فكها فتركوها ووضعوا اجزائها جانبا ..!!
من سوء حظهم ان جل ما اخذوه لايمكنهم تصليحة فقد كنت قد نسيت ان اخذ الاشياء التي اخذتها من المكب الى البيت .. ما اخذوه وحزنت من اجله هو هدية من صديقي محمد قشقارة وهي عبارة عن مرسلة اف ام .. لكنني غضبت بسبب ان السرقة التي راح ضحيتها الدراجة حصلت قبل يوم واحد فقط .. مما زاد قلقي بازدياد السرقات بالمنطقة .. لكني الاهم انه يجب علي ان اصل العمل في الموعد المحدد .. ارجو ان لايفتح الجسر وان لايكون هناك اي حادث على الطريق .. ثم اخيرا ان تصل السيارة الى مكان العمل دون ان تتعطل .. ادير مفتاح المزياع ويبدأ مشواري الى العمل ..

سألته لعبد الله الداغستاني ما اسمك من اجل تقرير الشرطة بشأن سرقة الدراجة .. ياعتباره مالكها .. قال لي اسمي أومالات شخبشكوف .. سألته, عبد الله اوملات شخبشكوف .. قال لي لا .. اسمي عبدالله باعتباري مسلم ..اما اسمي الحقيقي اومالات .. ليس هناك عبد الله على الورق انما فقط بين الاصدقاء !!

يبدأ العمل بتفقد ماتحويه الحاويات من اشياء ظريفة, او ما
يمكنني ان انتشله من الكترونيات محطمة , موبيلات اجزاء من كومبيترات العاب اطفال ؟.. كل شيء يثيرني ..اي شيء التقطه من تلك الحاويات هو مشرع ما .. ارسم له مخططا كيف ساصلحه .. امضي وقتا في تحليلاتي عنه .. في اغلب الاحيان لا اجد شيئا ذو قيمة .. ثم الخوف من الكاميرات التي تراقب كل شيء والموصوله بالمكتب المركزي وربما يتهئ لي ان هناك جميلة ما تراقبني حين اهم بالغطس بتلك النفايات .. اي فكرة سوف اعطيها عني.. قلت عنها جميلة ما !! نعم هناك في المكتب الرئيسي الذي يبعد عن مكان عملي المئة متر لا اكثر , ربما 7 نساء مثيرات جدا .. 7 نساء يفضن انوثة وجمال .. كنت اتحاشى الذهاب الى صالة الاستراحة حتى لا اراهن .. الصيف والتنانير القصيرة .. وما ادراك !! سيقان ونهود .. سويديات من الدرجة الممتازة .. نعم يا لهن من جميلات .. !!! المهم .. في تلك الساحة التي تتوضع بها الحاويات يعمل السيد عبد الله خشبشكوف الداغستاني .. صاحب الدراجة المسروقة من امام منزلي .. ! هاهو يلقي علي السلام بالعربية .. اسلام عليكم .. اجاوبه تماما كما يحب .. !! ويبدأ محرك العمل بالدوران ..

اصعد الشاحنة التي ترتفع عن الارض اقل من مترين باربع درجات وادير المفتاح ويبد المحرك ذو 460 حصانا بالدوران والهدير .. تلمع اضواء المقصورة .. المؤشرات وعدادات السرعة والزيت والضغط والهدروليك .. كل شيء كما ينبغي .. ارفع المكابح وتدور العجلات .. بدأ يوم آخر مع الحياة ..