٢٠٠٨/١١/٠٧

الغربة بعد سن الاربعين



أعاني أنا كانسان أتى من الشرق في السويد العديد من الأمور التي تحيل حياتي إلى جحيم, وارتأيت أن أكتبها لكم, علها تعطي فكرة عن ما يعانيه الشرقي كمثل عام في بلد, على ما أعتقد, شبيه بأي بلد آخر , لا يشترك مع تاريخ هذا الإنسان بأي شيء, وأعني, اللغة , الطعام, العادات الاجتماعية و وإلى ما يتبعه من عاديات الحياة اليومية.طبعا كنبت عن هذا ويمكن لمن يريد الرجوع لما كتبت قراءة انقرهنا

لكن في حالتي هذه,- ولا أظنها حالة شاذة- فأنا خلال فترة إقامتي هنا والتي زادت على ست سنوات وزوجة وطفلين, لم تبارحني فكرة الرجوع إلى بلدي. والدافع الرئيسي للفكرة هذه ,التي لا تفيد حياتي بشيء , هو عدم تأقلمي مع مجتمع, يطلق عليه المجتمع الصناعي الحديث, حيث تقولب عبر سنين القرن الماضي بقالب الفردية والتفكك الاجتماعي.
بدأت الثورة الصناعية بخلق
حالة اجتماعية جديدة سببها حاجة هذه المصانع إلى ساعات عمل طويلة وأدت بالنهاية إلى تفكك تلك العلاقات الإنسانية, التي لا زالت لنا نحن الشرقيين خبزنا ومائنا. ولأعطي مثال عن ذلك سأكتب عن بعض الأمور التي تبرر لي هذه الفكرة وهذا الانهزام أمام قدرة التأقلم النفسي على حياة كنت أنا من شجع العديدين من الأصدقاء على تبنيها, بل والخوض في غمارها. وربما هذا ما أراد القدر أن يثبت, بأن الفكر النظرية التي لاتعتمد على تجارب واقعية, هي مجرد كلام, يبقى كلام ليثبت صحته بالتجربة والبرهان, وها أنا هنا على هذه الشاشة أو الورقة أعتذر إلى كل من شجعت أو تكلمت أو ساعدت على خروجه من بلده " أن لم يكن مضطرا" اعتذارا شديد لما يمكن أن يسببه هذا التغيير من تعاسة في حياته " أظنني أبالغ " !!! وربما أنا كحالة خاصة, حيث أتيت في سن غير مناسبة, أتيت الى السويد في سن 42 وجاء ابني الأول بعد أقل من سنة. وبدلا من أن أعمل " وانخرط في الآلة اليومية, رحت الى تعلم اللغة التي كنت أرجو من خلالها إعطائي فرصة أفضل للعمل, مبررا ذلك بأنني في هذه السن لايمكنني ان اعمل في التنظيف والمطاعم لأغسل الأطباق !! لكن مع انعدام فرص العمل خصوصا باختصاصي وهو العمل الذي شغلته سنيني ال14 الأخيرة في بلدي كمصمم داخلي, بقيت في الدراسة حيث أنهيت برنامج الصفوف الأخيرة قبل الجامعة ومنذ ثلاث سنوات دفعت أقساط ثلاث سنوات دراسة الستاندرد الاسكندنافي المعماري في إحدى المؤسسات التعليمية في كوبنهاغن , إلا أن الانهزامات اليومية والكآبة حلت دون إكمالي ذلك وأنهيت المتابعة بعد 6 أقسام من اصل 30 .. وبعد خمس سنوات من مجيئي للسويد بدأ أفكر بأنني يجب أن أتأقلم وبأي شكل و ويجب بدايةً أن أبحث عن فرصة عمل بغض النظر عن سني ونفسيتي والحالة الجسدية التي تردت جدا !! فبدأت دورة تأهيل سائقين للشاحنات و العمل الذي ظننت بأنه يناسبني, لكن وكعادتي, كنت على خطأ .. فالسائق هنا هو الحمال والمستلم والى ماهناك من مسؤوليات كنت اعتبرها خارجة عن المهنة, فعلى حد علمي بأن السائق يقود الشاحنة ...فقط !! انقر هنا ومع ذلك اجتزت الكورس وبدأت العمل .. إلا أن العمل بعد 6 أشهر , بين سائق شاحنة للنفايات "شهران" وبين سائق لمختلف انواع البضائع والشاحنات للمدة الباقية , وطبعا هنا وهناك وبشكل متقطع , لا أعرف إن كنت سأعمل اليوم أم لا .. بدأ يصبح ضغطا على أعصابي وعلى حياتي اليومية .. فأنا سائق فاشل , ولا أعرف المناطق ولا الطرقات ولست ممن يحفظ من أين أتيت ولا من أي طرق سأخرج .. شكل هذا النقص في المعرفة والموهبة عائقا كبيرا في مهنتي الجديدة وضغطا مؤلما على أعصابي في كل مرة أقود بها شاحنة ..ومن الأشياء التي تزيد من ضغوطات الحياة اليومية هنا أنك لم تعد تملك أصدقاء .. لي فقط صديقين هنا وهما ليسا سويديين , فأنا لم أفلح في مصادقة سويدي واحد طوال فترة إقامتي هنا..

أما حياتي اليومية .. فانتم تستطيعون قراءة أي شيء قديم عن جدول ساعات يومي .. التي تبدأ بصراخ وليم وفيكتور الساعة الخامسة وتنتهي بعيون مبحلقة على شاشة الكومبيوتر الساعة الواحدة .. أما مابينهما , فترتيب البيت وتحضير الطعام وغسل الأطباق والاعتناء بالغسيل .. وكتابة شيء ما .. والكثير من الأكل .. فقد أصبح وزني فوق المائة ولأول مرة منذ أن خففت وزني حين كنت في السادسة عشر .. حتى تقرؤوني مرة أخرى .. استودعكم الله ..رفعت