٢٠٠٨/١٠/٠٢

حنين أم معنى .. حياة الانسان في الغربة




منذ بعضا من الايام أعيش حالة من الفوضى الغريبة .. التي تزيد من الكآبة والسلبية التي يعاني منها رجل في نهاية الاربعينات, شرقي. يحيا في السويد. فأمضي يومي بين صراخ أولادي وبين كراكيب الالكترونيات التي اشتريت معظمها من الاسواق التي تبيع ماهو مستعمل أو من خلال عملي بمكب النفايات .. فاحاول تارة اصلاحها وتارة أخرى رميها, لانهي حالة من الفوضى في البيت أوصلت علاقتي مع زوجتي الى حد الانفصال !!
في تلك الحالة ذاتها, وفي الصياح حيث وصلت كآبتي حدا اوصلتني بأن أقاطع العمل وأرفض عرض عمل مسائي مجزي الدفع, فأفتح الماسنجر لأرى أن أخي منذر قد ارسل لي بعض الكلمات وأنا خارج الاتصال, فرددت عليه واذ به موجود, واستمر الحديث عن وضعي هنا في السويد وما اشعر به من حنبن وكآبة وسلبية, ومع ان منذر قد حاول رفع معنوياتي بفرضيات أعرفها تماما, إلا أن ما وصل اليه منذر من استنتاجات, زادت حدة كآبتي وحزني وربما رغبتي في نشر ما يمكن ان يكون تجربتي الشخصية في الغربة, لألا تفهم بالشكل الذي قرأه منذر من خلال حديثي معه !!
هل صحيح أننا وجدنا في هذه البلاد معناً لحياتنا البالية قبلا في بلادنا .. ماهي الاسباب التي تجعل اي منا يلهث للخروج من البلد, ثم إن نجح في اختراق اي سفارة واصدار فيزا اي سمة دخول, فأنه لايرجع. تاركا كل ارثه من الاصدقاء والعلاقات والاهل .. !! شيء غريب ......!!

من خلال الانترنيت, أتواصل يوميا مع احد ما من الاصدقاء القدامى, فأشعر بذلك الدفئ القديم ورائحة البلد .. وكأني لازلت .. قدماي تطبع آثارها في كل شوارع اللاذقية .. صوتي الذي اخجل منه في كل مرة اسمعه .. اسمعه مرددا تحية الصباح او المساء .. أي احاسيس يتركها المرء تقوده .. حنين الذكريات, العلاقات, الدفء, الاهل, الاصدقاء, الحي .. ثم التاريخ .. أي تاريخي .. تلك السنين التي عشت وتفاعلت وتنفست بها .. في لاذقيتي .. لماذا كلما أرى صورا قديمة للاذقية أخبئ دمعتي .. مع انها صورا مكررة .. !! لا أظن أنني فقط هكذا .. بهذه السلبية التي نعتني بها اخي الكبير .. !! وإلا لماذا .. الجميع والجميع بما في ذلك الذين نجحوا ام لم ينجحوا في ايجاد اي معنى لحياتهم "على حد قول اخي" يتغنون بالماضي في البلد ويقتلهم الحنين .. أتواصل مع ابناء بلدي في أمريكا واوسترالية واوروبا .. ربما ليس الجميع قد ابدى الرغبة في الرجوع لكن أغليهم أبدى استعداده للرجوع ان كان الوضع الاقتصادي أفضل .. وبعضهم الامني .. ومن ثم السياسي ..!!
تأتيني كلمات ممن يقرؤون مدونتي وهم أصدقاء أتواصل معهم دائما, أنهم يشعرون بأنهم دائما على اهبة السفر للرجوع .. وكأنهم بنتظرون شيئا ما .. لا أدري ماهو .. الجميع له اتجاهاته واحلامه المختلفة.
قال اخي أنهم يرجعون ليدفنوا .. حسب قول منذر, أن الافيال والبشر يفضلون أن يقبروا بنفس البلد الذي ولدوا به .. وجدتها صحيحة ..
إلا أنني أختلف معه في ذلك , ولو ان ما قاله صحيح لكن لطالما هناك جمل يتبعها كلام آخر, فأزيدها , بأن البلد الذي يرجع اليه البشر هو تلك الصفحات التي التي لا تكتمل معاني حباتهم الابخاتمتها.
مقبرة افيال .. صحيح .. لكنهم .. لكننا جميعا .... سنرجع يوما ..