٢٠٠٧/٠٦/٠٦

ذكرى ثمان سنوات على غياب مؤقت لمحمد بلة


أيها العزيز أحمد .. صعقني نبأ وفاة زوجة حسين !! وكأن القدر لا يرحم !!

رحمة الله عليها و لكم طول البقاء , الرجاء أن تبلغ حسين تعازيي و الله هو الدائم , لا إله إلا هو , الباقي و الحي القيوم .

نعم أحمد صديقي , لا يبقى مننا سوى تلك الأوراق و مكان ما في ذاكرة الأحبة . صحيح أن فؤاد و محمد قد رحلا لكنهما باقيان مدة بقائنا و يوماً سنلتقي معهما إن لم يكن حقيقياً فاللقاء بالمعنى . ثمان سنوات , خلتها , البارحة ... و أنا أقرأ رسالتك في المدرسة , أصابني احباط على نبأ وفاة زوجة حسين و من ثم تلك الثماني سنوات , يالله .. ثمان سنوات منذ جاء هيثم حسن و يحيى عجان خصيصاً ليخبراني بأن محمد قد تعرض لحادث .. لا أحد يشعر ما يشعره الآخرون , فإن قلت بأني أكثر الناس حزناً فسأكون غير عادلاً لعدم إحساسي بمشاعر الآخرين !!

كلنا بكينا بل أجهشنا عندما تحركت السيارة بنا بعيداً عن المقبرة و كأننا كنا مصدقين بأن محمد قد وارى الثرى , جلسنا في سيارة عمر هارون و أجهشنا جميعاً وسيم و فادي و أنا , لم أشعر بمرارة موت أحد قدر محمد , فعندما توفيت جدتي و أمي لم أكن أملك السنوات نفسها و لا تلك الأحاسيس التي كبرت مع العمر , جاء محمد و كأنه ضربة قاضية قصمت ظهورنا جميعاً .. فمحمد دائم, الوجود سواء كان موجوداً أم أنه غائب و معه عذر , فالمكان لا زال ملكه , إنه الصديق الذي نستطيع أن نعتبره موجوداً حتى بغيابه ..

ثمان سنوات و هي حقاً عجاف .. تشتتنا , أتكلم مع وسيم صديقي الحبيب و حسام و غسان أحياناً على الانترنيت و على الأغلب أتكلم كثيراً مع وسيم على الهاتف فنربط ذكرياتنا معاً و نرحل مع محمد , نلم شتات الأصدقاء و نبحر في ذكرياتنا ..!!

أحمد .. العزيز ..

لا أعرف كم من السنين ستمر , كم من الأيام حتى ,, لا أحد منا قد صك عهداً مع الموت أو الحياة , كلنا سنموت آجلاً أم عاجلاً و كلنا سيكون أوراقاً على الجدران إن حالفه الحظ و ربما إن مت أنا هنا سأكون فقط رماداً في آنية على عمق 50 سم و فوقها قطعة غرانيت حفرعليها اسمي و باللاتيني !! هل ترى فرق كبير , أنا لا...!! فعندما يموت البشر , حتى اسمهم يأخذه الآخرون , فأنا مثلاً أخذت اسم جدي و كنيته أيضاً و لم يبق من جدي سوى قبر لم أزره في غضون أكثر من 27 سنة و عندما ذهبت إلى طرطوس آخر مرة مررت على المقبرة أنا و عبودة حموي الذي كان يعمل هناك , لكني و للأسف أضعته و لم أجده , كان ذلك من سنتان ربما !! المهم أنهم قد زاروا تلك الفانية و لملموا حقائبهم و رحلوا !!

ماذا بعد ذلك , لا أحد يعرف سوى الذين آمنوا ...!!

ربما الموت ما يشعرنا جميعاً بالدونية و ربما الخالق عز و جل جعل هذا الشيء كجرس على رقاب البشر يذكرهم بمدى هشاشة الحياة , أحياناً أتذكر من مات من معارفي, أصدقائي, أهلي فأتخيل نفسي في مكانهم , هم من بقوا على قيد الحياة و أنا من مت , هم من رحلوا و أنا من بقيت , و لماذا هم من رحلوا , لماذا ليس , هم من رجعوا و أنا من أنتظر !! أمور مشوشة عن الموت و الحياة أراها أنا من منظور مختلف عن الآخرين , فالموت بالنسبة إلي كان خياراً , كنت ألجأ إليه كلما آلمني شيء معنويا أم جسدياً , لا شيء سأخسره هنا و لكن ماذا عن خسارة الآخرين لي , هذا شيء يجب أن لا ننساه أبداً , كنت أفكر بأختي و أهلي و أصدقائي , كنت أرى في الموت ظلماً للآخرين أكثر من الشخص ذاته .. رحل محمد , لكن أخذ سنين كثيرة منا , نحن الذين أحببناه , نحن الذين ملئنا كؤوسنا من ذكراه و شربناها حتى ملئت أحاسيسنا بأنه لا يموت إلا إذا متنا نحن , و هاهي السنين قد برهنت أنه و إن رحل فهو يرسم أبداً في ذاكرتنا أجمل الألوان .

في ذكراه الثامنه أرفع يدي عالياً و أنظر إلى السماء و ألوح له عله يراني و انا أغني له زياد أو فيروز التي يحب .. !! محمد لم يمت , محمد يختبئ عميقاً في حياتنا , ينتظر فرصة ما , ضحكة عالية , أو حتى حزن كبير ليظهر لنا فجأة بأنه مل الانتظار و أنه قد رتب الكراسي لسهرة المساء العامرة ..!!

رفعت ..

محمد بلة الباقي ما بقينا


عزيزي محمد رجعت لأكتب لك شعوري بالكآبة وخسارة أحد الاصدقاء , إنه شعور أسود , لوحة قاتمة دون أي نوافذ مضيئة محمد بلة 35 سنة هكذا وبكل بساطة هوى من سطح بيتهم وهو يسقي الطابق الجديد , كم أنا حزين .! كنت أحبه جداً ., وكان خبر موته صاعقاً علينا جميعاً قضيت أياماً أبكي ولا زلت كلما مر بخاطري يغص قلبي وأنا أتذكره كيف كان يربط شعره ويقول أوك أوك رفعت ,.. لم يعد موجوداً في الدكان لأصعد عنده ماسكاً الدرابزون وأقول له كيفك وكيف الاصدقاء لأنه كان الوحيد بيننا الذي يعرف أحوال الجميع.مات

كتبت له هذه القصيدة وأحببت أن أقرأها لك

لم يبق منه سوى أصدقاءه

وثياب لا تصلح لأحد.

رابطاً شعره وفي فمه لفافة تبغ وآلاف الكلمات

مساءً الساعة الثانية

لم يتكلم منها دائماً سوى مقتطفات .رؤوس أقلام

حب لم ينل منه سوى معارف وبعض النشوات

محمد صديقي الذي مات ولم أصدق

واقفاً يسرد النكات منتظراً أحدا ما ليضحك

تلك سعادة ولا أقصى

يمسك المقص ويقطع علينا كل أحلامنا بأن نراه

من كان يصدق أنه لم يعد ينتظرنا مساءً في الدكان

بعد أن نفذت منا المواعيد والسهرات

محمد فنان الميلاد ورأس السنة

يفرش بابا نويل موديل السنة قائلاً أنه لم ينزل السوق قبلاً

ويفكر بآخر للسنة المقبلة

محمد صديق أصدقائي وأعدائي

صديق أخي ورفيق أولاد اختي

محمد صديق الجميع مرورا بي

المعجب بكل الأعمال برسومي وبرسوم فادي وبرسوم منذر

لم يكن أبداً منتظراً ليأخذ ولم يكن أبداً

باقياً ليبقى بل كان دائماً ليرحل

ماداً رأسه ليلقي علي تحياته

مبشراً لي بقدوم خلدون أو فادي أو رحلة وحفلة

وعزيمة كاس عرق واذن دائماً صاغية لتسمع

واقفاً بعتمة ما وجمرة سيجارة تومض

وكأس عرق وأفكار تذهب بعيداً

محمد رابطاً شعره وسيجارة وكأس

منتظراً دهراً لا أحد.



اري لا بأس عروض العمل هنا جيدة إلا أنني لا أقبل بها لأنني لا أعلم من المخطأ بالأسلوب الذي يتعامل به الناس هنا .. إلا أنني الآن في خضم مشروع يعجبني وهو محل لبيع القطع الكهربائية وها أنا منتظر صاحب المحل لأسلمه المساقط الاولية للمشروع .. هذا كل شيئ الصحة جيدة والحمد لله على ذلك ..


قصيدتان لمحمد أبعثهم لك

أتى فادي ..

صديق من بعيد .

يلصق وجوهاً على ذاكرة

ملوناً أيامنا بالذكريات

يعود عله لم ينسينا

فمحمد الذي أطال الغيبة لم يعد

يرسم أصدقاء

وجوه منحوتة من شمع

و أصدقاء لم تخنهم الذاكرة

بحر من الحب و صديق من البحر

مات ولم يقل لأحد لماذا

حلق مرات . ..؟ لكن لم يكن تحليقاً ناجحاً

محاولات لفهم الواقع

واعتبارات كثيرة للحب

نساء شحيحات لا يملكن سوى أحلام رخيصة

فكر يحلق خارج الذاكرة

و رواية لم تكتمل

لم يأت هادئً فخطواته كانت ثقيلة

حذائه الصغير الذي يؤلم أصغر أصابعه

يشرب العرق كالماء و يتكلم عن الجميع بلا استثناء

أنهم أحباءه كما لو كان المسيح .

رحل دون أن يكتب على باب دكانه أنه سيعود

فعلمنا أنه ربما تزوج وأنجب

ونحن لم نعد نلتفت لنرى هل هو ذاك..؟؟

لأننا جميعاً صدقناه

ولم نر أطفاله

كان هناك فقط باب دكان مقفل

وورقة نعي لم نقرأها

لأننا لم نعد نذكر بأي حلم

وبأي فيلم وبأي لوحة كان هذا الباب .؟

ها هو اليوم انه الاثنين صباحا باكرا الساعة الان الثالثة والنصف بعد عودتي من بيت سامر طوبيا وبعد شرب انخاب معظمها لك أنا وفادي ووسيم ثم حسام وبشار كانت سنة مختلفة فأنا غالبا ما امضيها عكر المزاج وأنام مضطربا علني اموت وانتهي لكن هذه السنة كانت لاباس بها فقد جاء فادي ووسيم وتكلمنا عنك مع شرب كاس من الجن بنخبك وكانك لا زلت تحيا معنا رجعت و ادرت الكومبيوتر وبحثت عن ملف كنت قد كتبته منذ السنة الماضية لكن على ما يبدو ان الجهاز يوجد به فايروس انه غالبا ما يضيع لي الملفات الا انني كتبت على الملف الذي اكلمك منه وعبر تلك الكلمات التي تضيع مننا كلما نكتب لاحد عزيز علينا ها هم اصدقائك جميعهم انت من اوجدهم في حياتي انا سعيد بهم جميعهم جزء منك كما انا تعيش بهم تدور بين حياتهم متواجد دائما على احدى ناصيات شوارعهم وطرقاتهم انك بين خلاياهم يرفعون كاسا ويطلقون الالقاب عليك علك تسمعهم تستيقظ من سباتك المعتاد بعد شرب قليل من الخمر متعب ...؟

سنة اخرى

مجتمعون عند صديق وانت غائب

عذرك ليس مقبولا و هو منطقي

ننتظرك لتاتي .. كعادتك متاخرا تحمل معك صيحاتك

نرفع كاسك دائما غائبا كنت ام حاضرا

محمد سنة مضت واتت اخرى لم تكن بين تواريخك

لم تعد تحتاج لمفكرة بتاريخ جديد

وانت متخم بحب الاخرين

ونحن متخمين بك وكانك جزءاً منا

بل وكاننا جزءً منك تعيش معنا

نحييك دائما ونبعث لك بالسلامات نعرف انها لن تصلك

وانت لم تعد تحتاج للمجاملات

فالجميع اصدقائك والجميع احبائك ...

... وكانك لا تستطيع النهوض باكرا دون فنجان من القهوة

تغمس شواربك السميكة لتعطيها نكهة افضل كما قلت قبلا

تشرب شيجارة و تهبط كوحي علينا

نحن الانبياء منتظرين ما تمليه علينا من فكاهاتك

محمد صديقي محمد انا الذي لم استطع ان اكونه

كل عام وانت موجود علناً بيننا

نمر قرب الدكان نحني راسنا لنرك هل حقا رحلت

ام اننا كنا نهلوس نتذكر ونسرع عل اخوتك لم يرونا

... نتذكر فنجان القهوة المغطى بغطاء علبة البودرة

وسيجارة تمضها بشهوة عارمة

صغير الحجم , اتذكر كيف كنت اتلاعب بك كريشة وانت تضحك

واحدهم منتظرا على كرسي يبتسم , انه معتاد على ذلك

اليس هذا ... محمد بله !!!