٢٠٠٧/٠٦/٠٢

..تخيل ماذا لو كنا أحد النجوم العشرة الأوائل في السماء أنت الزهرة لأنك تصحى باكراً أما أنا فالتسعة الباقون ما همك...!


إلى أصدقائي الذين لو عددتهم لن تكفي آلاف الميغابيتات لذكرهم وليس لذِكرهم ..

كتبت كل تلك الرسائل ربما كمشاركة وجدانية مع نفسي أولاً ومن ثم لكم , وكأننا في ذلك الكون مختلفين , ربما يوماً نقرأ سويةً أيـــــــــــــــامنا التي ركبت ذلك الزمن وربطت حزام الحلم بقدرها , لذلك الحلم و لتلك المدينة التي تستقبل أمواجنا المحملة بالاشتياق ولتلك الشوارع والذكريات المعجونة بذلك الدفء الكبير من العلاقات كرغيف خبز خرج لتوه من الفرن ساخن و أحمر و شهي , إلى جميع هؤلاء وإلى من وصل متأخراً القليل أو الكثير لحلمه , تمنياتي الكبيرة بأن يكون الباب لم يقفل بعد .

هاهي الدنيا ..إنها تمطر !! لعل الرب أرادها مبتلة عندما ناداها وهمت بالمجيء لكن المطر منعها من ذلك ..أنت من انتظره تحت وابل من القبلات وعجيج من الرسائل , رسالتك التي تبهجني , عاصفة من ....صوتك الوحيد الذي اسمعه ..أنت من أتى حيث كنت منتظراً اكثر من سنين ..لن أكتب لك كلمات أحرف , لن أعوم في بحر ماءه من مائك ولن أطير في سمائك دون تلك الأجنحة التي استبدلتها بقفازات ذوات الخمس ..أنا هنا حيث للامكان أنا هنا حيث لا هنا سواك..أحمدك ..وأعبدك وأستغفرك دائماً على نزواتي الكتابية, هذا لأني لا أعلم عنك سوى القليل ولن أكون متاحاً لقراءة المزيد. ..هيا نجري في الاتجاه المعاكس للشفاه نحارب السيقان الطويلة والصدور الكبيرة التي اعتدنا الاستمناء عليها ..تعال معي حيث الجميع أصدقاء , نحتفل بذكرى موتنا الرابع قبل المائة تحت جذر شجرة انبتت آلاف الفتيات ونحن لازلنا قابعون وفي أيدينا مظلة تحمينا من ديدان الاسكاريس ودواء وجع الرأس جاهز لإطلاق آلاف الأعيرة السينمائية ..تخيل ماذا لو كنا أحد النجوم العشرة الأوائل في السماء أنت الزهرة لأنك تصحى باكراً أما أنا فالتسعة الباقون ما همك...!!

السماء لنا جميعاً لنهلوس ..

.............................................................................رفعـــــــــت .

يبقى من الأب


.... .. .. فاتحين أفواهكم أنصتوا ...!

جوقة النشيد الوطني تغني

......... شتات و لاجئين , مروضي الشعوب في الصفوف الأولى

تلتهب أياديهم.. مصفقين

رأس سحق علق شنق ثقب

وإسفلت يتلون

لوجه واحد صور.. صور.. صور..

وبوضعيات مختلفة

ترتفع أعلام و تنكس أعلام

يموت التاريخ

و يحيا آخر من بقي ميتاً

ينتهي الغناء

وتنصرف الجموع إلى الزريبة مرة أخرى

حاملة حلماً ملوناً من منجزات الأب

هكذا ناموا

عندما لفهم دخان القمع

رأوهم مبتسمين بعد دهور

... نبشوا

... وفي يدهم حلماً مكبلاً بجبنهم

قانون الطوارئ.... والأحكام العرفية !!

هل يموت التاريخ هل تموت الشعوب !.. ومن يقتلهم !!! لا أستطيع أن أصدق بأن الشعوب تموت بل تنام تغفوا, سوى أن الموت حتى بكتب الله الثلاث ليس سوى مؤقت حتى يأت يوم الحساب عندها تحيا الشعوب وتخاف مرة أخرى من الحساب ..

كنت أحاول كعادتي عندما أضع مشروع كتابة , مشروع جديد لكتابة شيء ما , أن أتصور حالة من ضبابية الفكرة ثم ابدأ برسم إطارها و تلوينها ومن ثم إخراجها إلى حيز الخيال لكن بصورة واقعية تعي دائماً بأني لا أكتب شيئاً جيداً ..

في بعض الأحيان أرى بأني وصلت لرسم فكرة رائعة عندها يجف قلمي وحتى في بعض الأحيان يجف حلقي من دهشتي بأني لم أحسن صياغة شيء من هذه الفكرة..

لنأخذ الرسم مثلاً ومحاولات عديدة لبدأ بنية فنية تتميز بطريقة ما عن شيء قد بدأه آخرون , فأبدأ بصفحة بيضاء وأنتهي بشيء لا أعرف أين رأيته من قبل !! ومن ثم قصيدة النثر ومن ثم عملي كمصمم داخلي ومحاولاتي جاهداً لأبعد التصميم الذي أعمل به عن أي شيء مشابه , فيأتي العمل كقصيدتي النثرية هشاً غير متين وذو شكل غير مألوف وربما هذا ما أنجح به وإن كان فاشلاً .. أن أكون مختلفاً عن فشل الآخرين .. لكن بالنهاية فاشل !!

قرأت لمنذر في مقدمة لأحد دواوينه وربما الأول ( بشر وتواريخ وأمكنة ) ..

"وهكذا في صوري، كان أمامي خياران، الأول أن أرتدي أجمل ثيابي، وهذا ما يفعله كل الناس عندما يذهبون لأخذ الصور، والثاني أن أكون عارياً، كما يشترط الحب علي وعليك وعلى الجميع أن يفعلوا، فكان اختياري – يالي من دعي – أن أكون عارياً وجميلاً في آن"
أن أختار ... عارياً وجميلاً، كان يعني لي، أني حقيقيٌ وذو أمل.

في بداية كل شيء أكتبه موجهاً لأحد ما , ثم ما ألبث أن أفكر بكل الأصدقاء و الأهل..., ورب مرة , بدأت الكتابة لأبي الذي لم تصله للآن أي رسالة - مني ثم تنحوا كتابتي لأصدقاء أو أخوتي المنتشرين في أصقاع هذه الطابة الصغيرة .

... أن أكون عارياً ولا يهمني أن أكون جميلاً بل عاكسا أيضاً ً مقولة أخي الكبير بأن يعني لي أني حقيقي ودون أي أمل وهذه حقيقة أيضاً , بدأت الشمس تفرض قوتها على الطبيعة وبدلاً من أن تكون قوة شفائية ضد أمراض البرد والشتاء إلا أنها فعلت العكس معي فمنذ يومان وأنا أجاهد ضد كريب قوي ضرب جهازي التنفسي الكامل مما جعلني أعتقد بأني مصاب بذلك الفيروس الصيني سارس ومضت ليلتين لم أذق بهما طعم النوم أو أن الألم قد تخلى عني ولو لثوان , و سعلة قوية قد خرشت رئتاي و لا أعرف بأني قد أشفى ببحر الأسبوع علماً بأن المدرسة ستبدأ غداً ولا أعرف مدى قابليتي أو مقدرتي على الذهاب ..

أكثر المشاريع التي تؤرق نومي .. بأني يجب علي أن أكتب رسالة لأبي وبشكل خاص جداً ففي كل يوم حاضراً أبي في حياتي , البارحة كنت قد تكلمت عنه مع والد زوجتي و كانت زوجتي قد تكلمت طويلا عنه وهي التي لم تره إلا مرتان أو ثلاث إن لم تكن ذاكرتي قد أنكرت آخر مرة عندما خرجت من مكتبه مسافراً مع زوجتي وقد كان منزعجاً من سؤال قد سألته إياه بشأن أملاكه و ربما كان من الغير لائق أن أتكلم معه بذلك فأنا لم أتعود بحياتي أن أفتح معه تلك الأحاديث !! كنت مقتنعاً بأنه لا يمكنه أن يفعل بنا ذلك وهو الذي عاش حياته دائماً على ثوابت من الحق والفضيلة .. رحلت دون وداعه وبكت زوجتي عندما قلت لها بأننا لن نودعه عندما نذهب وما كان هذا قصدي فقد كنت غاضباً من جوابه !! وفي كل يوم قضيته هنا كان أبي يعيش بي , أتحرك مثله و أتصرف مشابهاً لردود فعله وأحياناً أتصرف بشكل أتفاجأ به وكأن أبي من يحرك بي أجزاء من فكري و جسدي , أعطس مثله و أنام مثله و أنفجر غيظاً بنفس الأسباب التي تغضب أبي , فأراه في كل تلك الأشياء , اليوم زاد سعالي وأصبح خروجي من البيت صعباً , فراودتني فكرة كتابة رسالة لأبي , وماذا سأكتب له , بأني سعيد ومشتاق و أتمنى له الصحة !! من يخبرني بالمزيد ! وكأن 40 سنه عشتها معه بدت غير قابلة للكتابة وكأن المشاعر لا تكتب , كيف لي أن أكتب له كم أنا مشتاق له , أو أن أكتب كم أبكي أحياناً وأنا أفكر به كيف يأكل و كيف ينام و كم هو لطيف , زوجتي وصفته برجل لطيف أبيض و طيب القلب , عندما قابلته لأول مرة وقف خجلاً وبكل احترام كعادته دائماً,استقبلها مصافحاً وكأنها رئيسة وزراء , هل سأكون مثله يوماً !! أتمنى .

أبي اللطيف و المتواضع تلك الصفة لازمته طوال حياته وبل أثرت على مستقبله فكان دائماً لا يطمح لشيء سوى ربنا اعطنا كفاف خبزنا , ولم يكن قد احتاج طوال حياته لما تركه له والده من ارث يستطيع أن يحيا به ملكاً ثم بعد وفاة والدتي تزوج وانجب واحتاج لمراضاة زوجته أن ينقل ملكية أملاكه إليهم وتركنا نحن الخمسة دون ذكرى منه سوى أننا جميعاً نعطس مثله و نملك أحاسيسه و نعومته , و .... اسمه ... !

ربما هذا ما يبقى من الأب , إنه يبقى بك

الصليبة , القلعة , الشيخضاهر , المارتقلا , الأميركان


الصليبة , القلعة , الشيخضاهر , المارتقلا , الأميركان حيث كانت مدرسة خالتي فكرية , الرمل الشمالي و الفلسطيني , وربما قنينص , حيث كان بيت أبو حسن , الذي كان يأتي لنا بالحليب و التوت الرومي والأبيض .. أحياء أحياء اللاذقية , تلك المدينة التي عندما ترى صورها تأتي دائماً بفكرة واحدة .. من هذا الغبي الذي لم يعرف كيف و أين يلتقط جمال هذه المدينة , يا ترى هل اللاذقية مدينة جميلة أم لاذقيتنا هي من تحتفظ بذلك الجمال و أعني ما يشعره أي منا , أي من البشر نحو بلدته أو مدينته ..مفروشات ذكرياته و مسرحها . لم أكتشف ذلك اليوم ولم أكن ناسياً أبداً كم كانت تعني لي هذه المدينة حتى وإن تغير وجهها القديم الجميل كما نحن ..حتى كورنيشها القديم بحديقته القديمة ( البطرني) وتلك الذكريات المتصلة بسنوات السبعينات حيث لا زالت رائحة شواء مطعم اسبيرو تذكرنا جميعاً بمقاهي الكورنيش المطمورة في ذاكراتنا جميعاً , بدءً من البحري انتهاءً برشو و الكازينو مروراً بفنيسيا و اللاكبان ثم نادي الضباط ومسبع جورج (نادي المعلمين) وفارس و الجمال الجسماني و نادي صف الضباط وصولاً إلى المسلخ , دون ذكر مايقع على الجهة الثانية من الكورنيش , حيث لم يطمر منه شيء سوى ماجرى تحديثه هنا وهناك وأعني ابتداءً من المندوبية الفرنسية ( المتحف الآن) مروراً بقصر بيت سعادة وقهوة شناتا وصولاً إلى أوتيل الجندول ..

ذكريات وذكريات , من منا ذكرياته قصيرة من منا عاش غربته دون ارتداء رداء الحنين والاشتياق البارحة كانت ذكرياتي مليئة بالأدرنالين نشيطة لدرجة تذكرت كل ماذكرته لك , تمشيت على الكورنيش ركبت الباص الأخضر الذي كنت أركبه مع جدتي في منتصف الستينات وصولاً للمساكن الشعبية حيث كان أخيها خيرات يسكن هناك , تسبحت في نادي المعلمين بكلسون عادي مزهر تصورت به مرة هناك مع أمي , أحسست ببرودة المياه في تلك البركة الطبيعية تعلقت على الحبل الثخين الذي يربط جرف الصخري مع تلك الجزيرة الصغيرة ,ملئ فمي طعم المياه المالحة التي كنت ابتلعها كلما مرت موجتين متتاليتين وأنا متعلق بذلك الحبل الذي يعلو ويهبط كلما عبرت موجة كبيرة نسبياً , شربت كاسة بيرة مع أصدقائي, لم نكن قد تجاوزنا الرابعة عشر, على إحدى طاولات اللاكبان المرمية على تلك المصطبات الصخرية وتأتي موجة فيلفح وجهك ذلك الرذاذ اللذيد في صيف اللاذقية المعتدل قديماً ..

ونصعد إلى الشارع فندخل على محل للرماية كنا نسمية محل خربيت لعدم تمكنا من لفظ اسم صاحب المحل الأرمني " تبين لي لاحقا انه يوناني " ذو الشعر الكثيف الأبيض فأستطع اسقاط طابة البينغ بونغ التي تعلو وتهبط على نافورة المياه , نرجع للبيت مروراً ببار القط الأسود الذي لم أدخله في حياتي ثم نزورب وصولاً لنادي الناشئة.. كنان فتاحي وعبودة صباغ وجمال شريقي ..

ومطعم طليطلة إلى كنيسة اللاتين الجميلة . مشيت طويلاً عل تلك الشوارع المليئة بحفر الشتاء السابق. مررت على تكسي المرفأ ومعمل السينالكو صعوداً لمخبز عواد وسوق الخضرا القديم وجامع غريب , كانت اللاذقية فيلم قصير قررت بعده أن أكتب عنها أسترجع بيدي وبعيني ما تعنيه الأماكن لي , احساس غريب عندما نمتطي حلماً ونمسك اللجام ونقود , نمشي الشوارع ونأكل الطعام , نتلذذ بنكهة المكدوس والزيت والزعتر , تدخل أنوفنا رائحة أوراق الشجر ونسمع أغنيات فيروز, ندعوا كل أصدقائنا من مات ومن بقي حياً وبعيداً ومن لم يمت بذاكرتنا , نحتفل بعيد كل المذنبين والمبعدين والمقهورين ونحرق اختلافاتنا ومشاكلنا و أحزاننا , تعلوا أصواتنا بأغنيات لم نحفظ منها سوى القليل والباقي يسد مكانه الصفير , لا .. لا مزيد من الفواصل فالرحلة و الحلم و الذاكرة قد أتعبوني .

إليكم من نتشارك تلك الكلمات على تلك الشاشات المتوهجة محبتي

الحلم


من تكون ..

ركبت الحلم وقد امتطيته جيداً

ماسكاً رقبته

شاداً على وسطه

صائحاً به بأعلى صوتي .. هيا .. لنرحل بعيداً

إلى السعادة والحرية والإنسانية

بلاد يكسوها الثلج والفتيات الجميلات الشقر

وآلاف العازفين في أقبية القطارات

طر عالياً دعني ارسم على السماء

غيومي الغير مفهومة كرسومي تماما!

امحي ذاكرتي

أصدقائي

أهلي

حارتي

دعني أغتسل بالموت قبل أن أستيقظ

....

فاستيقظ طفلاً في أرجوحته

ووجه ربما أمي وهي تغني لي أغنيتها المفضلة..

كانت محاولة لكتابة شيء له معنى , فأنا في حاجة لكتابة رسالة طويلة لك, لكنها أتت وقد أتلفها سوء الذاكرة وضياع الحلم والنوم القلق الذي يلازمني منذ مجيئي إلى هنا , شعوري بالعدم الذي جاء معي دون أن أدري,في حقائبي التي وضعت بها ذكرياتي ..

راكباً.. أرجلي, وقدمان ليس من الصعب أن تمتطيهما وتحرك مهماز رغبتك بالاتجاه الذي ربما يكون محطة القطار , لا لتذهب , ولا لتر البشر وهم يصعدون تلك العلب ذات المقاعد المخملية , حاملين صحيفة مجانية ورأس اعتاد التعب, بل منتظراً زوجتي التي تنهي عملها بعد انتهاء مدرستي بنصف ساعة تقريباً !! .

كانت الشمس لطيفة , لكن ليس بقدر البرد الذي قبل هزيمته وتراجع أمام ذلك الربيع الذي ينتظره الجميع .

المحطة الرئيسية في المدينة التي أحيا بها ككل محطات القطار المختلفة عن ما لدينا, نظيفة مليئة بالمقاهي والمطاعم الصغيرة التي تقدم وجبة غداء رخيصة وكرسي جميل و كوب من القهوة مع سماع موسيقى جاز أو بلوز أو....... كلاسيك إذا كنت منحوساً مثلي .

كانت الأمور عادية ككل يوم آتي به إلى هنا عندما صاح بي أحد الذين تعرفت إليهم في المدرسة وهو شاب من البوسنة, كان قد عرفني إليه شاب فلسطيني في نفس صفه بقوله أنه من البوسنة وهولا يعرف أي لغة غير لغته الأم , كان دائماً يقف وحيداً خارج بناء المدرسة ليدخن وكنا جميعاً نحن العرب نقف جماعات جماعات كالبقية المتبقية من قوميات أخرى إلا ذلك الشاب الذي يؤلمني منظره وهو يقف يدخن وحيداً , فكنت غالباً ما أناديه أو أن أقف معه قليلاً لنتكلم كلمات معدودة بصعوبة عن البوسنة أو يوغوسلافيا القديمة الذي لا يعرف عنها شيئاً !!

فها هو الآن يناديني بعد أن نزل من القطار راكضاً باتجاهي , كنت أعلم أنه ولا بد متجهاً إلى استوكهولم وأنه يدعوني لأجلس بقربه في القاطرة , فأخذ يتكلم بكلام غير مفهوم لي على الأقل ولكن ما فهمته أخيراً بأنه يودعني وأنه راجعاً إلى البوسنة لأنه لم يعد يحتمل تلك الوحدة الذي يعيشها !! لم أعد أعرف ماذا جرى لي وأنا أودعه , ذلك الحزن الذي طغى علي , وهو ذلك الشخص الذي لم أعرف منه حتى اسمه الذي لم أعد أذكر الآن من إني سمعته !! صعد القطار وهو يلعن السويد.مودعا ًو ملوحاً يديه خلال نافذة العربة التي تحركت ببطء تاركاً إياي بحيرة وتفكير بذلك الحزن الذي أصابني .

جاءت زوجتي وتمشينا سوية إلى الساحة الكبرى التي تقع في منتصف الطريق إلى بيتنا , كان في مخيلتي ذلك الشاب ما يزال يكمل لي قصته الطويلة عن الوحدة و أنا أمشي عابراً عازف الأكورديون مخترقاً موسيقاه الحزينة التي أتت لتكمل خلفية موسيقية ممتازة لحزني على قصة ذلك الشاب البوسني وأنا أتخيله مع أربع أو أكثر من الحقائب الصغيرة التي رأيتها مرمية جانبه في القاطرة , واصلاً إلى وجهته الأخيرة حيث لغته و ناسه وأصدقائه , لا أعرف سوى , بأني بكيت .. !! كانت لا تزال الموسيقى مسموعة إلى آخر الساحة التي صارت أصغر بكثير من حرف واحد يقف على حافة كلمة ليست صغيرة أبداً ربما تكون الذكريات, الحنين, البلد, الأصدقاء, الأهل, شارع ما, قهوة ما , لا زلت متابعاً مسيري جنباً إلى جنب مع زوجتي وربما ابني أو ابنتي الذي ينمو قليلاً قليلاً ببطء فيها , كانت الشمس لطيفة وكان البرد قد أستعاد قليلاً من قوته , لبسنا قفازينا و قبعاتنا التي تخفي بالنسبة لي شعري الذي لم أقصه منذ مجيئي إلى هذه البلاد ويذكرني دائماً بأخي ماهر الذي يوماً قد أصبح ما كان هو قديماً رابطاً شعره ممتطياً حلمه , لكن بالنسبة للزمن الذي أحيا به لم يعد هناك حلم فقد انتهى زمن الأحلام , البارحة كنت أتكلم مع معلمه لي عن أخي ماهر وكيف ذهب إلى الهند كنت أسألها كيف كانت في ذلك الزمن فقالت لي بأنها أيضاً عاشته وقد ذهبت بالأتوستوب إلى ألمانية واستمعت إلى بوب ديلان و جيمي هندريكس وجنيس جوبلين و غيرهم .. ترى .. بأن حياتي هنا هي أن تقتات ماضيك تتكلم عن ما كنته وما كنت تشعر به عن أولائك الذين تركتهم عن الوجبات التي تحبها هناك عن الخضار والفواكه وإن وجدوا هنا , عن أصدقائك وعن عاداتك التي تفتخر بها مجملاً إياها بأصالة العلاقات الإنسانية بين البشر هناك , كل هذا لأنك هنا هلام إنسان لا أحد يعرفه , يعيش بين بشر لا يعرف منهم أحد, بعيدين كل البعد عن ما تمثله له حياته في الماضي , لغته , عاداته , تاريخه , اهتماماته , وأعرف تماماً بأنها بديهيات الزمن و المكان و الموقف, لكن شعورك بأنك فقدت موقعك في التسلسل فجأة وكأنك ستبدأ طفلاً عجوزاً تتعلم ألف باء الكلام ومن ثم تبدأ بتكوين موقع بين بشر قد بدؤوا قبلك ب42سنة بغض النظر عن ما أنجزوه وما لم ينجزوه , فهم ملكوا تلك السنين و تصرفوا بها , وإن قلت لي بأني لم أنجز شيء يبكى عليه, فهذا غير صحيح و فأنا صنعت بالسنين التي ملكتها وهي تتراوح بين 12 و 14 سنة موقعاً مهما بين البشر الذين أهتم بهم وقد تميزت بكثير من الأمور التي مكنتني من الاستمرار في صعود ولو ببطء إلى الأعلى وعلى مزاجية خاصة لم تكلفني أي جهد ..

هل ألعن الساعة كما يقول والدي الذي لم أتصل به لخوفي من ما سيكونه رد فعله على صوتي وأنا أعرف تماماً بأنه سيحزن كثيراً عندما يصله صوتي أو رسالة مني , على الأقل سيحزن وأنا لا أريد هذا مطلقاً ..

أعود ل هل ألعن الساعة التي أتيت بها إلى هنا , أجمع فتات جسدي وما أخبئه من حنيني وأقطع بطاقة عودة وللمرة الأخيرة إلى حيث ولد الحب وأرض ذكرياتي ومقبرة القلعة حيث جمعت من أحبهم إلى قلبي !!

ما دام هناك وقت و مادام هناك قلب درجة حرارته ليست أقل من 36 درجة يبقى ذلك الحل أرجوحتي المفضلة التي استلقي عليها وأعزف على وتر الاشتياق أغنيات الحب والحنين وأحلم بأني سأحلم مرة أخرى حلماً سيكون مختلفاً عن ما حلمته قبلاً ..

ما دام هناك واقعاً, سيكون هناك حلماً, ولن يستطيع إنسان واحد أن يحققه قبل أن يموت.

أمتطي حلما آخر

أشد سرجه

وأمسك لجامه

وأرتدي مهمازاً

وانطلق حيث تموت الأحلام

رويداً, رويداً مع شروق الشمس .

إلى كل من أحب وإلى جميع من يحبوني أحلاماً سعيدة مروضة..........

.رفعت سودرتالية السبت, 15 آذار, 2003

مرحبا و أهلين بالطيبين


مرحبا و أهلين بالطيبين ..

سأتكلم قليلاً عن .... الأصدقاء الكثيرين و الطيبين , فهاتفي لم يسكت و إيميلي مليء برسائل جميلة جداً من هؤلاء الأكارم سواء بالتياريك أم بالتواصل الجميل والممتع لي و الذي يحمل في معناه كثير الود و الحب و الاهتمام المشكور عليه .. محمد قشقارة و مالك هارون و كنان فتاحي وباسم ووسيم خاشو و اسبيرو عبد النور و عبودة حموي ومصطفى عنتابلي وسمير أبرص و أخوتي جميعهم من شرق العرب حتى غرب العرب الغاربة .

البارحة اتصل أخي ماهر و اليوم اتصل منذر ومرام ومنذ يومان منى , الغوالي جميعهم اتصلوا ومن لم يتصل فله عذره أيضاً .. و أنا مقدر ذلك !

وليام شكيب و بمساعدة أم كاتارينا استطاع و بصعوبة جعل نومنا غير مستحيل وبمرور الأيام التي تقدر بتسعة أيام , و إن زادت ألام الظهر والرأس لي و لأمه , استطعنا أن نكون أحياء ! ولا زال النوم العميق مهمة قريبة من المستحيل .. كنت أعلم ذلك ! ... فأنظر إلى زوجتي و أضحك وكأنني أقول أما قلت لك هذا ما سيحصل ف.... تحملي ... ولكننا في نفس الخندق , والقنابل الصوتية التي يطلقها وليام شكيب تصيبنا جميعاً .

هل أنا سعيد ....؟ لا أعلم !! حقيقةً ... الأمور بالنسبة لي لا زالت و كأنها مشوشة ضبابية و غير واقعية .. أنظر إليه فأرى طفلاً عادياً صغيراً جداً , فأنا أول مرة أرى طفلاً حديث الولادة في حياتي وربما جودي ابنة أختي كانت أول طفلة وعيت على ولادتها ولكني لا أذكر بأني رأيتها كما أرى الأطفال الذين يولدون حديثاً .. وليـــام شكيب .. أتى .. وأنا في عمر متأخر نسبياً و أعرف السبب تماماً .. ! فأنا رفضت الأبوة طويلاً و حاربت بشدة ضد الالتزامات و تلك القضبان التي تحيل حياة الرجل خاصةً إلى عبودية المسؤوليات و الهموم و العمل .. نعم أنـــــــــــــــــــــــــــــا الآن أب بعد كل تلك الحروب التي خاضتها نفسي من أجل حياة اللا ارتباط , اللا إلتزام و اللا انتماء ...ها أنا قد انهزمت بعد أن فاضت روح الثورة و الحرية و ها أنا زدت من همومي و رهاباتي فصلاً جديداً , وكأني لا أملك منهم الكثير .. أدعو لله دائماً بسلامتهم و أفكر في ما سيكون في المستقبل .. و أنا المهاجر الهرم في بلد لا أعرف منه سوى عدد سكانه و عائلة زوجتي و سعر تذكرة العودة إلى لاذقيتي , و ذلك ليس انتماء بل حنين , قصدت أن لا أزيده بناء على رغبة ابن خالتي مصطفى الغالي .

بدأ وليــام شكيب بالصراخ بعد أن أغلقت الهاتف مع صديقي سمير الأبرص و يجب علي أن أنهي هذه الرسالة و أرفقها ببعض الصور لوليام و لي كرجل كهف من الزمن الحجري أو عصر الجليد ..

لغاري أبو نديم الغالي أيضاً التهاني بالعملية الجراحية الناجحة و الشفاء العاجل إنشاء الله ..

و الآن .... باي

تحياتي و قبلاتي و اشتياقي للجميع .

أيها العزيز


أيها العزيز: .....

ربما مصطفى منذر ماهر , وسيم , باسم مالك فادي كميل محمد سهيل اسبيرو نهرو أمجد سمير فايز علي عبد غسان أحمد خالد مازن عمار و جميع الأسماء التي لا يمكن لذاكرتي في و ضعها التعس حالياً أن تعوّم كل الغوالي في الذاكرة .. هذه الكتابة كتبتها لصديق جاء من زمن منسي في أطراف الذكريات أحبه و أحترمه و له في قلبي ككل أصدقائي مكان متسع للحب و الحلم وبما أنها عامة في مجمل كلماتها و أنها في تنسيق لمشاعر حديثة , كنت لأكتبها لكم على أي حال أحببت مشاركتها معكم .. في حال .. أن ... مللتم تستطيعون رميها في سله المهملات الالكترونية و لا حاجة لفتح الملف المرفق بها لأنني عندما أبعثها كصفحة ويب أبعثها لأصدقاء لا يملكون البرنامج العربي .. وعندما لا تصل لهم هكذا يستطيعون فتح الأتاش .. في مكان آخر .. لذلك دوماً هناك مع الرسالة التي تظهر بالعربي هناك دائما ملف آخر بنفس الاسم في تنسيق وورد ..بس هيك .... وما في شي غيرو ياشباب ..

... حقاً سعيد بالتواصل معك أيها العزيز , فرسالتك تعني لي الكثير كما أسئلتك التي تناقشنا بها قبلاً سواء كان الضحك أم الفضول ما كان لكلينا أن نحب لنتكلم عنه .. نعم .. تزوجت..... و نعم جاء ابني وليــــام شكيب مصري بشعر أسود لا أظن أنه سيتغير و عيون بنية وجسم لا يتعدى وزنه الثلاث كيلو غرامات ووقية ماداً رأسه مطالباً حريته أم عودته إلى الرحم لا أعلم !! كل ما هناك أنني لا أفهم ما يقوله أكان صراخاً أم بكاءً أم بتلويح أيديه و أرجله , أما أمه المسكينة التي اضطرت لعلملية جراحية لإخراجه و التزامات سترافقها لمدة 25 سنة على الأقل , فهي ككل البشر تؤدي مهمتها الإنسانية بالرضاعة و السهر و الحب . أما أنا فبجانب آلام الظهر و التعب الجسدي جراء السهر أيضاً و الهموم و القلق الذي رافقني إلى هنا و ازداد , إلى ازدياد وزني وكآبتي , ثم شعوري بالعدم و الخمول و التظاهر بأنني سعيد و مرتاح أمام زوجتي القلقة علي و أهلها الطيبين الذين يراعوني و يهتمون بي ويعاملوني بحرص و حذر . لكن كل هذا لا يساوي ولو بقدر قليل أن يغطي ضجري و قلقي وإلى ماهناك من أمور منغصة , فكم أحن لمشوار على الكورنيش القديم بجانب ذلك المبنى الذي يشعل بنا حنين السبعينات , الكازينو ذلك الصرح الذي كان كلما مررت بجانبه , يلف جسدي دفء تلك الذكريات .. ومن سخف حياتي أنني لم أدخله إلا منذ سنتين عندما أستأجر أحد أصدقائي إحدى صالاته لعرض الألبسة ..

ثم جاء ابني حاملاً معه المزيد و المزيد من هموم و قلق على حياتي التي كنت أعلم سلفاً بأنها ستكون كذلك وكم حاولت أن أتجنب وقوعي بهذا , لكن قدر الله بأن تكون حياتي هكذا ولا يمكنني إلا أن أحمده حمداً كثيراً , فوليام شكيب بصحة وعافية و أمه أيضاً و ها أنا أدخل طور الشرنقة و ألف حول حياتي ما لفه الآخرون أو معظمهم تلك الحبال الغليظة التي تجعلك ترسوا على الرصيف و أن لا تبحر مرة أخرى أبداً ...

كان رأي منذ البداية لماذا سأنجب طفلاً .. سيحزن و يعارك و يكافح و ربما لا قدر الله يمرض و يمر بما مررت به أنا أيضاً .. لماذا !

وكان الجواب موجوداً دائماً .. لا شيء سوى لأن البشر اعتادوا على ذلك و أنها سنة الحياة .. كنت أظن بأني مستثنى و أستطع أن أجابه عادات البشر بأن أكون حياتي بمبادئ و قيم مختلفة , وهكذا كانت علاقاتي مع الفتيات التي مررن في حياتي عابرة , دون صافرات , دون أضواء , كانت لا تستطيع أن ترسوا حتى ولو قليلاً من الوقت إلا من قبلت بترتيب خاص أن تستمر دون أي ارتباطات و هن نادرات .. !

السويد ... بلد الحريات بلد المياه و البحيرات بلد الغابات و الفتيات الشقر الجميلات .. بلد المسنين ... بلد الأجانب .. بلد الغربة الحقيقية , حيث لا موطئ لحذائك و عاداتك و حيث حنينك يغلي أكثر مع برودة الجو .. لا عمل يليق ولا أصدقاء حقيقيين لا أهل لا شيء سوى ذاكرة ضخمة من وجوه و أمكنة من ضحكات و شوارع من أصدقاء و مقاهي ... لاذقيتي .. أصدقائي .. حنيني يكبر وأشعر بأن شيء ما بداخلي دائماً يدعوني للرجوع .. لكن كل السفن .. أبحرت ولم يبقى سوى الموج يأتي ويذهب .. يأتي ويذهب ذكرى و دمعة و ... حنين .

يــــا الله .. كم يجبر البشر على أن يكونوا ما لا يحبون .. كان أخي منذر يقول لي دوماً .. أنت عازب حقيقي .. يجب عليك أن تكون سعيداً .. لا التزامات . لا أولاد لا عمل رسمي .. حر كطير .. تستيقظ كما تريد وتذهب حيث تريد .. ماذا تبقى الآن .. أصوات صراخ وليام التي لا تهدأ , ولا يمل إلا عندما يتعب وما شاءالله لا يتعب ولا يحب سريره الخشبي فقط سريره بين يدي أمه المسكينة .. أقول مسكينة نعم و الحمد لله أنني لست امرأة لكنت مت منذ زمن طويل !!.., فالأمهات يملكون عادةً صبراً عجيباً , وربما تلك الهرمونات التي يتكلمون عنها دائماً أينما حللت في أماكن الرعاية التي نذهب إليها , هي سبب رئيسي وفعال لتستطع الأم أن تأخذ بيد صغيرها و تربيه وتحافظ عليه .. هكذا أراد الله منذ البداية ... أن يعانوا ثم يعطي لكل ذي حق حقه , وحقهم , حقاً كبيراً ..

لا أعرف حقاً ما أنا مقدم عليه في هذه البلد .. المستقبل ... و ما يمكن فعله عمله انجازه و ماهي السعادة المفقودة التي أتيت من أجلها هنا .. زوجة لطيفة و متفهمة- بشكل مقبول- وبلد جميل وضمانات صحية و الخ الخ .. وأنا في الواقع لم يكن هدفي لا الضمانات الصحية و لا حرية الصحافة و الرأي , فأنا لم أكن معارضاً أو ثائراً وإن تؤثر سلباً في سعادة البشر , كانت السعادة بالنسبة لي هي يوتوبيا و اليوتوبيا هي من أشكال المستحيلات وربما ثامن المستحيلات , لذلك كان علي أن أقتنع بأن السعادة هي من أشكال الحلم و الحلم الذي سيطر علي هو السفر و بدء حياة أخرى و انجاز ما يمكن انجازه للوصول إلى سعادة وإن كانت وهمية !!

كنت .... مخطئ ! ! ! الآن أنظر حولي .. طفل يصرخ لا أعلم ما به و امرأة لا تعرف هي أيضاً ما يمكن له أن يكون !!

البارحة وهو اليوم الذي كتبت به ما سبق , كان صديق لي قد عرض علي عمل لمدة ساعات معدودة في تلميع أرض لمعمل أدوية , قبلت به لأخرج قليلاً من ذلك الحيز من الضجيج الذي يعمل وليام شكيب على ألا يوقفه , فحاولت طبع هذه الورقة فلم أفلح كعادتي في الأمور التي أنا في حاجتها بسرعة فتركت المحاولة لمرة أخرى , كان معمل الأدوية بعيد عن المدينة التي أسكن بها حوالي الساعة و نيف .. وصلنا إلى البوابة و سجلت الأسماء و طبعت بطاقات الصدر للتعريف علينا و دخلنا معمل كيميائي حقيقي بتلك الأنابيب و الفقاعات و الأجهزة الألكترونية و السراويل البيض و الكومبيوترات , أدهشني هذا , جهود علمية حقيقية لخدمة البشر , كنت أرفع الكراسي و مايمكن له أن يعيق تلك الماكينات التي تنظف و تلمع تلك الأرضيات المغطاة باللينيليوم , كانت الدفاتر و الأقلام و الأنابيب توحي بأن هؤلاء البشر يعملون بجد , تلك أرجعتني إلى بلدي حيث لا أظن بأننا يوماً ما سنكون من هؤلاء البشر و سنظل وإن حاولنا مستندين على أكتاف هؤلاء البشر الذين آمنوا بالعمل , وهنا أقول و أنا أول المتقاعسين عن اللحاق بهؤلاء البشر و أنا أيضاً من هؤلاء الذين عاشوا حياتهم غير مؤمنين بأن العمل الجاد هو جزء من الحياة الطبيعية , أن دول العالم الثالث و نحن منهم , علينا أن نخرج رأسنا من حلم الحياة في الدول الغربية ونبدأ كما بدؤوا و أظن بأن ذلك سهلاً بالنسبة لما وصلوا إليه و علينا أن نكمل معهم هذه الأهداف لخدمة البشرية , عندما أفكر بدولة مثل السويد و ما وصلت إليه من غنى , أخرج بنتيجة حتمية بأننا أغبياء و جحودين و مقموعين لما نحن عليه من غنى فكري وحضاري ومبادئ و قيم وبلد لها كل هذه الثروات من أرض خصبة وبترول و ثروة كبيرة من البشر متناغمة مع المساحة و الثروة .. لا أعلم السبب , سوى بأننا ولدنا هكذا و لم نغير من الأمر شيئاً وهناك سبب بأننا عشنا بتقاليد بالية لا دخل لها بالمنطق و بنينا ثقافتنا عليها حتى أصبحنا نحكم على كل شيء بتقاليدنا التي لا أعرف و لا أظن أحد ..! يملك البراهين على أنها أتت من شيء منطقي .

أحب بلدي .. وربما جميعنا بالغنا في تضخيم مساوئها بل راح بعضنا يزرع كرهها في نفسه , لتصرف أحمق من حمقى وما أكثرهم عندنا , كان جميعنا يحلم بأن الحياة في الدول الغربية هي العلاج الناجع و عندما نأتي و نبدأ في أعمار متأخرة نرى بأن القطار على مشارف المحطة الأخيرة و الركاب عليهم أن جمع حقائبهم و ذكرياتهم ولا حاجة لهم بقطع تذكرة عودة .. فالقطارات و السفن في تلك المحطات .... لا ترجـــــــــــــــــــــــــــــــــــع بل تتحطم و .... تموت .

ويليــــام شكيب مصري


ويليــــام شكيب مصري

كان الجوّ جميلاً وإن كانت السماء توحي بأنها ستمطر بعد قليل , رجعنا إلى البيت بعد أن أرجعت وللمرة الثانية ذلك الscaner إلى المحل, بعد أن اتضح لي بأن جهازي يغش في تعريف المعالج الذي كان من المفروض أن يكون celeron 500 ولكن عندما أبدلت برنامج windows إلى ال Xp جاء التعريف بأنه 267 وهذا غريب بسبب أنني لم أسمع في حياتي بأنهم أنتجوا ذلك المعالج بتلك السرعة .. لا يهم أرجعته وكنا ثلاثة ( على النبعة وإجا الحبيب و صرنا 267 ) أنا وكاترينا وأمها وكانت مناسبة لنشتري جهاز تلفزيون 29 بوصة سوني WEGA حيث مللت من ذلك التلفزيون الذي جلبته من غرفة المخلفات .

وحيث أننا لا نملك سيارة لم ننقله بل اكتفينا بحجزه ( 24 ساعة على ذمة التحقيق ) ريثما نستطيع نقله مع أحد أصدقائنا الذين يملكون سيارة .. رجعنا البيت الساعة 12 ظهراً طبخت رز مع بطاطا و نجومية و سلطة الموسم و تغدينا و بعد ساعتين بدأت كاتارينا تشكو من ألم ومغص الولادة الذي تأخر حسب تحديد الأطباء أربع أيام , وبدأت بمخابرة أمها التي ربما كانت تدخل باب بيتها رجوعاَ من عندنا , لتأتي ثم المشفى , حيث قالوا لها بأن تنتظر مغصاً أقوى وهكذا حتى الساعة الثالثة ازداد الألم ولم تعد تحتمل فطلبنا سيارة تاكسي ( وأتينا بالتلفزيون ) و.... دخلنا المشفى حيث بدؤوا بالفحص الدقيق و تبين لهم بأن الجنين تعب حيث أن تأخير الولادة قد أثر بشكل سلبي على الجنين و الرحم ..... وقرروا عملية قيصرية فورية . انهارت كاتارينا وبدأت أنا في تهدئتها علما بأني لم أكن متماسكاً أكثر منها !! و دخلنا جميعاً إلى غرفة العمليات التي باعتقادي تشبه كل غرف العمليات( البحرية)

في كل مشافي العالم إلا أن شاشات الأجهزة والمراقبة كانت مبالغة جداً .. دخلت دكتورة في ال 46 سنة من عمرها وثلاث ممرضات و دكتور مخدر وبدؤا بالجراحة دون تخدير عام حيث خدرت كاتارينا ببنج في الحبل الشوكي وبقت صاحية و أنا بجانبها وأمها طوال النصف ساعة حيث انتهى وبدأ كل شيء .

ظهر وليــــــام شـــكيب , وملئ المشفى بصراخ حاد وقوي , وكان رأسه مكسواً بشعر أسود,عكس ما توقعته تماماً , و صغيراً وزنه 3210 غرامات . كانت ساعة الولادة تماماً 21و36 دقيقة من يوم 25\ 6 \ 2003 بقيت بجانب كاتارينا لنهاية العملية وشاركنا وليام شكيب مصري حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ثم انسحبت إلى البيت لأرجع غداً صباحاً في السابعة ..

لم استطع النوم , كان يومي أو بالأحرى تلك الساعات العشر الماضية ضغطاً عنيفاً على أعصابي ..

صباحاً أتيت , والحمد لله كان كل شيء طبيعياً.. , في الساعة العاشرة نقلونا إلى قسم ال ب .ب حيث شاركنا إحداهن غرفة صغيرة ذات سريرين .. كان وليام شكيب خلال تلك الساعات إما نائماً أو صارخاً وذكرني بشكيب ماهر , لا أعرف من يشبه ! , الأطفال يولدون متشابهين وربما وليام شكيب من الأطفال الأكثر شيوعاً في العالم أي أنه عادي يشبه أي طفل مولود حديثاً بشعر أسود وطول 49 سم ووزن قليل نسبياً 3210 غرامات .

رجعت البيت ظهراً لآكل , فأنا أخجل من الأكل في المشافي .

رجعت البيت وإذ بكرتونة ضخمة في المطبخ وكان التلفزيون حيث يزن 55 كيلو غرام , نقلته حماتي مع إحدى صديقات كاتارينا إلى البيت .. لم أتخيل الموضوع سيدة في الإحدى والستون من العمر مع فتاة في الثلاثين يحملون كرتونه تزن 55 كيلو..! هذا كثير ...!

أول من اتصل كان مالك هارون أبو علي الحبيب وهو من كان يتصل يومياً للسؤال عن ماذا حصل و متى وكان يترك رسالة على الجهاز بالسؤال ( أمحة ولا شعيرة) تكلمنا و ضحكنا حوالي النصف ساعة ثم تغديت ورجعت إلى المشفى مع حماتي و ماريا (يامسوسحة القبطان والبحرية ) صديقة زوجتي , وتسلينا مع وليام شكيب حتى الثامنة رجعت البيت , اتصل صديقي نهرو زكريا من هولندا تكلمنا الساعتان , وكانت ذكريات جميلة , ثم نمت قليلاً حتى السادسة , تحممت و فطرت و .... اتصل طارق الخطيب الذي لم يصدق بأنني لم اتصل به .. وانزعج جداً .... ولا أعرف لماذا !! و كأن من الواجب علي أن أتصل بالجميع فور حصول الحدث .. المهم أنه اتصل مرة أخرى وشرحت له الموضوع بأني لم أقل لأحد حتى الآن ولا حتى لأختي مرام القريبة ولا لأهلي في سورية أو لأخي ماهر في الكويت ..

نزلت المشفى حتى الساعة الحادية عشر ,, رجعت للبيت فاتصل فادي استنبولية صديقي في النمسا , فرح كثيراً ثم اتصلت أنا بمرام و أخبرتها بأن كل شيء على ما يرام , فبكت قليلاً و فرحت و أخبرتني بأن أخي الحبيب منذر في باريس لقراءة شعرية . اتصلت حماتي تدعوني إلى الغداء و ارسال e-mails من عندها و من ثم إلى المشفى .

على جميع أصدقائي و أقربائي أن يبعثوا التهاني و التباريك ( جمع مبروك ) على عنواني التالي ...... و الصلوات للصحة و السعادة و طول العمر لوليــــام شكيب على العنوان التالي ...

رب العالمين

السماء السابعة ........................................ إحساسي بأن حماتي تنتظرني طوال هذا الوقت يجعلني أشعر بالاحراج .. كان بودي كتابة أكثر لكن علي الذهاب ..

إلى الجميع ... حبي و امتناني لكم .

طبعــــاً ..... . . . لم أستطع ارسال الرسالة لسببين الأول غبائي و الثاني ذاكرتي ..!

غبائي . . .. لأني لم أتذكر بأن أغير اسم الملف إلى أحرف لاتينية وذلك لأني كومبيوتر حماتي قديم وتستخدم وندوز 95 باللغتين السويدية والإنكليزية و هو لا يتعرف على الأحرف العربية بقشة وكما تعلمون إن لم يتعرف عليهم فكيف سيتعامل معهم و هذا منطقي و معقول و أنا مضطر لأتقبل ذلك , شئت أم أبيت !!

ذاكرتي .. . , بعد الأربعين بدأت بالتراجع و السقوط طرداً مع شعري , وهذا ما حصل في اليوم التالي حيث ذهبت لبيت حماتي دون الديسكيت .. تجري الأمور هكذا ..

لكني لم أفوت هذه المناسبة ففتحت الكومبيوتر و استلمت رسائل عديدة فرحت بها جداً و جاوبت على بعضها بانكليزيتي الركيكة .. لعلي عبد العال وأحمد بلة و باسم لبس عفوا نعيمة الذي قرأت رسائله لصديقي وسيم .., حيث رجعت مساءً واتصلت به و تكلمنا ساعة ونصف , كنا باردين تعبين .. ربما أنا من ضغط أيام ولادة وليام شكيب و لأنني لم أنم جيداً طوال ثلاث أيام متتالية .. هكذا انتهى تلفون وسيم ونمت قليلاً.

صباحاً كنت قد وعدت حماتي أن نذهب لنشتري كاميرا فيديو ديجتال .. تماماً ذهبت وسألته إذا كان بالإمكان وصلها مع مخرج يو اس بي فقال حتما .. فاشتريتها و بثمن كبير نسبياً لحالي ووضعي المادي لكن زوجتي تريدها لتصوير وليام شكيب .. مساءً جاء والدها مع امرأته و أخيها مع زوجته و أمها فصورت بها عندها اكتشفت بأنها غير الأوصاف التي أعطاني إياها البائع ولا يوجد مخرج يو اس بي فقررت إرجاعها وشراء كاميرا متطورة بشكل ترضيني ..غداً..!

رجعت البيت مساءً وإذ بعدة رسائل صوتية على جهاز التلفون من أخت منى و من أختي مرام ومنذر الذي كان عندها و من ثم عبد المنعم جعفر .. بدأت بالاتصال أولاً بمرام التي لم تكن موجودة بالبيت و من ثم اتصلت بعبد المنعم وتكلمنا الساعة تقريباً و ذهبت للنوم , كان التعب قد نال مني و ظننت أن النوم الآن هو شيء عظيم لكن بعد قليل رن الهاتف وإذ بها أختي الحبيبة منى التي قرأت رسالتي و اتصلت للمرة الثانية لتتكلم معي كان صوتها لذيذاً و دافئاً تكلمنا الدقيقتين و انقطع الخط ثم رجعت للنوم و أنا أفكر بمنى و أولادها و أهلي أبي خالي أخي ماهر .. رن الهاتف مرة أخرى وربما هذه المرة في الواحدة مساءً فإذ به أخي الحبيب ماهر تكلمت معه نصف نائم لكن كنت سعيدا بسماع صوته الهادئ و مباركته لي وليام ..ورجعت للنوم هذه المرة حتى الصباح الباكر .

اليوم صباحاً بدأت في ترتيب البيت وتنظيفه , ثم جاءت حماتي في الساعة الحادية عشر فذهبنا مع عربة وليام الجديدة إلى المشفى لننتظر ثلاث ساعات لقدوم دكتورة هندية ذات لغة سويدية مكسرة تعتذر لأنها تأخرت بسبب أن لا أحد غيرها بالمشفى وهناك حالات طوارئ لا تستطيع إرجائها .. المهم خرجنا إلى البيت و أرجعت الكاميرا ورجعت البيت دون كاميرا لأن أقل الكاميرا تعجبني تفوق سعر الكاميرا التي أرجعتها بضعف فأرجأت المشروع السنيمائي لوليام شكيب .

في الساعة السادسة و النصف تقريباً رن الهاتف .. ظننت بأنه مرام ومنذر , و لكن ... مصطفى ابن خالتي .. يا للمفاجأة !!

كنت سعيداً جداً , فمصطفى ليس مجرد ابن خالة بل هو أخ تماماً , نحبه جميعنا ونعتبر بأننا في تلك العائلة لدينا أخ سادس هو مصطفى - دون مراعاة الترتيب- كانت مفاجأة جميلة جميلة جداً أشكره عليها ..

الآن مساءً وليــــام شكيب يأكل .. يصرخ .... ينام قليلاً و ... كثيراً بحيث كاتارينا تغير له كل ساعة تقريباً و تقول بأن يأكل أكثر من مقدرته , لذك يتقيأ كثيراً و ... كثيراً .. ها نحن لا زلنا سهرانين .. وليام الآن نائم و البيت هادئ و كاتارينا في طريقها إلى النوم و ضوء شاشة الكومبيوتر يلقي اشعاعه على وجهي فأبدوا رجل كهف ضل الزمن والطريق . . . . أحبكم .

المدارس التي مررت بها في مدينتي تشبه السجون


استمع لجوان بايز و أصابعي تقفز على مفاتيح الأحرف ببطء المجندين الجدد عندما يتدربون على تخطي إطارات الكاوتشوك ! وبما إني في فترة النقاهة بعدما دحرت خلايا جسدي فيروسات الرشح وبدأت تلك الفيروسات بالتراجع عن خطوطها الهجومية وبدء خطة دفاعية عقيمة , قررت الكتابة مرة أخرى ..

مستغلاً ذهاب زوجتي إلى اجتماع في عملها , لأتحدث إليكم , فاتحاً خلاياي لهجوم آخر من فيروسات الحنين والذكريات .. الـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاذقية .

1966 مدرسة الكلية الأرثوذكسية , أحمـــد مقصــود , نزار وكيل , أستاذ ومدير !!

هل أنا الوحيد الذي يرى المدارس التي مررت بها في مدينتي تشبه السجون , وما المدرسين والهيئة الإدارية إلا السجان و المشرفين , كنا في كل مرة نخالف قوانين المدرس الذي يختلف عن غيره بالطبع , كنا نعاقب إما بالضرب أو بالذهاب على غرفة الموجه أو المدير ونقول له ( أرسلنا الأستاذ , فإذ به دون أن يستفسر عن السبب يستل عصاه , ويستمتع بمنصبه و ساديته , متناسياً في بعض الأحيان أن يسأل الطالب الجديد من أباه أو أقرباءه , حتى إذا تبين في اليوم التالي أن الطالب يصطحب معه أحدٍ ما !! لديه العذر بأنه لا يعرف من هو وأن الغلطة بدايةً من الأستاذ , فهو أعلم بهذه الأمور !! تنطلي هذه الأعذار على أغلبية ولي أمور التلميذ , وباعتباري ابن معلمة قديمة وذو شخصية قوية , كنت على الأغلب محمياً , وإن وجد نادراً من يكسر تلك الحماية !! و الحقيقة أنني لم أستثنى.في بداية سنيني الثلاث , وضعت في مختلف المدارس التي تقبل الأطفال للرعاية و التعليم , فمثلاً بجانب بيت جدتي كان هناك كتٌاب ربما ذهبت إليه مرتان, لم أعد أذكر اسمه لكنه كان نهاية مرحلة الكتاتيب ثم مدرسة مطرانية الأب سالم حيث تربط عائلتي صداقة قديمة مع الأب سالم و التي سميت المدرسة باسمه لاحقاً وغيرت إلى ثانوية ذكي الأرسوزي أخيراً و من ثم بعض الأيام المخيفة في روضة حديقة البراعم( أو البوشي على ما أظن ) فكان باص المدرسة الأخضر القديم , في جانبيه رسم بعض الزهور و اسم الروضة , كابوسي الحقيقي في الصباح , فكنت أبكي و أصرخ أو أختبئ إذا لم يكن بجانبي أحد أخوتي أو والدي فإذا ذهب انقضت المحنة وإن لم , فتدفعني أذرع و تتلقفني أخرى , أعرف تماما أن الصراخ والبكاء لا يجدي نفعاً فأسكت متحاشياً بعض الكلام مع مشرفة الباص , ومن ثم نصل للمدرسة التي تقع قريبة على أكبر و أقدم مجمع للمخابرات في بلدتي ( لم أكن أعرف ذلك عندها) فكنا ننزل من الحافلة ماسكين أيدي بعض , تماماً عندما نزلت من سيارة السجن إلى المحكمة بعد 19 عاماً , ومن ثم ندخل الروضة ويقفل علينا , نقبع في غرفة لا يمكنك أن ترى من خلال نوافذها إلا ممر صغير وجدار عالٍ , وتدخل معلمة أو أحد أفراد هيئة الكبت و القمع لتحيل بقية يومك إلى جحيم و رهاب ..

لم أحب المدرسة من بعدها مطلقاً , وكنت أكثر التلاميذ تنقلاً بين المدارس , لم تعجبني أي ..!

محاولات أمي باءت بالفشل كما محاولات الجميع بأن أغدو شيئاً عظيما ما بالدراسة ..... و أصبت برهابات متعددة , لا زالت تقبع في نفسي حتى الآن .

تنقلت إلى أكثر من 6 مدارس خاصة و عامة أي حكومية , كانت جميعها تدار بنظام واحد , كانت جميعها سجون بنوافذ حديدية و عصي و لباس موحد , كان الجرس الذي سمعته بالسجن العسكري عندما ينتهي التنفس هو ذاته الجرس برنته الطويلة و الحادة آمراً التلاميذ و الطلاب و المساجين إلى رص الصفوف و الرتل و ترديد الخلود للحاكم و شعارات الحزب , ثم ندخل الصفوف أو الأواويش ونضع نصب أعيننا أن يمر يومنا على سلام , فإن درسنا أو كتبنا الوظائف فليس من أجل أن نتعلم بل لأجل أن لا نضرب , حتى الإهانة كانت من العاديات , وكما كنا في السجن نحلم بالعفو العام ونتكلم عنه , كنا في المدرسة نتكلم عن قانون يمنع ضرب التلاميذ و إهانتهم , عجيبة تلك الملابسات في عدم تفهم نفسية الطفل وتأثرها .

منتظراً طفلي !! ولا أعلم كيف يمكنني أن أحميه كما حموني أهلي ولم يفلحوا , ليسوا هم السبب , كما لن أكون , فقد فعلوا ما باستطاعتهم !! أحياناً أرتجف عندما يأخذني فكري إلى صعوبة تربية طفل وأنا في هذا العمر , كيف و مدى صعوبة الأمر عندما تكون في سن السنتين .... بعد الأربعين . كيف سأتعلم أو أعلم نفسي على الصبر و على أن آخذ الأمور بروية , بعيداً عن عصبيتي وسوء تصرفي وعدم وجود من يساعدني من أهلي مَن اعتدت على مساندتهم لي , كما أعرف تماماً وكأني أسمع أختي منى تقول لي : أنت خير من تراعي و تهتم , وربما هذا صحيح وبذات الوقت هذا ما يؤرقني , فأنا أهتم حتى درجة المرض , أهتم لدرجة عدم تحملي رؤية مريض فما بالك بطفلي !! ذلك ما يحيل أيامي أكثر سوءً ..

أعيش أيامي وكأنها الأخيرة , لا يحمل لي يومي الجديد سوى نفس المسؤوليات ونفس الرتابة المألوفة لي منذ التحاقي بالمدرسة . تغير الجو , النهار أصبح طويلاً و الشمس ترسل ضوئها باكراً جداً حتى بعد تقديم الساعة , فمثلاً اليوم استيقظت الساعة الخامسة , عادةً الساعة السادسة , كانت الشمس قد أشرقت و أرسلت أشعتها الذهبية لتلون تلك الأحياء التي تطل من نافذة المطبخ وأنا أقف بجانبها منتظراً إبريق الشاي .. النهار أصبح طويلاً لدرجة أني آكل ثلاث مرات ... أكثر من ذي قبل !!

الآن كفاني لعي .. ما بستحي العما !!

الوداع يا صديقي سكتت جوان بيز وهي تغني أستا لا فيدا و هيريكاين إذ ماي نايم وشو بيبقى من الرواية وشو بيبفى من الحجر .. أخوك .......رفعت.

ماذا أنا فاعل في حياتي البالية أيها الصديق ... استيقظ و آكل و أقضي أكثر من ساعتين في الحمام خوفاً من عارض يجبرني على أخذ اذن من المعلمة ... يالي من تافه ....!! صه ((لقد انتهى أمر تافه))...

وقارب الحب

قد تحطم على صخرة الحياة اليومية .

لقد زهدت الحياة .

وعجزت عن أن أعبر عن أحزانها وعثراتها

وأخطائها المشتركة.

ولتنعموا بالسعادة )).

هذا ما كتبه شاعر عظيم اسمه ماياكوفسكي عندما مات منتحراً قالوا أن وجهه كان هادئاً , لا يشبه وجوه الموتى , وكان شهود الجريمة , دم و مسدس ورسالة أخيرة..

بكيت كثيراً وكأن عيناي متحفزتان للبكاء وقلبي أشبه باسفنجة تعصر بسهولة ..

كان لدي سماء و أشجار

كان لدي أهل و أصدقاء

وفتيات وشوارع

كان لدي قصص وضحكات , ذكريات وأوراق لا تذبل

حلمت مرة وذهبت ...

فحلمت بأن كان لدي سماء و أشجار

ومناجم من الذكريات

أحفر أحفر أحفر ...!

استطيع أن أموت بشكل عبثي , تجريدي , أن أذهب إلى بيت الموتى حاملاً معي كل ما كتبته لأصدقائي وعشيقاتي من شعر رديء وتافه وأن أصرخ بملء فمي بكل الكلمات البذيئة التي علمتني إياها عاهرة كانت تصرخ بي لأني لم أرضها ... ما العمل !! كان يومي رديئاً !!! وكنت تعباً ...................................!

اليوم اتصل صديقي أحمد اسفنجة عايدني وكان ذلك لطيفاً جداً منه , فعلاقتي معه أشبه ليس بمد وجزر بل بحركة الموج تماماً , تأتي وتذهب وحركة الموج هذه قوية بفعل رياح المشاعر والالتزامات التي نختلف عليها دائماً ... أصدقاء أصدقاء ..

توقعت من الكثيرين أن يتصلوا .. لا عجب بعيد عن العين بعيد عن القلب !!! لكن ليس أنتم .

عيد مبارك للجميع بما فيهم من ليس له علاقة بالعيد , لكنها مناسبة لأقوال وتمنيات جميلة ..

كــــل عــــــــــــــــــام و أنتــــــــــــــــــــــــــم بخيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر

وأتمنى من الله تعالى أن يعيده علينا وعليكم بالسعادة , وهي ربما أغلى الأماني .. سألحق هذا الأتاش بآخر صوتي , إنشاء الله تعرفوا كيف تفتحونه على مصراعيه هه..!

هل تموت الشعوب !.


.... .. .. فاتحين أفواهكم أنصتوا ...!

جوقة النشيد الوطني تغني

......... شتات و لاجئين , مروضي الشعوب في الصفوف الأولى

تلتهب أياديهم.. مصفقين

رأس سحق علق شنق ثقب

وإسفلت يتلون

لوجه واحد صور.. صور.. صور..

وبوضعيات مختلفة

ترتفع أعلام و تنكس أعلام

يموت التاريخ

و يحيا آخر من بقي ميتاً

ينتهي الغناء

وتنصرف الجموع إلى الزريبة مرة أخرى

حاملة حلماً ملوناً من منجزات الأب

هكذا ناموا

عندما لفهم دخان القمع

رأوهم مبتسمين بعد دهور

... نبشوا

... وفي يدهم حلماً مكبلاً بجبنهم

قانون الطوارئ.... والأحكام العرفية !!

هل يموت التاريخ هل تموت الشعوب !.. ومن يقتلهم !!! لا أستطيع أن أصدق بأن الشعوب تموت بل تنام تغفوا, سوى أن الموت حتى بكتب الله الثلاث ليس سوى مؤقت حتى يأت يوم الحساب عندها تحيا الشعوب وتخاف مرة أخرى من الحساب ..

كنت أحاول كعادتي عندما أضع مشروع كتابة , مشروع جديد لكتابة شيء ما , أن أتصور حالة من ضبابية الفكرة ثم ابدأ برسم إطارها و تلوينها ومن ثم إخراجها إلى حيز الخيال لكن بصورة واقعية تعي دائماً بأني لا أكتب شيئاً جيداً ..

في بعض الأحيان أرى بأني وصلت لرسم فكرة رائعة عندها يجف قلمي وحتى في بعض الأحيان يجف حلقي من دهشتي بأني لم أحسن صياغة شيء من هذه الفكرة..

لنأخذ الرسم مثلاً ومحاولات عديدة لبدأ بنية فنية تتميز بطريقة ما عن شيء قد بدأه آخرون , فأبدأ بصفحة بيضاء وأنتهي بشيء لا أعرف أين رأيته من قبل !! ومن ثم قصيدة النثر ومن ثم عملي كمصمم داخلي ومحاولاتي جاهداً لأبعد التصميم الذي أعمل به عن أي شيء مشابه , فيأتي العمل كقصيدتي النثرية هشاً غير متين وذو شكل غير مألوف وربما هذا ما أنجح به وإن كان فاشلاً .. أن أكون مختلفاً عن فشل الآخرين .. لكن بالنهاية فاشل !!

قرأت لمنذر في مقدمة لأحد دواوينه وربما الأول ( بشر وتواريخ وأمكنة ) ..

"وهكذا في صوري، كان أمامي خياران، الأول أن أرتدي أجمل ثيابي، وهذا ما يفعله كل الناس عندما يذهبون لأخذ الصور، والثاني أن أكون عارياً، كما يشترط الحب علي وعليك وعلى الجميع أن يفعلوا، فكان اختياري – يالي من دعي – أن أكون عارياً وجميلاً في آن"
أن أختار ... عارياً وجميلاً، كان يعني لي، أني حقيقيٌ وذو أمل.

في بداية كل شيء أكتبه موجهاً لأحد ما , ثم ما ألبث أن أفكر بكل الأصدقاء و الأهل..., ورب مرة , بدأت الكتابة لأبي الذي لم تصله للآن أي رسالة - مني ثم تنحوا كتابتي لأصدقاء أو أخوتي المنتشرين في أصقاع هذه الطابة الصغيرة .

... أن أكون عارياً ولا يهمني أن أكون جميلاً بل عاكسا أيضاً ً مقولة أخي الكبير بأن يعني لي أني حقيقي ودون أي أمل وهذه حقيقة أيضاً , بدأت الشمس تفرض قوتها على الطبيعة وبدلاً من أن تكون قوة شفائية ضد أمراض البرد والشتاء إلا أنها فعلت العكس معي فمنذ يومان وأنا أجاهد ضد كريب قوي ضرب جهازي التنفسي الكامل مما جعلني أعتقد بأني مصاب بذلك الفيروس الصيني سارس ومضت ليلتين لم أذق بهما طعم النوم أو أن الألم قد تخلى عني ولو لثوان , و سعلة قوية قد خرشت رئتاي و لا أعرف بأني قد أشفى ببحر الأسبوع علماً بأن المدرسة ستبدأ غداً ولا أعرف مدى قابليتي أو مقدرتي على الذهاب ..

أكثر المشاريع التي تؤرق نومي .. بأني يجب علي أن أكتب رسالة لأبي وبشكل خاص جداً ففي كل يوم حاضراً أبي في حياتي , البارحة كنت قد تكلمت عنه مع والد زوجتي و كانت زوجتي قد تكلمت طويلا عنه وهي التي لم تره إلا مرتان أو ثلاث إن لم تكن ذاكرتي قد أنكرت آخر مرة عندما خرجت من مكتبه مسافراً مع زوجتي وقد كان منزعجاً من سؤال قد سألته إياه بشأن أملاكه و ربما كان من الغير لائق أن أتكلم معه بذلك فأنا لم أتعود بحياتي أن أفتح معه تلك الأحاديث !! كنت مقتنعاً بأنه لا يمكنه أن يفعل بنا ذلك وهو الذي عاش حياته دائماً على ثوابت من الحق والفضيلة .. رحلت دون وداعه وبكت زوجتي عندما قلت لها بأننا لن نودعه عندما نذهب وما كان هذا قصدي فقد كنت غاضباً من جوابه !! وفي كل يوم قضيته هنا كان أبي يعيش بي , أتحرك مثله و أتصرف مشابهاً لردود فعله وأحياناً أتصرف بشكل أتفاجأ به وكأن أبي من يحرك بي أجزاء من فكري و جسدي , أعطس مثله و أنام مثله و أنفجر غيظاً بنفس الأسباب التي تغضب أبي , فأراه في كل تلك الأشياء , اليوم زاد سعالي وأصبح خروجي من البيت صعباً , فراودتني فكرة كتابة رسالة لأبي , وماذا سأكتب له , بأني سعيد ومشتاق و أتمنى له الصحة !! من يخبرني بالمزيد ! وكأن 40 سنه عشتها معه بدت غير قابلة للكتابة وكأن المشاعر لا تكتب , كيف لي أن أكتب له كم أنا مشتاق له , أو أن أكتب كم أبكي أحياناً وأنا أفكر به كيف يأكل و كيف ينام و كم هو لطيف , زوجتي وصفته برجل لطيف أبيض و طيب القلب , عندما قابلته لأول مرة وقف خجلاً وبكل احترام كعادته دائماً,استقبلها مصافحاً وكأنها رئيسة وزراء , هل سأكون مثله يوماً !! أتمنى .

أبي اللطيف و المتواضع تلك الصفة لازمته طوال حياته وبل أثرت على مستقبله فكان دائماً لا يطمح لشيء سوى ربنا اعطنا كفاف خبزنا , ولم يكن قد احتاج طوال حياته لما تركه له والده من ارث يستطيع أن يحيا به ملكاً ثم بعد وفاة والدتي تزوج وانجب واحتاج لمراضاة زوجته أن ينقل ملكية أملاكه إليهم وتركنا نحن الخمسة دون ذكرى منه سوى أننا جميعاً نعطس مثله و نملك أحاسيسه و نعومته , و .... اسمه ... !

ربما هذا ما يبقى من الأب , إنه يبقى بك .

في تلك الأمكنة


مرة .... في تلك الأمكنة , و مرة أخرى في نفس الأمكنة .. قاســــينا و أتعبنا ألف فشل .. مرة في تلك الأمكنة رقصنا حتى الانهيار على ألحان أحلامنا الواهية .. في تلك الأمكنة نفسها بنينا ذلك الصرح كبير من الهموم و الحزن على سنيننا المقتولة وذكريات طفولتنا وحبنا الأول , دفنا به كل ذلك الإرث من الخوف و الحزن و الفشل , أشعلنا ألفاً من الشموع و أطنان من الريحان في كل سنة , كنا نلتف جميعاً على حكايات البحارة و حاملين رؤية الغرب ,كان أكثر أصدقائنا من سافر كبحار وعاد حاملاً معه حكايا الغانيات و دندنة بعض الأغاني اليونانية و بعض السراويل ذات الماركات المشهورة , كانوا جميعاً يتكلمون اليونانية و دنجوانية العصر و أصبحت رؤية المرفأ في طريقنا اليومي إلى و من المدرسة رمزاً للحرية المنشودة و الحياة العريضة , كان البحر ورائحته لا تعني لأي منا أكلة سمك أو حب السباحة كان فقط طريق الحلم الذي ما فتئ يقتحم يوماً بعد يوم عقولنا الصغيرة مرة في زمان .. ما .., كانت أحلامي جاهزة وفرصة لإعادة ما خسرته من عمري , وظننت بأنني سأرقص واقعاً حياً متلبساً أحلامي و أنني دفنت ذلك الماض من الخوف و الحزن , لملمت بعض الضحكات و النكات وما تبقى من ذلك الجسد واسم لم يكن يعني أي شيء , بطاقة سفر وتأشيرة خروج و بعض المفردات من لغة أخرى ..

جميعنا أتعبنا هذا الحلم وكانت صور تلك المدن المتلألئة بانعكاس أضوائها على تلك المياه تدعونا كجميلة لا يغتفر ردها .. نعم أتعبنا ..! ربما من طول هذا الحلم وربما أيضاً من قصر ذلك الوعي بأن لا حياة سوى تحت سمائك وسمائك هي وحدها تستطيع أن تمتعك بذلك المطر و بذلك القمر وبتلك النجوم .. لا سماء سوى سماء واحدة تستطع إبطاء قتل سنواتك وهذا ما غاب عن وعينا القاصر في تلك السنوات التي خلت ..

لم نكن نعلم !! بأن الذكريات لا تموت وتلك الضحكات تحولت إلى صدى من خيالات الحب و الفرح و الناس الطيبين وهكذا أصبح المساء موعد ثابت للذكريات والدموع و أغاني فيروز, كانت كاسة الشاي دفتر مليء بقصص أصدقائي وكانت أغاني فيروز صدى ضحكات أخوتي و أصدقائي , و الزيت والزعتر الذي لم أطقه يوماً , أصبح طعامي المفضل ... لماذا !!!

البارحة استلمت رسالة ردا على رسالة أصف لاذقيتي القديمة و كان المرسل صديق قديم يعيش منذ أكثر من عقد من السنين في الإمارات , كان يكتب ضحكات و مسرات وأحياناً ندم .. جميعنا نشعر به عندما يعصف بك ريح الماضي كتب في نهاية الرسالة وهو ما أعجبني

" نعم .. نحن الكافرون بنعمة الجحيم . والآن أعلنها فتوى لكل الصابئين : " من ترك نار اللاذقية لجنة الغربة ... كافر . من ترك صخب اللاذقية لهدوءٍ في حي راق ليهنأ في استماعه لموسيقاه .. كافر . من هرب من وحل الشوارع والأزقة وسوق الخضرة إلى إسفلت نظيف ممسوح بكرامتنا .. كافر . ومن قال بأن الكافيار أكثر قداسة من الفلافل .. كافر ابن كلب .

ياأيها الكافرون عودوا واسكروا بكأس من لبن أو سوس في شارع هنانو أو عند بوابة المركز الثقافي. ياأيها الملحدون ارجعوا ومارسوا إلحادكم على ناصية بناية المهندسين أو في قهوة شيخ الشباب أو في مطعم أبو يوسف ؟ فحصاد زرعكم للحسنات في أرض غريبة لن يكون سوى رؤوس الشياطين . وغلال فكركم وثقافتكم وأدبكم لن تكون سوى لات وعزة سيكفر بها كل من لم يكفر قبلاً عندما تغفل عنها أرواحكم "

لعلي عبد العال ذلك الصديق الذي لم تتح لي الفرص لأكون قريباً عندما كنا في اللاذقية , تحيات قلبية ممزوجة بروائح عرانيس الذرة المشوية في الكورنيش المزيف ذو المقاعد الأسمنتية السيئة الصنع و التصميم حيث كنت أجلس دائماً على ظهر المقعد لعدم تمكني من الجلوس بالشكل الصحيح و العادي وقد وضعت سماعات ذلك الجهاز الصغير الذي أهداني اياه صديق من اوستراليا مستمعاً لجون دنفر أو دون ماكلين , فيحلق خيالي في تلك السماء أو مبحراً مع الموج الذي لا يتعب من الموت مرة بعد أخرى ..

المدارس العامة


لأول وهلة عندما دخلت تلك القاعة المتوسطة كحجم صفوفنا في المدارس العامة . كانت الطاولات قد وضعت في أشكال تحوي على أربع كراسي , كنا في بداية الدراسة لا نتعدى العشر أشخاص أكثرهم من السريان العراقيين , كانوا ثلاث فتيات و أربع شباب أكبرهم في الواحدة والثلاثون وما تبقى من الطلاب كانت الفتيات الباقيات واحدة من الجبل الأسود ميلينا و أخرى سريانية جميلة أتت من بلجيكا لم أعد أذكر اسمها وأخرى سريانية أيضاً أتت من ألمانية ربما اسمها مانويلا وأخرى نمساوية أصيلة ربما هي من اسمها مانويلا وليست الأخرى !

كان جو القاعة في البداية أشبه بقاعة سجن جمع أشخاص لا يعرفون بعضهم وكل يشك بأن الآخر واشي ولا يمكن أن يأتمن صداقته حتى يعرفه جيداً , كان الجميع ما عداي متفقين على أن الديانة يمكن لها أن تكون مدخل للعلاقة أو للصداقة لذلك كنت السوري الوحيد الذي لا يعرفه أحد وكان الجميع على حذر من التعامل معي ماعدا فيما يتعلق بترجمة المفردات التي كنت أعرفها لمعرفتي المحدودة باللغة الإنكليزية التي تتقنها المعلمة كجميع السويديين مما جعلني مترجم الصف للعرب الشتات في القاعة .. إلا أن العلاقة لا زالت باردة إلى أن جاء عراقي مجاهراً بديانته المختلفة عنهم عندما قال اسمي نور الدين محمد مع ذلك كان ما يجمعه معهم أكثر مني لأنه عراقي على الأقل .. مرت الأشهر نور صديقي الوحيد حتى عندما أتى إلى الصف آخرون سواء من العراق أم من أوروبة وآسيا وأصبح عددنا أكثر من عشرين طالباً وطالبة كما كانت بينهم سيدة سريانية من حلب وكان من شاركنا طاولتنا و الاستراحة الوحيدة ذات العشرين دقيقة سرياني آخر اسمه هيثم .. هيثم فبالثلاثين من العمر متزوج لديه طفل واحد . زوجته شاركتنا الصف متأخرةً عندما بدأ طفلهما يذهب إلى الحضانة وكانت لطيفة كهيثم .

بدأت الحرب على العراق , كنا جميعاً , العرب قد نال منا الخوف على الأهل والأخوة العراقيين والبشر الذين سيتألمون ويموتون كبيراً , كان نور أكثر المتأزمين حتى أنه لم يأت للدراسة أكثر من أسبوع أما هيثم وزوجته فكانا متوازنين حتى ضربت قريتهم وماتت عائلة كاملة كانت تسكن خلف بيت أحد أقربائهم وهذا مما شاهدوه في قناة الجزيرة التي تتواجد هنا عن طريق الكيبل , زاد خوفهم وأصبحوا تواقين لسماع أخبار الأهل .. عندما قطعت الاتصالات عن العراق كلها .. وما جرى لهم حتى البارحة,, عندما دخلت جيوش أجنبية على الموصل مما أتاح لوالدها أن يخابرهم وهم في المدرسة مما أراحهم وأراحنا نحن أيضاً ..

هذا الجو العام للصف الدراسي .. تلك الخلفية لأحداث تتفاعل داخل أقبية الجهل و تفاعلات الأديان بين العرب أو الشرقيين عموماً و كأن كل ما جرى لنا نحن الذين قد تركنا الوطن قد حفر بداخلنا خندقاً عميقاً من التفرقة ..!

البارحة كنا نضحك خلف ذلك الحزن على سقوط عاصمة عربية وليس على سقوط نظام غاشم كغيره من الأنظمة التي لا أحتاج لتعدادها بانتهاء حصة الدرس عن عادات الشعوب في عيد الفصح , عندما فجأة سألتني زوجة هيثم هل أنت أرثوذكسي أم كاثوليكي !!!!! كنت أشك بأن هيثم يعرفني , ثلاث شهور كافية ليعرف ما إذا كنت غير مسيحي .. كنت غير مستعداً لسؤال بمثل هذه النوعية فقد اعتدت على علاقات لا أهتم ما إذا الطرف الثاني قد يكون أو لا يكون من ملتي أو من ديانتي أم حتى أوسع من هذا بكثير .. كان يهمني من يكون وليس ما يكون.......أي لا شيء يقف عند الدين أم ما يحمله من عقيدة لطالما يعاملني بالمثل والاحترام المتبادل ... فماذا لو اكتشفت بأنه ليس مثلي أي أنه لا يحمل معتقداتي ! ماذا سيحصل !! لا شيء ولم أكن في حياتي طائفياً .. فصديق طفولتي وحياتي ليس من ملتي و أختي متزوجة من أجنبي و زوجة أخي من ديانة أخرى و جدتي من ديانة أخرى و حتى زوجتي ليست من ديني ... ما المشكلة في ذلك ,, فأنا ولدت مع ديانتي حسب الأعراف والتقاليد , ثم في طفولتي فُصِلنا كتلاميذ في المدرسة و لم أعرف السبب حتى كبرت , كنت أعتقد بأنهم يذهبون إلى البيت وكنت أحسدهم علماً بأني كنت أدرس في المدرسة الأرثوذكسية حيث أن جدتي أم والدي لبنانية أرثوذكسية .. لا أعرف لماذا بدأت هذه الكتابة فمنذ نطقي بالجواب بأنني أرثوذكسي وأنا متوتراَ بأني أخطأت القول, موافقاً لعدم الإحراج !! رجعت البيت وقد أحبطت بأني كنت أخاف من أن أكون بشكلٍ ما ليس فرداً من الجماعة أو باني سأكون محروماً من دفء العلاقات التي اشتقت عليها وقد اعتد عليها لأربعين سنة قضيتها في مدينتي بين شتى الملل و الديانات , كان يهمنا أن نكون أصدقاء نتكلم عن الموسيقى أحلام السفر والأفلام الجديدة الكتب الشعر الرسم , ماهية الصداقة ماهية العلاقات ما تحتويه تلك الدوائر من المشاعر لطيفة وأحاسيس تطفوا مع اللقاءات والدعم المباشر عند الحاجة مشاعر الانتماء وتمني الخير للآخر حب الآخر دون أي مصالح سوى الحفاظ على تلك العلاقة ...أطلت وأعرف بأني فتحت طرقاً فرعية ليست في خارطة الكلام عن الصداقة التي كنت ولازلت أحد أكثر الراديكاليين بالإيمان بها ..

رجعت البيت وكلي أمل بأن أجلي هذا التوتر الذي أصابني .... لماذا يجب أن نكون متشابهين لنرضى عن الآخرين !! لماذا يجب على أصدقائنا أن يماثلونا بكل شيء حتى بالإيمان بالدين وبالسياسة ..لا أعرف !!

بدأت... بأن تكلمت مع زوجتي, التي قالت بأنني أخطأت إذ أجبت بأني شخصاً آخر وكأني أخفيت هويتي الحقيقية من أجل أن أكون لطيفاً وهذا ليس سبب عند الغربيين لتقول ما ليس أنت عليه !! مسكت سماعة الهاتف وبدأت بضغط أرقام منزل هيثم وانتظرت الرنة الأولى ثم الثانية ..زادت سرعة ضربات قلبي فالأدرينالين قد زاد في دمي مما جعلني أكثر تردداً بأن أجد مبرراً لما قلته لهما ...فأقفلت الخط دون أن أتأكد من أنهم سيجاوبن بعد عدد آخر من الرنات.. ثم كررت المحاولة للمرة الثانية وأنا مصراً على أن يزول اضطرابي عندما أتكلم مع هيثم , لكن دون أن أجد أحداً في البيت حتى للمرة الثالثة .

في اليوم التالي أبكرت , لعلي أصدفه آتياً فأتكلم معه ,لكنه في هذا اليوم جاء متأخراً كغير عادته . كنت متوتراً طوال الحصة الأولى من المدرسة ثم جاء وقت الاستراحة فاستجمعت قوتي ونزلت مع مجموعة من الأصدقاء داعياً له بأن ينزل معنا كالعادة , تكلمنا عن الحرب , صدام , الأعلام , القمع , الشعوب ومواقف أوروبة ثم انتهت الاستراحة وصعدنا إلى القاعة التي تقع في الطابق الثاني , في الممر المؤدي إلى القاعات كنا نمشي بمفردنا عندما قلت له فجأة .. هيثم البارحة سألتني عن ما هي طائفتي المسيحية وأنت لا تعلم .... ! بأني مسلم

لم تكن دهشته كبيرة فقال لابأس !! فأنا لا توجد لدي أي تفرقة .. !! استراح قلبي وأعصابي من أنني أخطأت ولم أنتظر طويلاً لأرجع ثياب الحقيقة وألبسها .. وهذا شيء شخصي جداً , بأن نكون نحن ما نحن ومن ثم العلاقات تخرج عن ما هو ضمن أكثر الأمور شخصية , كأن نكون صفحة مفتوحة كحقيقة كاملة لا يتنافى مع كوننا نختلف وإلا لما كنا بشر مختلفين اللون والشكل والجنس .. نحن أخيراً بشر وهذا ما يهمني .. أما ما هو معتقدي فهو علاقتي الشخصية جداً مع الخالق وانعكاسها الإيجابي مع علاقاتي بالآخرين ... أليس هذا ما تدعوا إليه الأديان ..أن يكون الخير المقصد الأخير بين البشر .. هذا ما يجعلني من قلبي أحب جميع البشر .. مهما كانت أديانهم ومعتقداتهم ..هم أخيراً أخوتي بالإنسانية

كلمة واحدة تجمعهم الحب


أحبائي و أصدقائي وأخوتي وأخواتي كلمة واحدة تجمعهم الحب ... مشاعر وأحاسيس خيوط تحبك ذلك اللحاف الذي يقينا من البرد والغطاء الواقي من برودة الواقع .. إليكم جميعاً حقول من الحب وبحور من مياه الاشتياق وتلك الكلمات كتبت في درجة حرارة كبيرة من الحب ..

هاهي الشتاء تخلع معطف الحرب أو العمل وهي تبدأ إجازتها الطويلة عندكم والقصيرة عندنا ( في السويد الجنوبية ) وعندنا هي صيغة خلعتها علي معنويا وتجريديا وليس فعلياً فأنا لن ولم ولا يمكن لي بأن تكون السويد بلدي تلك البلاد التي حلمت بها يوماً لتكون موطن آخر لي حيث الحرية والسعادة والناس اللطيفين والجنة المفقودة في العقل الشرقي , ما حدث فعلياً أنها حوت بعضاً من الإيجابيات التي حلمت بها يوماً لكنها لم تكن متكاملة مع إيجابيات كوني شرقياً وكوني حلمت كثيراً باليويوبيا الموعودة فصرت كذلك اليهودي الذي أتى إلى إسرائيل وهي أرض ميعاده فرأى بها العجب بأنه كان يعيش النعيم هناك وجاء إلى الجحيم ولكنه حرق طريق العودة فما عاد له أن يعود كما كان , وأنا ذلك العربي الذي حلم بالسعادة في أوروبة فإذ بها حلم ولكن من نوع آخر أو أنها حلم لشخص آخر لا يجد لقمة العيش أو أنه يبحث عن شخصية أخرى له وأنا كما تعرف لم أذهب لهذه الأمور حتماً وما يحي بي حب العودة هو أنني لم أعرف ما هي اللاذقية ومساوئها إلا و أنا بها وليس بعيداً فما أحلى أن أمشي كل مساء شتاء أم صيفا في كل الأوقات ماعدا رؤية تلك المجموعات التي تلبس الخاكي وهي تلوح ببندقية يجب الآن أن توجه إلى إسرائيل أو إلى الأمريكان في العراق ولكن كان لللاذقية طعم العسل عندما كنا نتمشى ونتحدث وكان لدينا العالم كله , أحلامنا أحاديثنا وعاداتنا جلساتنا و سهراتنا..

الخروج عن المنطق العام لكن عليك الاعتراف بأنهم هناك غيروا مسار المنطق وجعلوه علكة تحت أضراسهم وأسنانهم يطحنونه أيما كان لمصلحة القوي, هذه شريعة العرب و بعدها العالم , لهذا يا صديقي أبعد المنطق وعش بهدوء الحلزون وعلى ما أظن أحسن طريقة هي أن تحارب منطقهم بالخبل واللامبالات هذا إذا كنت قادراً بقدرة قادر على تحمل ذلك وهذا ما فشلت به أنا مراراً أيها الصديق الصدوق ..

ماهي أخباري : أذهب للمدرسة كل يوم الساعة السابعة صباحاً على الدراجة وأصبح لي عدة معارف لا تتجاوز علاقتي بهم حدود الثلاث ساعات داخل المدرسة , لغتي لا زالت ضعيفة وربما السبب بأني تجاوزت المدة المعمول بها في الختم الموجود على رأسي وربما كان مطبوعاً تاريخ الصلاحية بوقت قد انتهى , فرأسي لم يعد وربما منذ زمن التغيرات التي تطرأ على اللغة والكلام و خصوصاً اللغة السويدية ليست لها قواعد صريحة وواضحة وربما كما قلت سابقاً العطب بي فقط علماً بأني ربما أحسن طلاب العرب و المعلمتين تربطني بهم علاقة مميزة ربما كان العمر هو السبب بأني أتفاهم معهم لأن عمرهما فوق الخمسين وأنا الأكبر سناً بين الطلاب جميعاً وربما الفرق بيني وبين الذي يليني 10 سنوات فقط ..

هذا عن المدرسة أما الذي يلي المدرسة فأركب الدراجة لأمر غالباً على حماتي فأفتح الكومبيوتر وأطل برأسي على أصدقائي فأشاهدهم وأقرأهم وربما أسمعهم أيضاً , فأدوخ بين الذكريات الذيذة التي تنفذ إلي كسكين مدببة , بعض الأحيان أبكي فأحرج أمام زوجتي التي غالباً ما أترجم لها مايبعثه الأصدقاء.

بعدها إن لم تكن حماتي التي قد أعدت بعضاً من السمك الذي تفضله زوجتي نتغدى وإن لم نذهب إلى إحدى المحلات الكبرى للسوبر ماركت حيث وجدت بأننا لا نعرف من الفواكهة ونحن المصدرون الأساسين للعالم الأول منها شيئاً فالمانجو أنواع وهناك أنواع من الفواكهة للآن لا أعرف اسمها حقاً لكن جربتها كلها وصدقني بأنها أحسن من ما لدينا سواء بالطزاجة التي كنا نفتخر بها أم بالطعم التي كنا نتخيلها أنها كالبلاستيك هنا كل شيء نخب أول حتى البامية الملوخية السبانغ الزهر الملفوف البندورة الفجل الخس"" كل شيء الله وكيلك وكيل السماوات والأرض "", نركب دراجتينا ونتوجه للبيت أشاهد التلفزيون قليلاً فلقد جلبت تلفزيون من الزبالة يعمل جيداً وأشاهد السي إن إن الحقيرة وكأنها التلفزيون الرسمي للبنتاغون حيث الحقيقة لا يمكن لك أن تتبينها إلا عندما ألتقي بالشباب في المدرسة الذين اشتركوا بالكيبل , فلديهم جميع المحطات الغربية..

ونبدأ بالنوم الساعة التاسعة ... عبثاً لم أنجح بالنوم المريح ليلة واحدة . تصور كل تلك الأيام لم أنم ليلة واحدة بشكل جيد وأنا الذي كنت أنام النهار و أعيش الليالي ............ هذه حياتي هنا أيها الحبيب يتخلل تلك الأيام رحلة صغيرة تبعد ساعتين في القطار إلى أبيها مرتان وإلى أخيها مرتان أيضاً وصدقني لا أسر أبداً ..

كما يتخلل أيامي بعض السعادة عندما يتصلوا الأصدقاء بي منذر سلواية اليوم اتصل من امريكا كما اتصل فؤاد جوني من سويسرا واتصل منذ ساعة سمير الأبرص من روما , الجميع لا يقصرون في السؤال, والتواصل الحميم بين الأصدقاء شيء عظيم ,,

الآن يا عزيزي حان وقت النوم فالوداع ومنتظراً أخبارك السارة

هذه الرسالة لجميع الأصدقاء والأخوة والأحباب

البارحة جاءني اتصالين عزيزين على قلبي من أختي الحبيبة منى ومن أخي ماهر الحبيب إليهم مع الجميع قبلاتي واشتياقي ..