٢٠٠٩/١٠/٠١

الاثنين 14 ايلول.. ولاية أندورا





لدنيا مسرح كبير، وان كل الرجال والنساء ما هم إلا لاعبون على هذا المسرح
..

شكسبير


كعادتي لا أحتاج لساعات نوم طويلة .. وساعة جسدي البيولوجية تتحسس النهار جيدا, فيرفض الانصياع للتعب والنعاس حين تستطع الشمس, ها أنا ذا مستيقظا في ساعة باكرة!

نومي كان مريحاً, فلم أستيقظ طوال الليل, ربما النبيذ , ربما التعب, ربما هذا الجو الحميم الذي مزج مع نوستالجيا, مردها أيام الشاليه في الشاطئ الأزرق, عندما تشرق الشمس وتعبق رائحة الصباح مع نسمات الهواء اللطيف المحمل برائحة البحر .. خرجت من غرفتي باتجاه الشرفة المطلة على البحر .. صوت الموج لم يكن مصاحبا المشهد إنما كنت اسمعه بوضوح, تماما كما في ذاكرتي, صوت الموجة التي تأت بهذه الانسيابية والهدوء ثم تصل وتدلق على الشاطئ, تتشرب الرمال مائها ويتغير لونها, تتدحرج بعض الحصى الصغيرة إلى الأمام مع مد الموجة حسب قوتها, ثم تعود بنفس الطريقة, متدحرجة إلى وراء, إلى الخط السفلي من الشاطئ, وكأنها تلك الحصى-التي ستتفتت لاحقا لتصبح رملا- تلعب لعبتها الطويلة مع الموج غير عابئة بمصيرها المحتوم, فتصدر صريرا يختلط مع صوت تلاطم الماء وانسحابه. كل هذا بمشهد واحد, حركة تمثيلية متكررة وأبدية .. ماينقص هذه المسرحية, الموسيقى الخلفية هو صوت فيروز لأشعر بأني كنت أحلم لأكثر من 30 سنة.

.. أنا لازلت بمكاني, أسند ذراعي على سور الشرفة الخشبي وضوء الشمس يتزايد باطراد حتى بدأ فصلا جديدا بمسرحيين جدد في هذا المشهد, العصافير وأصوات الحياة .. الديكور لازال بمكانه .. كما أنا, هذا المشاهد الجديد ..

محمد قال لي أن أوقظه باكراً .. رحلتنا إلى أندورا.. ما هي هذه المنطقة! لم أجد سوى أن أنقل لكم ماكتب في موسوعة الويكيبيديا.

"أندورا أو كما هى معروفة بولاية أندورا تسمى أيضا ولاية أودية أندورا و هى بلدة غير ساحلية صغيرة في جنوب غرب أوروبا ، تقع في شرق جبال البرانس و تحدها أسبانيا و فرنسا . و حجمها تقريبا يتسع لنحو 84.484 من السكان في عام 2008 . و عاصمتها هى أندورا لافيلا .فهى دولة مزدهرة و يرجع ذلك إلى السياحة و وضعها كدولة ضريبية . و يتمتع شعب أندورا بأعلى نسبة عُمرية متوقعة فى العالم بمعدل 85 سنة من عمر الولادة . و تعد أندورا سادس أصغر دولة في أوروبا . "

ايقظت محمد, الذي أسرع لصنع فنجانه من القهوة أوتبادل بعض الأحاديث والذكريات وعرض كل ما بوسعه لإراحتي.. محمد اللطيف والكريم .. أتذكره كيف كان منذ الثمانينات حين كنا لازلنا في بداية العشرينات من عمرنا .. أنه لم يتغير .. يحيطني برعاية الأخ الكبير ..

في طريقنا إلى أندورا, اعترتني تلك الأحاسيس القوية, حيث تتفاعل الرؤية مع الجمال .. الطبيعة والبيوت والحقول .. لازال العالم جميلاً .. أجل !

كنت أصور الطريق والجبال البيوت الريفية ذات الجدران الحجرية الفسيفسائية .. أنها البيوت نفسها .. لم يتذمر منها سكانها ويبنوا بدلا منها جدرانا اسمنتيه قميئة .. (أنا أقارن دائما مشاهداتي بذاكرتي .. لماذا لم تبقى قرانا قرى, أشعر في قلبي حزنا على بلدي .. تشوه كهذا لا ينفع معه أي عمليه تجميلية ) حقول العنب وأشجار التفاح, بيوت المزارعين وآلياتهم الكبيرة, رائحة السماد العضوي التي لم تفسد متعتي بل أغنت أحاسيسي أكثر .. الغانيات الجميلات التي انتشرت هنا وهناك على الطرق .. كعب عالي وتنانير قصيرة, بعض الأحيان رأيت بعضا منهم جالسات على كرسي من الألمنيوم من النوع الذي يطوى .. الدعارة هنا ليست كالسويد المتحفظة!! لن أخفيكم .. أحببت كل هذا ..

مررنا بعدة ممرات لطرق سريعة - يدفع السائق التسعيرة وفقا للمدخل والمخرج - لنوفر الوقت كي نستغله بشكل أمتع في أندورا .. جبال كبيرة أنها جبال البرانس تحيط بالطريق.. فتاة افريقية تلوح للسيارات لتوصيله مجانية, قال لي محمد أتريد أن نقٌلها معنا .. قلت ما المانع!! وقفنا وصعدت .. كانت رائحتها غير لطيفة ولم تكن تتكلم الانكليزية .. وليس فيها أي مسحة من الجمال ههههه .. المهم كانت تريد الوصول الى أندورا وهي وجهتنا .

يبدأ مدخل المدينة أندورا لافيلا بأوتيلات زينت شرفاتها بزهور كثيفة حمراء, بدت لي المدينة كأنها تحضر لكرنفال أو احتفال كبير لزفاف ملكي .. إلا أن محمد قال لي المدينة في عرس دائم كعادتها, السياحة هي الدخل القومي الأعلى هنا .. أنزلنا الفتاة بمكان ما من المدينة بعد أن عجزنا أن نفهم عليها أي كلمة, وهي بالتالي لم تفهم علينا ..

في مركز المدينة عدة كراجات كبيرة لتركن السيارة, لاشيء مجاني هنا .. في الطريق ام في الكراجات تدفع حسب المسافة والوقت ..

المركز هو سوق كبير لكل شيء ..أسعار بدون ضرائب "كنت أظنها عالية بالمقارنة مع السويد!! أتضح العكس عندما رجعت" .. كل شيء جميل .. كل شيء مرتب .. رجال الأمن من الشباب والصبايا هنا وهناك, المحلات كفرنسا تغلق في الساعة 12 ظهرا وتفتح في الرابعة " الأمر الذي لم يعجبني البتة " لكننا مررنا على كل المحلات والشوارع, تصورنا أو بالأحرى كان محمد يصورني ويشدد على أنني أنا من سيتصور وهو من سيلتقط الصور هههه لكن باعتبار أننا نملك كاميرتين كنت أصوره أيضا بالكاميرا التي معي.

اكلنا حسب رغبتي في البيتزا هوت وكانتكي .. الأمر الذي لا يحبه محمد هو الدجاج واللحومات ..!! بعض البيرة لاحقا, ثم الاستمرار في اكتشاف هذه المدينة .. اشتريت كاميرا فيديو رخيصة والكثير من النبيذ والكحول .. من سوبر ماركت كبير جدا في السنتر .. قال لي لنرجع على ضوء النهار لنرجع من الطريق الأكثر سحرا دون الدخول في الممرات السريعة .. موافقا .. بدأنا رحلة العودة ... تصورنا أمام تلك الفنادق والجبال والطرق والمحلات ..

وصلنا البيت تعبين بعض الشيء .. كأسين من الفودكا لي ونبيذ لمحمد وبعض الذكريات.. حان وقت النوم .. تصبح على خير محمد سأنام .. !!

أما ... أندورا .. لقاء آخر ربما .. !!

ليست هناك تعليقات: