٢٠٠٩/١٠/٢٦

برشلونة الجزء الرابع والأخير .. قصور وابنية وكاتدرائية لغاودي






لا أدري لم نوقف سعادتنا على شيء ونقول لو حصل سنكون الأسعد وعندما نبلغ مرادنا لا نجد سعادة تمنيناها وحلمنا بها طويلا...


محمد يمتلك ذاكرة جيدة بما يتعلق بالمواقع, "عكسي تماما" فعندما وصلنا للشارع المحاذي للمياه " المارينا " قاد محمد السيارة كأنه أتى البارحة إلى الباركينغ "كراج كبير ذو طوابق عديدة ". وضعنا السيارة وبدأنا مشوارنا في هذا الشارع العجيب والرائع .. إنه لا رامبلا .

لارامبلا .. شارع ليس بأطول شارع في برشلونة, إنما هو الشارع الأكثر جذباً للسياح .. وهو عبارة عن شارع ذو مسلكين أي طريقين لمرور السيارات, وبينهما رصيف للنشاطات بعرض ربما الثلاثون مترا .. يتوزع عليه النصب والتماثيل الجميلة والأشجار الكبيرة ويتفنن الممثلون الإيماائيون في التنكر والعروض التي تتدهش المارة وبالطبع أكثريتهم من السياح, فيرمون بعض النقود المعدنية في قبعة أو قطعة قماش, قد وضعت أمامهم ... الشيء الذي لفت انتباهيو هو ذلك الكم من هؤلاء العارضين والاحترافية التي أظهروها.. ولا عجب في أن هذا الشارع قد اكتسب شهرته في مدينة كبيرة كهذه, بسبب تلك العروضات !! . , المحلات التي تبيع الزهور, وطبعاً الذي لاينسى أيضاً, الرسامون الذين وضعوا بعضاً من أعمالهم الرائعة والمتقنة .. بورتريهات لممثلين هوليوديين .. هاهو همفري بوغارت ومارلين مونرو الجميلة , شون كونري بذقنة الخفيفة داستن هوفمان, آل باتشينو ومارلون براندو " بشخصيته الأهم في عمره الفني " العراب " و طبعاً عشرات المشهورين السياسيين والتاريخيين.. التنوع في الرسوم والتقنيات يجعل هذا الشارع معرضا حقيقياً للفن .. السياح يلتقطون صوراً هنا .. أما في الجهة المقابلة, فتاة ألمانية جميلة تجلس على مقعد صغير, بينما أحد الرسامين الكاريكاتوريين يرسم وبسرعة خطوط وجهها , صديقها الشاب الذي بدأ فمه يبتسم أكثر كلما مرت الوقت وبدأت اللوحة في أخذ ملامح الفتاة "التي بالطبع تتحرق لترى النتيجة الأخيرة " ..... لاعب كرة استعراضي, يصعد السلم الحديدي ولا تزال الكرة تقفز بين قدميه تارة ورأسه تارة أخرى .. الرائع في الأمر أنه عندما تسقط الكرة " لصعوبة الاداء أم للتعب " يقول مازحا بالانكليزية " أنه خطأ الكرة ويؤنبها " فيضحك المشاهدون ويلقون اليه بعض النقود .. هكذا على طول هذا الشارع العريض والطويل .. مشاهد مثيرة .عرض كل خمس أمتار .. وبشر بالألوف ربما .. على الجانبين المحاذيين لطريق السيارات, انتشرت المقاهي والمطاعم .. المحلات الالكترونية والتذكارية .. كرة القدم ونادي برشلونه التاريخي والمشهور ما يميز تلك الأزرار التي تباع كتذكار لمرورك بهذه المدينة .. بطاقات وصور للمدينة .. ثم يتفرع من هذا الشارع, سوق الخضار واللحوم التاريخي .. سوق مقبى, يعج بالبشر . البائعين والمشترين ومن دخل مثلنا ليشاهد مايتميز به هذا السوق الكبير, وهو اللحامات .. " النساء التي تبعن اللحوم والأسماك " طبعاً ليسو كما ظننت .. وليس كما تظنون أيضاً !! تستطيع وصف هذا السوق تماما, بأنه قطعة زمنية تاريخية من العصور الوسطى , البراميل المليئة بالزيتون الأخضر والأسود .. المكابيس على أنواعها .. وضعت بمستوعبات ضخمة .. الفواكة والخضار .. رائحة تفتح شهيتك .. هناك محلات العصير والتي تقدم لك بمستوعبات بلاستيكية سلطة الفواكة .. البطيخ والجبس والعنب والمانجا والموز و و و و و .. هناك ثمار لا أعرف ما اسمها ولأول مرة أراها في حياتي .. !! مكان يغلي بالبشر حقاً !!

قررنا بعد سوق الخضار أن نأكل ..!! هناك وجبة اسمها البايلا .. وقد فسر لي محمد أنها مشتقة من العربية الباقية, و يتم إعداده بما بقي في المطبخ من خضر وتوابل ولحم وسمك ودجاج، والوصفة جاءت من أيام الاندلس حيث كان الاغنياء "العرب آنذاك" يرمون ماتبقى من الطعام .. الأرز واللحوم على انواعها .. والخضار .. أي مايرمونه في القمامة ثم يأتي الفقراء " الاسبان آنذاك " هههههه فيجمعونه ويطهونه .. فسميت هذه الأكلة بالبايلا .. لصعوبة لفظ القاف والياء والتاء المربوطة ههههههههههه .. !! المهم .. كان بودي أن أتذوق هذا الطبق الشعبي والسياحي .. فأمام كل المطاعم, وضعت صور وبوسترات ضخمة, صور عليها ذلك الطبق الملون بكل أنواع اللحومات والخضار والأرز او البرغل أو ربك الوحيد الذي يعلم ماهي أنواع الحبوب والبقول والخضار والحوم , التي تشكل هذا الطبق الغريب .. فمن ناحيتي لست مغرما باللحوم ..وخاصة ما يأتي من البحر .. من سمك وقريدس وجمبري واخطبوط ..وضفادع بشرية ههههههه.. لا .. لا , قلت لمحمد ..!! لست أريد ذلك الطبق! وافقني محمد, لأنه هو أيضا, لايحبذ اللحوم .

دخلنا إلى مطعم لديه واجهة كبيرة من المعجنات .. فانتقينا ما انتقينا .. وزردناهم .. لأنه والحقيقة لايؤكل .. مع انني أحب الجبنة والمعجنات .. إلا أنه في هذه المناطق .. لم أستسيغ أي شيء يؤكل في المطاعم !! وأفضل الأكل في البيت .. طلبنا الحساب ..وفوجئنا بارتفاع السعر !! إلا أن محمد دفع ,غير عابئ بذلك ! أنا الذي تحرقت لأسأل عن السبب .. !! محمد قال لي .. صحيح أنه غالي , لكن أن نستمتع بالوقت هنا, دون إضاعته بشيء تافه ! نعم .. صحيح .. كان لدينا الكثير لنراه !!

في مخيلتي دائما , أبنية غاودي الغريبة .. أعجبت بها منذ أول صورة شاهدتها .. شيء غريب وجميل .. تحويل الغرابة, وليست القباحة كما يقال, الى جمالية فظيعة .. !! كنا قد أخذنا من أمام إحد الفنادق, برشورا "كتيباً" عن الأماكن السياحية والخريطة العامة للمدينة والمترو ووسائط النقل العمومية ... كانت أبنية غاودي ليست ببعيدة عن شارع لارامبلا .. يجب علينا أن نقطع تلك الساحة الجميلة ونافورة كاتالاني المشهورة ثم نأخذ شارعا عريضا آخر وفي نهايته نصل .. نعم مشينا ومشينا .. في كل مئة متر يقول لي محمد , هل أنت متأكد ! نعم أنا متأكذ وبد قليل ستشاهد بأم عينيك, أننا أمام البناء العظيم لغاودي.. قال لي أتذكر بأنه على يسار الشارع .. قلت له لا أنه هنا على يمين الشارع كما هو موضح في الخريطة .. لكن يا للعجب .. !! نعم أنه على يسار الشارع .. فضحك علي .. وضحكنا سوية ..

البناء ..

المعماري انطونيو غاودي (1856 – 1926 ) ولد في مقاطعة جنوب تاراغون في اسبانيا ..أول أعماله هو بيت عادي استوحى هندسته وخطوطته المعمارية من العمارة الاسلامية ويتضمن حديقة وغرفة مدخنين وطعام ونوافذ وشرفات معدنية تشبه نباتات متعربشة في عام 1888 ومن ثم بناية غويل وحديقتها والكاتدرائية المساة بالعائلة المقدسة .. وكان فن هذا المعماري يتميز بمزجه للفن المعماري القوطي والاسلامي معا الذي يعتمد على الزخرفة والاشكال المستوحاة, من القلاع في القرون الوسطى .

تصورنا امام البناء وأمام تلك الحشود التي تنتظر لدفع رسم الدخول الى المبنى .. قال لي محمد .. هل تريد الدخول .. فاجبت بالنفي .. كنت أريد الرجوع الى البيت وان أغفو قليلاً..

نال منا التعب ما نال .. المسير الطويل .. والعمر .. قد أثر علينا .. فقد نال مني التعب .. فقلت لمحمد علينا بالرجوع إلى فرنسا .. فأجاب موافقاً على الاقتراح .. وقال ربما نمر على متحف سلفادور دالي في طريقنا إلى فرنسا ..

كان الجو رائعا .. بالنسبة لي .. فأنا أحب السماء الرمادية والجو المنذر بالأمطار .. وقفنا بطريق الرجعة عند محل كبير للمشروبات والمأكولات .. وكانت هناك فتاة على الكاونتر "محاسبة على الصندوق" من المغرب .. فتحادثنا قليلا وضحكنا .. أنها لا تعلم من العربية أكثر من فيكتور ابني الصغير .. ههههه وضعنا ربما أكثر من ثماني زجاجات نبيذ في علبة كرتون .. ودفعنا الحساب .. وغافلنا الوقت والحديث عن السؤال الذي كنا قد دخلنا بشأنه .. أين يقع متحف سلفادور دالي .. لم نصدف أي شاخصة تدل عليه .. أو الطريق إليه !! وصلنا البيت مرورا بتلك القرية الاستهلاكية .. قرب الحدود .. .. وضعنا الأغراض وجهزنا عشاء ظريفا .. وفتحنا زجاجة نبيذ .. ورتبنا الطعام على الطاولة في الشرفة .. كل شيء كان ظريفاً ... اليوم .. وبرشلونة كانت بحق مدينة تستحق الزيارة مرات عديدة .. شكرا محمد .. فرصة لم تكن تتحقق لولا دعوتك الكريمة لي .. تصبح على خير .

الجزء الأول

الجزء الثاني

الجزء الثالث



ليست هناك تعليقات: