الفصل التاسع
فريدريش نيتشه
القطارات التي تسير بواسطة الكهرباء
... ليس لها صافرات .. ليس لها دخان ..
انها صامتة ..
ليس لها سوى صوت احتكاك عجلاتها الفولاذية على قضبان السكك ..
المقاعد المريحة بلونها الازرق الجميل .. كل ذلك يشعرك كأنك تركب سيارة عادية لولا شركاؤك ألبشر .. عندما يقترب القطار من المحطة ..يتمهل بسلاسة .. اسم المحطة التالية يظهر على الشاشة .. ثم صوت السائق او السائقة .. يتكرر اسم المحطة مرتان .. ثم يظهر من النافذة البشر الذين ينتظرون القطار .. يفتح القطار ابوابه .. بنتظر الصاعدون الركاب المغادرون لينزلوا أولا ثم يبدؤوا بالصعود .. خلال دقيقة واحدة او اثنين يبدأ القطار بالمسير مرة اخرى ..!!
فتاتي لازالت جالسة تنظر من النافذة التي يظهر منها الجهة الثانية للرصيف .. !! تغلق الابواب ويبدأ القطار بالتحرك .. تتململ فتاتي قليلا .. لقد مضى تقريبا نصف الساعة منذ صعدت .. أعرف الوقت من خلال المحطة .. انها "الف خو" أو ألف شو ... (مركز اكبر معرض والذي يسمى باسم معرض استوكهولم .. زرته بعض المرات حين اتيحت لي فرصة مشاهدة بعض المعارض , خصوصا المفروشات .. وأدوات النجارة .. ) أدارت وجهها ونظرت إلي.. كان وجهها قد ملأ عيناي .. كنت أستطيع أن أحلف أغلظ الإيمان بهذه اللحظة, أنني ظننت بأنني قلت لها بأني أحبك أو أن تقبلني أو أنني أعلم ما اسمها .. كأنني كنت حبيبها منذ سنوات .. بقت تنظر إلى.. لا اعرف كم من الوقت .. لكنني بقيت انظر إلى عينيها .. ماذا تفكر بي .. !! ماذا ستفعل ..!! هل ستفعل شيئا سيئا .. هل ستأتي إلى وتقول, لماذا تحدق بي..!! ..
لم يحصل أي شيء .. كنت فقط غارقاً في مياهها .. كنت أحيا داخل عالمها المصنوع في خيالي .. عالمها الذي بنيته في عالمي الخاص .. أدخلته في خيالي .. كان عالما هلاميا .. كل شيء فيه رخوا .. بطيئا .. عالما مصنوعا من الموسيقى والجمال .. مصنوعا من خصلات شعرها اللامعة .. من أهدابها .. من الزغب التي تحت أذنيها .. .. منها كل جسدها .. وجهها الملائكي .. كل شيء بها وضعته في ساحات عالمي .. صار عالمي لوحة سريالية .. كلوحات سلفادور دالي .. عندما رسم لوحات عديدة تتعلق بامرأته.. انغماسي بها جعلني أتحسس الحياة بشكل آخر .. بضوء أكثر سطوعاً .. رحت أبتعد, أكثر وأكثر عن المكان .. مصطحبا وجهها .. كانت فتاتي الراكب الوحيد الذي يستقله قطار خيالي في عالمه الجميل
.. .. لنرقص .. قلت لها .. !! مدت يدها.. قبلتها, وساعدتها على النهوض .. من على عرشها الازرق .. الموسيقى والقاعة والأضواء تشبه لحد كبير سهل كبير مفروش بالثلج ..محاطا بأشجار باسقة, تحولت أغصانها الى انابيب من الجليد اللامع ... السكون الالهي .. يتجمد حتى صوت الطبيعة .. يبدو كأن الضباب قد تحول الى ثلج أيضا !!.. كان هناك بعضا من الطيور التي آثرت البقاء في الشتاء على الرحيل .. تتنقل من شجرة الى اخرى ..!
قالت فتاتي, لم أرقص الفالس من قبل .. قلت لها في عالمي الجميع يرقصون جيدا ..!! بدأت موسيقى شوبان .. وضعت يدها فوق كتفي وقالت, أني لم أرقص مع رجل بعمرك من قبل, ربما أبي فقط .. رحت أضحك ..!! وبدأنا نرقص .. كنت أرى بانوراما المكان, كنت بندولا يدور مغيرا مكانه .. لم أشعر بأرجلي , كنت راقصا بارعا .. شددتها إلى صدري محاولا تحسسها أكثر .. فاتحا كفي على خصرها .. فجأة .. لم تعد فتاتي معي .. ارتدت يداي في الفراغ .. بدأ الثلج بالذوبان .. توضحت الأرض التي كان يغطيها البياض .. حجارة وأوحال .. الطيور السوداء صارت أسرابا من الغربان والاشجار بدت الميته الشاحبة .. .. وتحولت موسيقى شوبان الى أصوات رعد ورياح ..
فتاتي ابتعدت عني .. رأيتها جسدها العاري يبتعد .. أرجلي التصقت بالارض .. كنت قد تحولت الى شجرة رمادية .. وهي قد تحولت الى غبار ..
بقيت وحيدا .. في منتصف ذلك العالم الوحشي .. في منتصف عاصفة من الوحدة والحزن ..
بدأت عيناي تتعب من تحديقي بها .. خيالات البشر الجالسين والواقفين تبدو لي أشباحا تتحرك في كل محطة .. تحول كل شيء إلى كآبة قاتلة .. كنت أعلم أن كل هذه المحاولات للفرح ليست مجدية .. محاولات السعادة في عالمي الغير موجود .. عالمي الكاذب .. عالمي المنتظر .. قد أرجعني فجأة إلى واقع سقم.. هبطت من علو مرتفع إلى مقعدي في الحافلة ..!!
نعم من أنا .. رجل قارب الخمسين .. متزوج له ولدان وامرأته حامل .. عاطل عن العمل .. بدين .. مريض .. تعس .. لاينام جيدا .. وحيد ... !! وحيد ..!! أنا الذي توجت مرات بأني صاحب اكبر عدد من الصداقات .. وبأني صديق الجميع .. أنا صديق الأعداء والمتحاربين .. وحيداً هنا .. في هذه القاطرة .. المحشوة بالبشر.. في هذه القاطرة التي تتجه غلى ستوكهولم .. أمام هذه الفتاة .. القطار والحافلة والبشر .. نقطة صغيرة في فنجان الحياة الكبير ..
أنا .. لم أعد قادرا على الطيران .. والرجوع الى عالمي الحالم .. عالمي الذي ينتشلني من تلك الكآبة ..
سأحاول .. أغمضت عيناي .. وغرقت في عتمة أجفاني .. راحت أفكاري في عالمي السابق .. عالم ماض لم يدخل عالم النسيان بعد .. قصص عشقي .. غانياتي .. فتيات الحي .. المدرسة .. بريطانية .. كل الفتيات التي استطعت إحضارهن إلى اللحظة .. نعم كن موجودات .. أتوا واحدة تلو الأخرى .. كرتل من الخريجات .. وأنا أعلو المنصة لتوزيع شهادات الامتنان لهن .. جميعهن رائعات .. شكرا شكرا .. لحضوركن .. هيا .. لنعربد .. أيتها الموسيقى ارعد.. ايها الخمر .. اجر .... !! لنحتفل بموتي .. !
سسسسسسسس ترت سسسسسسس ترت سسسسسس ترت سسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسس
لاصافرات لادخان ..
القطارات الكهربائية .. بلا روح ..
لاتموت.. فقط تقف عن السسسسسسسسس ترت سسسس ترت سسسسسسسسسسس ترت ..
عندما يموت الصوت ..
يبقى فقط .. صديقه السكون ..
هناك ٣ تعليقات:
Omer det är bara enkel resa .. det btyder att från Södertälje till Stockholm .. jag har skrivit att det bara är 45 minuter
عمر .. ـضحكتني مرارا على تعليقك وانتظرت لاكتب لك بمحمولي الثاني المعطل سابقا .. سيدي !.. القصة هي رحلة واحدة لم تتكرر .. الرحلة من عدة فصول مرقمة من الواحد الى أن تنتهي .. أي أنها ليست يومية بل رحلة ذهاب واحدة .. بدات من محطة سودرتاليه وستنتهي عند محطة ستوكهولم سنترال ..
الاحداث في القصة "جميع الفصول" هي فقط هذه الخمس والاربعين دقيقة التي يحتاجها القطار ليصل الى استوكهولم .. لذا لاداعي لاغير مقعدي ولا هي ايضا ستغيره .. إلى أن تصل لغايتها أو أن أصل أنا لغايتي ... سعدت ايها الصديق .. اسر دائما بتعليقاتك .. اسر بوجودك .. صديقا .. بعدت ام قربت .. تبقى!
عمر صديقي .. كان بودي كتابة قصة قصيرة عن فتاة القطار ... لكن مع اليأس والقنوط والاحباط .. بدا لي ان أي مشروع كتابة او ابداع او خلق, لن يظهر بالصورة التي قد وضعتها في فكري .. لذا بدا لي ان اكتبها في مجونتي وعلى مراحل ودون اي دراسة او تكتيك او تقنية كقصة او كعمل ادبي .. لا تفرق معي سوى أنني أستمتع بكتابتها .. استرجع تلك اللحظات المثيرة من ذاك الزمن ذلك الوهم.
إرسال تعليق