٢٠٠٧/٠٦/١١

الحالم محمد عارف رضوان


العزيز محمد رضوان ..

بعد الكثير من الانتظار و فتح الإيميل كل يوم... علني أجد رسالة منك, وجدت بأني أنا من يجب علي دائماً فتح خطوط التواصل و إبداء الرغبة دائماً بجعل خطوط علاقتنا الجيدة بوضع التفعيل ..

محمد .. من الأشياء التي تصاحبني أين حللت , كمية الحب الكبيرة التي تعني لي الزاد في بعدي عمن أحب و من لي معهم ذلك الضوء الدافئ الذي يبقيني حيا و دافئاً .. و لن تصدق إن قلت لك بأني أستحضر أوقات الماضي الذي عشته مع المحبين كل يوم كصلاة أبدأ بها يومي البارد هنا ..

لا أكون كاذباً إن قلت كم يعني لي رسالة من أحد و لعلك شاهداً على المصنفات التي بها رسائل الأصدقاء التي كنت أعرضها عليك عندما كنت تأت عندي, مبرهناً لك بأن كل رسائلك و بطاقاتك كما الأصدقاء البقية يحتفظ بها كمجوهرات نادرة و ربما قللت من شأنها إن قلت عنها ذلك, فهي جزء من روحي الذي أحياه و حياتي التي عشتها ... إنها تلك الأشياء التي تلمع في سماء الماضي!

من جملة الأشياء التي تصاحب ذكراك عندي بأنك الصديق الأكثر رهافةً و إحساسا, كما الأكثر توازيا بذات خطوط العرض و الطول التي أشعر بأنها الأكثر تطابقاً بيننا, الفن و الموسيقا و أدبيات الغرب الرومانسي.

محمد رضوان الصديق الذي يعيش بيننا لكن دون أن تلمس قدماه الأرض انه الحالم دوماً, ولأنه كذلك كنت دائماً أرغب برفقته. فما كان عند مجيئه إلى سوريا إبان نفيه قسراً إلى السعودية الحارقة بسبب خدمة الوطن إلا و كان لنا لقاءات و أماسي مع الموسيقى و الأغاني التي كانت تصدح في سيارة أخيه علي ثم سيارته, وحسب الزمن ال أيس أوف بايس أو لا أعلم من أين كان ينتقي نقاط من الماضي بأغان كان يهتم كل الاهتمام بأن نتشارك بها !!

الحب حالة دائمة عند محمد. و ما يلفت الانتباه بأنه يجدد حبه كما ألوانه كما لو أنه يخلق من لوحاته بألوان لطيفة و ناعمة خطوط واهية و ذات ألوان باهته ذلك الحب التي يحياه.

عندما اتصلت بي آخر مرة قلت لي بأنك ربما ستسافر الخليج !!... كم حزنت بأنني سأفقدك.

عندما تسقط مني كل أوراق الصبر و الاحتمال كان خياري بأني سأرجع للبشر الذين أحب, لكن ما العمل إذا كان الجميع قد رحلوا ..

من أحد الأسباب التي جعلت فكرة السفر تدق رأسي كل يوم , أنني كنت قد فقدت أصدقاء, منهم من سافر و منهم قد مات.. المهم البعد عن البشر هو الاغتراب و هو أيضاً ذلك الحنين القاتل .. مما لا شك به أنني عندما كنت أقول بأني حننت إلى البلد!! كان المعنى بأنني اشتقت للبشر الذين يقطنون تلك الأماكن .. الذكريات لا تكون ذكريات لولا البشر الذين يتقاسمون معك تلك اللحظات , ذلك الزمن الذي يمضي قدماً لنهايتك .. على ماذا يمكن للمرء أن يبرر الهجر .. أعرف شيء واحد, أن تهجر فذلك له أسبابه , أولاً كرهك للشيء ثانياً معاناتك بقربه ثالثاً عدم تحملك لما يسببه لك من ألم أو كما قلت من قبل معاناة و أخيراً كما كان الجميع يبرر: أن نتطلع للأفضل أي أن نحسن من خيارات الحياة ... أي حياة ستكون أفضل , نوعية السيارة أو فرش البيت أو الساعة الذهبية أم رقم رصيدك في البنك ... ماذا ستجني من ذلك سوى أنك صدقت أن النهر يجري بعكس اتجاه الجاذبية لأن الجميع يقول ذلك .. السعادة التي نتوهم بأنها تلك التحسينات. تلك اللآلئ المزيفة في محارة مصنوعة من البلاستيك.

ما أحلى الأصدقاء , ما أحلى أن يأت يوم قندهار و تقرروا إلى أين سنجلس و نتكلم .. ماذا في جعبة الاسبوع الذي مضى, يستطيع المرء و إن كان ذلك لا قيمة له في الحالة السابقة " أي عندما كنت هناك" أن يرى تلك الوجوه التي لم يراها منذ أيام ... الحنين يحتاج للبعد الجغرافي .. أن تعيش تحت سماء بعيدة عن سماء الآخر.. تحية للشلة , تحية كبيرة و مفعمة بكل تلك الروائح العطرة مغمسة بالحب للجميع شلة قندهار أم شلة بترا .. الجميع مصنوع من خليط البلد و ذلك الطين المغمس بالحب و الدفء ..

محمد ... أشتاق جداً .

رفعت دون نقطة هذه المرة بل !

محمد رضوان الحبيب

زمن طال وأنا لم أستلم منك شيء .. علما باني أعرف كيف هي الأمور وصعوبة الكتابة في مكان و حفظها في مكان و بعثها في مكان آخر و كل هذا في أوقات ليست وأمكنة , أنت من اختارها . كما شرحت لي سابقاً ..

لهذا كان علي دائماً أن أكتب لك وحتى وإن تبادلنا الأماكن .. فلربما كنت دائماً من يسعى للتحدث مع الآخرين وهذه خاصية بي لصقتها محبتي للآخرين واحتياجي لدفء يأتي دائماً من علاقات صنعتها طيبة البشر وحبها للإنسانية , كنت دائماً أتمنى بأن أكون صديقاً للجميع وربما قد نجحت في مسعاي وإن لم أكون قد استكملت حلم أفلاطون في يوتوبياه الصعبة التحقيق في دنيا الحقيقة ..

كتبت رسالة لسبيرو , جواباً لرسالة صوتية جميلة وطبيعية , يبعث لي يتهاني عيد ميلادي وقد أصبحت في سنتي 42 ... يا لله يـــا محمد 42 سنة .. أستغرب وجودي حياً بعد سنيني الطويلة العقيمة , أنظر لكل ما صنعه الإنسان أشياء من فن وعمارة واختراعات , فأبحث عن صبغة ما لوجودي , سبب , وإن كان هشاً , فأنكمش على نفسي و أخاف ألم التهميش من ذاتي نفسها .. أحياناً أنظر للوحات رسمتها قديماً فأحبها و أحيانا أقرأ شعراً من أشخاص مهمين في دنيا الشعر العالمي فأرى بأني كتبت شيئاً مشابهاً , فأرضى و أعيش لحظات أحلم بها بأني ربما اصبح نقطة في لوحة كبيرة وجميلة وربما ملونة وهامة في خضم حياة عمرها ملايين السنين من البشرية .. وحيناً أفكر بأن بعض البشر متفرجين , مصفقين , مبهورين , هامشيين , مشردين , فاشلين الخ الخ الخ أليس من المهم وجود تلك الزريبة لأحصنة جميلة و قوية تأكل منها وتبرز عليها .. أليست تلك الخلطة مهمة للبشرية و إن كانت حضيضاً .. أليس البناء العالي و الجميل يحتاج لتلك الكتل الضخمة والبشعة من الأسمنت كأساس لحمل هذا الجمال .. لا أعرف لماذا أطلت الحديث في شيء لا يحتاج للشرح !!

محمد

لا أعرف من أخبارك سوى لقياك مع سمير و اسبيرو وعائلاتكم على ما أظن .. و أظن بأنها كانت جميلة بكل ما تعنيه تلك اللقاءات الجميلة بين الأصحاب .. أريد أن تكتب فأنا أحب كتاباتك , تلك التي تتحدث عن تلك الحارة أو عن ذلك السور أو تلك البقعة من مدينة كانت محتوى ذكرياتنا القديمة والجميلة ... المرفأ , صوت صافرات السفن و الكورنيش القديم و الأغاني , كل شيء في الذكريات جميل حتى السيء منها يتبلور و يتعطر , ربما يتعتق ويصبح جميلاً وذا رائحة طيبة .. سررت جداً كما قلت لك سابقاً برسالتك وقد أشعلت بي رائحة الذكريات ذات الطابع اللاذقاني الكورنيشي الغربي و ليس الجنوبي ..

لا أعرف كيف أختم رسائلي فتأتي دائماً مكسورة مقطوعة محروقة النهايات كأشعاري عندما تنتهي دائماً بموتي أو حتى لوحاتي التي أبدأ بها عارفاً نهاياتها ثم فجأة يخطر لي بأن أمتد فتنتهي عند نهاية اللوحة , فتأتي النهاية خارجاً وكأنها تتبع لوحة أخرى مسلسلاً من اللوحات دون نهاية واحدة على الأقل .. ربما حياتي كذلك فأنا لم أنهي شيئاً بشكل تام حتى علاقاتاتي مع الفتيات كانت دائماً خليطاً من العلاقات الممتدة دون نهايات .. هذا أنا صديقك رفعت . 42 سنة من الحياة دون معنى .

ليست هناك تعليقات: