٢٠٠٧/٠٦/٠٢

في تلك الأمكنة


مرة .... في تلك الأمكنة , و مرة أخرى في نفس الأمكنة .. قاســــينا و أتعبنا ألف فشل .. مرة في تلك الأمكنة رقصنا حتى الانهيار على ألحان أحلامنا الواهية .. في تلك الأمكنة نفسها بنينا ذلك الصرح كبير من الهموم و الحزن على سنيننا المقتولة وذكريات طفولتنا وحبنا الأول , دفنا به كل ذلك الإرث من الخوف و الحزن و الفشل , أشعلنا ألفاً من الشموع و أطنان من الريحان في كل سنة , كنا نلتف جميعاً على حكايات البحارة و حاملين رؤية الغرب ,كان أكثر أصدقائنا من سافر كبحار وعاد حاملاً معه حكايا الغانيات و دندنة بعض الأغاني اليونانية و بعض السراويل ذات الماركات المشهورة , كانوا جميعاً يتكلمون اليونانية و دنجوانية العصر و أصبحت رؤية المرفأ في طريقنا اليومي إلى و من المدرسة رمزاً للحرية المنشودة و الحياة العريضة , كان البحر ورائحته لا تعني لأي منا أكلة سمك أو حب السباحة كان فقط طريق الحلم الذي ما فتئ يقتحم يوماً بعد يوم عقولنا الصغيرة مرة في زمان .. ما .., كانت أحلامي جاهزة وفرصة لإعادة ما خسرته من عمري , وظننت بأنني سأرقص واقعاً حياً متلبساً أحلامي و أنني دفنت ذلك الماض من الخوف و الحزن , لملمت بعض الضحكات و النكات وما تبقى من ذلك الجسد واسم لم يكن يعني أي شيء , بطاقة سفر وتأشيرة خروج و بعض المفردات من لغة أخرى ..

جميعنا أتعبنا هذا الحلم وكانت صور تلك المدن المتلألئة بانعكاس أضوائها على تلك المياه تدعونا كجميلة لا يغتفر ردها .. نعم أتعبنا ..! ربما من طول هذا الحلم وربما أيضاً من قصر ذلك الوعي بأن لا حياة سوى تحت سمائك وسمائك هي وحدها تستطيع أن تمتعك بذلك المطر و بذلك القمر وبتلك النجوم .. لا سماء سوى سماء واحدة تستطع إبطاء قتل سنواتك وهذا ما غاب عن وعينا القاصر في تلك السنوات التي خلت ..

لم نكن نعلم !! بأن الذكريات لا تموت وتلك الضحكات تحولت إلى صدى من خيالات الحب و الفرح و الناس الطيبين وهكذا أصبح المساء موعد ثابت للذكريات والدموع و أغاني فيروز, كانت كاسة الشاي دفتر مليء بقصص أصدقائي وكانت أغاني فيروز صدى ضحكات أخوتي و أصدقائي , و الزيت والزعتر الذي لم أطقه يوماً , أصبح طعامي المفضل ... لماذا !!!

البارحة استلمت رسالة ردا على رسالة أصف لاذقيتي القديمة و كان المرسل صديق قديم يعيش منذ أكثر من عقد من السنين في الإمارات , كان يكتب ضحكات و مسرات وأحياناً ندم .. جميعنا نشعر به عندما يعصف بك ريح الماضي كتب في نهاية الرسالة وهو ما أعجبني

" نعم .. نحن الكافرون بنعمة الجحيم . والآن أعلنها فتوى لكل الصابئين : " من ترك نار اللاذقية لجنة الغربة ... كافر . من ترك صخب اللاذقية لهدوءٍ في حي راق ليهنأ في استماعه لموسيقاه .. كافر . من هرب من وحل الشوارع والأزقة وسوق الخضرة إلى إسفلت نظيف ممسوح بكرامتنا .. كافر . ومن قال بأن الكافيار أكثر قداسة من الفلافل .. كافر ابن كلب .

ياأيها الكافرون عودوا واسكروا بكأس من لبن أو سوس في شارع هنانو أو عند بوابة المركز الثقافي. ياأيها الملحدون ارجعوا ومارسوا إلحادكم على ناصية بناية المهندسين أو في قهوة شيخ الشباب أو في مطعم أبو يوسف ؟ فحصاد زرعكم للحسنات في أرض غريبة لن يكون سوى رؤوس الشياطين . وغلال فكركم وثقافتكم وأدبكم لن تكون سوى لات وعزة سيكفر بها كل من لم يكفر قبلاً عندما تغفل عنها أرواحكم "

لعلي عبد العال ذلك الصديق الذي لم تتح لي الفرص لأكون قريباً عندما كنا في اللاذقية , تحيات قلبية ممزوجة بروائح عرانيس الذرة المشوية في الكورنيش المزيف ذو المقاعد الأسمنتية السيئة الصنع و التصميم حيث كنت أجلس دائماً على ظهر المقعد لعدم تمكني من الجلوس بالشكل الصحيح و العادي وقد وضعت سماعات ذلك الجهاز الصغير الذي أهداني اياه صديق من اوستراليا مستمعاً لجون دنفر أو دون ماكلين , فيحلق خيالي في تلك السماء أو مبحراً مع الموج الذي لا يتعب من الموت مرة بعد أخرى ..

ليست هناك تعليقات: