٢٠٠٧/٠٦/٠٢

أيها العزيز


أيها العزيز: .....

ربما مصطفى منذر ماهر , وسيم , باسم مالك فادي كميل محمد سهيل اسبيرو نهرو أمجد سمير فايز علي عبد غسان أحمد خالد مازن عمار و جميع الأسماء التي لا يمكن لذاكرتي في و ضعها التعس حالياً أن تعوّم كل الغوالي في الذاكرة .. هذه الكتابة كتبتها لصديق جاء من زمن منسي في أطراف الذكريات أحبه و أحترمه و له في قلبي ككل أصدقائي مكان متسع للحب و الحلم وبما أنها عامة في مجمل كلماتها و أنها في تنسيق لمشاعر حديثة , كنت لأكتبها لكم على أي حال أحببت مشاركتها معكم .. في حال .. أن ... مللتم تستطيعون رميها في سله المهملات الالكترونية و لا حاجة لفتح الملف المرفق بها لأنني عندما أبعثها كصفحة ويب أبعثها لأصدقاء لا يملكون البرنامج العربي .. وعندما لا تصل لهم هكذا يستطيعون فتح الأتاش .. في مكان آخر .. لذلك دوماً هناك مع الرسالة التي تظهر بالعربي هناك دائما ملف آخر بنفس الاسم في تنسيق وورد ..بس هيك .... وما في شي غيرو ياشباب ..

... حقاً سعيد بالتواصل معك أيها العزيز , فرسالتك تعني لي الكثير كما أسئلتك التي تناقشنا بها قبلاً سواء كان الضحك أم الفضول ما كان لكلينا أن نحب لنتكلم عنه .. نعم .. تزوجت..... و نعم جاء ابني وليــــام شكيب مصري بشعر أسود لا أظن أنه سيتغير و عيون بنية وجسم لا يتعدى وزنه الثلاث كيلو غرامات ووقية ماداً رأسه مطالباً حريته أم عودته إلى الرحم لا أعلم !! كل ما هناك أنني لا أفهم ما يقوله أكان صراخاً أم بكاءً أم بتلويح أيديه و أرجله , أما أمه المسكينة التي اضطرت لعلملية جراحية لإخراجه و التزامات سترافقها لمدة 25 سنة على الأقل , فهي ككل البشر تؤدي مهمتها الإنسانية بالرضاعة و السهر و الحب . أما أنا فبجانب آلام الظهر و التعب الجسدي جراء السهر أيضاً و الهموم و القلق الذي رافقني إلى هنا و ازداد , إلى ازدياد وزني وكآبتي , ثم شعوري بالعدم و الخمول و التظاهر بأنني سعيد و مرتاح أمام زوجتي القلقة علي و أهلها الطيبين الذين يراعوني و يهتمون بي ويعاملوني بحرص و حذر . لكن كل هذا لا يساوي ولو بقدر قليل أن يغطي ضجري و قلقي وإلى ماهناك من أمور منغصة , فكم أحن لمشوار على الكورنيش القديم بجانب ذلك المبنى الذي يشعل بنا حنين السبعينات , الكازينو ذلك الصرح الذي كان كلما مررت بجانبه , يلف جسدي دفء تلك الذكريات .. ومن سخف حياتي أنني لم أدخله إلا منذ سنتين عندما أستأجر أحد أصدقائي إحدى صالاته لعرض الألبسة ..

ثم جاء ابني حاملاً معه المزيد و المزيد من هموم و قلق على حياتي التي كنت أعلم سلفاً بأنها ستكون كذلك وكم حاولت أن أتجنب وقوعي بهذا , لكن قدر الله بأن تكون حياتي هكذا ولا يمكنني إلا أن أحمده حمداً كثيراً , فوليام شكيب بصحة وعافية و أمه أيضاً و ها أنا أدخل طور الشرنقة و ألف حول حياتي ما لفه الآخرون أو معظمهم تلك الحبال الغليظة التي تجعلك ترسوا على الرصيف و أن لا تبحر مرة أخرى أبداً ...

كان رأي منذ البداية لماذا سأنجب طفلاً .. سيحزن و يعارك و يكافح و ربما لا قدر الله يمرض و يمر بما مررت به أنا أيضاً .. لماذا !

وكان الجواب موجوداً دائماً .. لا شيء سوى لأن البشر اعتادوا على ذلك و أنها سنة الحياة .. كنت أظن بأني مستثنى و أستطع أن أجابه عادات البشر بأن أكون حياتي بمبادئ و قيم مختلفة , وهكذا كانت علاقاتي مع الفتيات التي مررن في حياتي عابرة , دون صافرات , دون أضواء , كانت لا تستطيع أن ترسوا حتى ولو قليلاً من الوقت إلا من قبلت بترتيب خاص أن تستمر دون أي ارتباطات و هن نادرات .. !

السويد ... بلد الحريات بلد المياه و البحيرات بلد الغابات و الفتيات الشقر الجميلات .. بلد المسنين ... بلد الأجانب .. بلد الغربة الحقيقية , حيث لا موطئ لحذائك و عاداتك و حيث حنينك يغلي أكثر مع برودة الجو .. لا عمل يليق ولا أصدقاء حقيقيين لا أهل لا شيء سوى ذاكرة ضخمة من وجوه و أمكنة من ضحكات و شوارع من أصدقاء و مقاهي ... لاذقيتي .. أصدقائي .. حنيني يكبر وأشعر بأن شيء ما بداخلي دائماً يدعوني للرجوع .. لكن كل السفن .. أبحرت ولم يبقى سوى الموج يأتي ويذهب .. يأتي ويذهب ذكرى و دمعة و ... حنين .

يــــا الله .. كم يجبر البشر على أن يكونوا ما لا يحبون .. كان أخي منذر يقول لي دوماً .. أنت عازب حقيقي .. يجب عليك أن تكون سعيداً .. لا التزامات . لا أولاد لا عمل رسمي .. حر كطير .. تستيقظ كما تريد وتذهب حيث تريد .. ماذا تبقى الآن .. أصوات صراخ وليام التي لا تهدأ , ولا يمل إلا عندما يتعب وما شاءالله لا يتعب ولا يحب سريره الخشبي فقط سريره بين يدي أمه المسكينة .. أقول مسكينة نعم و الحمد لله أنني لست امرأة لكنت مت منذ زمن طويل !!.., فالأمهات يملكون عادةً صبراً عجيباً , وربما تلك الهرمونات التي يتكلمون عنها دائماً أينما حللت في أماكن الرعاية التي نذهب إليها , هي سبب رئيسي وفعال لتستطع الأم أن تأخذ بيد صغيرها و تربيه وتحافظ عليه .. هكذا أراد الله منذ البداية ... أن يعانوا ثم يعطي لكل ذي حق حقه , وحقهم , حقاً كبيراً ..

لا أعرف حقاً ما أنا مقدم عليه في هذه البلد .. المستقبل ... و ما يمكن فعله عمله انجازه و ماهي السعادة المفقودة التي أتيت من أجلها هنا .. زوجة لطيفة و متفهمة- بشكل مقبول- وبلد جميل وضمانات صحية و الخ الخ .. وأنا في الواقع لم يكن هدفي لا الضمانات الصحية و لا حرية الصحافة و الرأي , فأنا لم أكن معارضاً أو ثائراً وإن تؤثر سلباً في سعادة البشر , كانت السعادة بالنسبة لي هي يوتوبيا و اليوتوبيا هي من أشكال المستحيلات وربما ثامن المستحيلات , لذلك كان علي أن أقتنع بأن السعادة هي من أشكال الحلم و الحلم الذي سيطر علي هو السفر و بدء حياة أخرى و انجاز ما يمكن انجازه للوصول إلى سعادة وإن كانت وهمية !!

كنت .... مخطئ ! ! ! الآن أنظر حولي .. طفل يصرخ لا أعلم ما به و امرأة لا تعرف هي أيضاً ما يمكن له أن يكون !!

البارحة وهو اليوم الذي كتبت به ما سبق , كان صديق لي قد عرض علي عمل لمدة ساعات معدودة في تلميع أرض لمعمل أدوية , قبلت به لأخرج قليلاً من ذلك الحيز من الضجيج الذي يعمل وليام شكيب على ألا يوقفه , فحاولت طبع هذه الورقة فلم أفلح كعادتي في الأمور التي أنا في حاجتها بسرعة فتركت المحاولة لمرة أخرى , كان معمل الأدوية بعيد عن المدينة التي أسكن بها حوالي الساعة و نيف .. وصلنا إلى البوابة و سجلت الأسماء و طبعت بطاقات الصدر للتعريف علينا و دخلنا معمل كيميائي حقيقي بتلك الأنابيب و الفقاعات و الأجهزة الألكترونية و السراويل البيض و الكومبيوترات , أدهشني هذا , جهود علمية حقيقية لخدمة البشر , كنت أرفع الكراسي و مايمكن له أن يعيق تلك الماكينات التي تنظف و تلمع تلك الأرضيات المغطاة باللينيليوم , كانت الدفاتر و الأقلام و الأنابيب توحي بأن هؤلاء البشر يعملون بجد , تلك أرجعتني إلى بلدي حيث لا أظن بأننا يوماً ما سنكون من هؤلاء البشر و سنظل وإن حاولنا مستندين على أكتاف هؤلاء البشر الذين آمنوا بالعمل , وهنا أقول و أنا أول المتقاعسين عن اللحاق بهؤلاء البشر و أنا أيضاً من هؤلاء الذين عاشوا حياتهم غير مؤمنين بأن العمل الجاد هو جزء من الحياة الطبيعية , أن دول العالم الثالث و نحن منهم , علينا أن نخرج رأسنا من حلم الحياة في الدول الغربية ونبدأ كما بدؤوا و أظن بأن ذلك سهلاً بالنسبة لما وصلوا إليه و علينا أن نكمل معهم هذه الأهداف لخدمة البشرية , عندما أفكر بدولة مثل السويد و ما وصلت إليه من غنى , أخرج بنتيجة حتمية بأننا أغبياء و جحودين و مقموعين لما نحن عليه من غنى فكري وحضاري ومبادئ و قيم وبلد لها كل هذه الثروات من أرض خصبة وبترول و ثروة كبيرة من البشر متناغمة مع المساحة و الثروة .. لا أعلم السبب , سوى بأننا ولدنا هكذا و لم نغير من الأمر شيئاً وهناك سبب بأننا عشنا بتقاليد بالية لا دخل لها بالمنطق و بنينا ثقافتنا عليها حتى أصبحنا نحكم على كل شيء بتقاليدنا التي لا أعرف و لا أظن أحد ..! يملك البراهين على أنها أتت من شيء منطقي .

أحب بلدي .. وربما جميعنا بالغنا في تضخيم مساوئها بل راح بعضنا يزرع كرهها في نفسه , لتصرف أحمق من حمقى وما أكثرهم عندنا , كان جميعنا يحلم بأن الحياة في الدول الغربية هي العلاج الناجع و عندما نأتي و نبدأ في أعمار متأخرة نرى بأن القطار على مشارف المحطة الأخيرة و الركاب عليهم أن جمع حقائبهم و ذكرياتهم ولا حاجة لهم بقطع تذكرة عودة .. فالقطارات و السفن في تلك المحطات .... لا ترجـــــــــــــــــــــــــــــــــــع بل تتحطم و .... تموت .

ليست هناك تعليقات: