٢٠٠٧/٠٦/٠٢

عزيزي



عزيزي ..

أيام طويلة لم أمر لعند حماتي لكتابة كلمات لك , وقد كنت في حالة شبه سبات من نشر ما أشعر به في هذه البلاد الباردة , كتلك الدببة , إلا أني بين الحين و الآخر أرفع رأسي قليلاً لأرى بأني لا زلت أقاوم الموت .. موتي بين هؤلاء الناس الذين أخشى عليهم أيضاً من موتهم لدي ... فيما قديماً كنت أضحك من المعنى المتشائم للغربة , بمعنى بأني لم أكن أشعر بذلك عندما كانت علاقاتي ودفء البشر متواجدين أصلاً في الواقع المعايش للوقت الذي أعيشه ..أنت والآخرين , حتى الموسيقى و الأغاني و الشوارع والأمكنة و... الأحلام التي كانت تأتي دائماً برائحة السفر إلى الغرب ...! نعم .. روائح المرفأ وأغاني السبعينيات و الثمانينات وما تبقى من بقايا مشاهداتي لبريطانية , تلك الروائح التي كنت استرجعها بسماع تلك الأغنية أو برائحة صابون زيست ..ولا أعرف لماذا !

كنت أحضر نفسي لفتح كتب تعليم اللغة وأثبت لنفسي غبائي المتأصل في الكروموزومات وال د ن أ بعد أن أخطأ للمرة المائة بشيء قرأته مراراً و زوجتي التي تعبت من تكرار نفس الحالة لأذني التي أصبحت أشك بمدى صلاحيتهما لألا أعترف ضمنياً بالغباء المتأصل كما قلت قبلاً .. وبعد الملل الذي أصابني من تلك المظاهرات التي تطالب الحكومات التي تدعم الحرب بأن تنشر السلام والحب , هذا الجزء من الحلم الذي كنا نحلم به , يوتوبيا البلاد الديمقراطية و حرية الشعوب تتكسر عندما يتعلق الأمر بالمصالح المتعفنة للولايات الأمريكية حتى وإن كان الكثير من الأعضاء في مجلس الشيوخ ضد تلك الحرب الذي كان صرح الحرية والديمقراطية التي كنا نحلم بها في مدينة نفرح عندما يظهر اسمها على الخريطة وكأننا ضمناً لا نؤمن بوجودها في الواقع ..

ها هي أصوات الطبول المعدنية تمزق أغشية الأذن لتحضيرات الحرب .. لا أعرف كم سيموت من البشر ولن أعرف كم هو مؤلم ... لكني سأشيخ بسرعة أكبر وسيشيب ذلك الشعر الذي القليل المتبقي لحزني على هؤلاء البشر .. حزين حزين .., وكأن الغربة لا تكفي الإنسان بأن يحزن لبعده عن أولائك الذين أحبهم وأحبوه وعن آلاف الذكريات في الأمكنة و التواريخ والبشر " الكتاب الشعري الأول لأخي منذر" دون مراعاة الترتيب ..

أول البارحة كانت سهرتي الأولى في قلب العاصمة استوكهولم ,, المدينة التي أعيش بها هي سودرتالية تبعد 20 دقيقة عن استوكهولم , بالسيارة طبعاً , كنت مع صديقي طارق كانت ليلة جميلة فاستوكهولم مدينة جميلة جداً في الليل المحلات و المفروشات و الواجهات, التي أسرتني حقاً , كنت سعيداً وفي كل لحظة كنت استعيد ما كنت أحلم به يوماً , جلسنا في قهوة كان بها بعض الشباب اللوادقى كما يقولون كنت سعيداً بمشاهدتهم لكنهم لم يأبهوا بي ولم أكترث وجلسنا بعيدين عنهم . كانت تبدو الفتيات الكثر في تلك الأيام والأماكن الجميلات والمغريات وكأنهم يهربون من أجسادهم المصنوعة من حرير طبيعي اللون والملمس الذي لم أجربه طبعاً فقد كنت متفرجاً مشاهداً بأعين مفتوحة تماماً على جمال متنوع من البشر والأمكنة .. مرت الساعات وتمشينا قليلاً وركبنا السيارة وتهنا في تلك الشوارع المزدحمة بالجمال والطرقات و إشارات الدالة على أسماء لا أعرف منها أي شيء سوى قراءتها وأشك بأنني أقرأها بشكل صحيح لما للغة السويدية أحرف صعبة النطق بالنسبة للسان العربي ويمكنك بكلمة واحدة أن تعرف الصعوبة إذا قلت لك للغة السويدية تسعة أحرف صوتية ولا يمكنني أن أنطق منها سوى أربعة .. أما البارحة فكان ذكرى السنوية لزواجنا فكان الاحتفال بسيطاً لم يجمع سوى ثلاثة كنت أنا و زوجتي منهم أما الشخص الثالث فكان حماتي التي أتت بالزهور و الهدايا .. وكانت زوجتي قد حضرت تورتة الزفاف الرائعة فجلسنا حوالي الخمس ساعات سوية نتكلم وكنت أنا كالعادة , عادة أهل مدينتي زعيم الجلسة بجمع كل أطراف الحديث عن لاذقيتي والعادات الحسنة بمجتمعنا المحافظ على القيم الإنسانية المتعلقة بالأهل و صلات الرحم , كان الموضوع , المتوحدين الكثر في السويد حيث تعيش الأم بعيداَ عن أولادها الذين لا يملكون الوقت لمراعاتها ..

حسناً ها أنا أنهي تلك الرسالة التي أرجو أن تكون ليست الأخيرة .. بعد زوال الإنسانية من الوجود ربما !!

رفعت ..

ليست هناك تعليقات: