٢٠٠٧/٠٦/٠٢

المدارس التي مررت بها في مدينتي تشبه السجون


استمع لجوان بايز و أصابعي تقفز على مفاتيح الأحرف ببطء المجندين الجدد عندما يتدربون على تخطي إطارات الكاوتشوك ! وبما إني في فترة النقاهة بعدما دحرت خلايا جسدي فيروسات الرشح وبدأت تلك الفيروسات بالتراجع عن خطوطها الهجومية وبدء خطة دفاعية عقيمة , قررت الكتابة مرة أخرى ..

مستغلاً ذهاب زوجتي إلى اجتماع في عملها , لأتحدث إليكم , فاتحاً خلاياي لهجوم آخر من فيروسات الحنين والذكريات .. الـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاذقية .

1966 مدرسة الكلية الأرثوذكسية , أحمـــد مقصــود , نزار وكيل , أستاذ ومدير !!

هل أنا الوحيد الذي يرى المدارس التي مررت بها في مدينتي تشبه السجون , وما المدرسين والهيئة الإدارية إلا السجان و المشرفين , كنا في كل مرة نخالف قوانين المدرس الذي يختلف عن غيره بالطبع , كنا نعاقب إما بالضرب أو بالذهاب على غرفة الموجه أو المدير ونقول له ( أرسلنا الأستاذ , فإذ به دون أن يستفسر عن السبب يستل عصاه , ويستمتع بمنصبه و ساديته , متناسياً في بعض الأحيان أن يسأل الطالب الجديد من أباه أو أقرباءه , حتى إذا تبين في اليوم التالي أن الطالب يصطحب معه أحدٍ ما !! لديه العذر بأنه لا يعرف من هو وأن الغلطة بدايةً من الأستاذ , فهو أعلم بهذه الأمور !! تنطلي هذه الأعذار على أغلبية ولي أمور التلميذ , وباعتباري ابن معلمة قديمة وذو شخصية قوية , كنت على الأغلب محمياً , وإن وجد نادراً من يكسر تلك الحماية !! و الحقيقة أنني لم أستثنى.في بداية سنيني الثلاث , وضعت في مختلف المدارس التي تقبل الأطفال للرعاية و التعليم , فمثلاً بجانب بيت جدتي كان هناك كتٌاب ربما ذهبت إليه مرتان, لم أعد أذكر اسمه لكنه كان نهاية مرحلة الكتاتيب ثم مدرسة مطرانية الأب سالم حيث تربط عائلتي صداقة قديمة مع الأب سالم و التي سميت المدرسة باسمه لاحقاً وغيرت إلى ثانوية ذكي الأرسوزي أخيراً و من ثم بعض الأيام المخيفة في روضة حديقة البراعم( أو البوشي على ما أظن ) فكان باص المدرسة الأخضر القديم , في جانبيه رسم بعض الزهور و اسم الروضة , كابوسي الحقيقي في الصباح , فكنت أبكي و أصرخ أو أختبئ إذا لم يكن بجانبي أحد أخوتي أو والدي فإذا ذهب انقضت المحنة وإن لم , فتدفعني أذرع و تتلقفني أخرى , أعرف تماما أن الصراخ والبكاء لا يجدي نفعاً فأسكت متحاشياً بعض الكلام مع مشرفة الباص , ومن ثم نصل للمدرسة التي تقع قريبة على أكبر و أقدم مجمع للمخابرات في بلدتي ( لم أكن أعرف ذلك عندها) فكنا ننزل من الحافلة ماسكين أيدي بعض , تماماً عندما نزلت من سيارة السجن إلى المحكمة بعد 19 عاماً , ومن ثم ندخل الروضة ويقفل علينا , نقبع في غرفة لا يمكنك أن ترى من خلال نوافذها إلا ممر صغير وجدار عالٍ , وتدخل معلمة أو أحد أفراد هيئة الكبت و القمع لتحيل بقية يومك إلى جحيم و رهاب ..

لم أحب المدرسة من بعدها مطلقاً , وكنت أكثر التلاميذ تنقلاً بين المدارس , لم تعجبني أي ..!

محاولات أمي باءت بالفشل كما محاولات الجميع بأن أغدو شيئاً عظيما ما بالدراسة ..... و أصبت برهابات متعددة , لا زالت تقبع في نفسي حتى الآن .

تنقلت إلى أكثر من 6 مدارس خاصة و عامة أي حكومية , كانت جميعها تدار بنظام واحد , كانت جميعها سجون بنوافذ حديدية و عصي و لباس موحد , كان الجرس الذي سمعته بالسجن العسكري عندما ينتهي التنفس هو ذاته الجرس برنته الطويلة و الحادة آمراً التلاميذ و الطلاب و المساجين إلى رص الصفوف و الرتل و ترديد الخلود للحاكم و شعارات الحزب , ثم ندخل الصفوف أو الأواويش ونضع نصب أعيننا أن يمر يومنا على سلام , فإن درسنا أو كتبنا الوظائف فليس من أجل أن نتعلم بل لأجل أن لا نضرب , حتى الإهانة كانت من العاديات , وكما كنا في السجن نحلم بالعفو العام ونتكلم عنه , كنا في المدرسة نتكلم عن قانون يمنع ضرب التلاميذ و إهانتهم , عجيبة تلك الملابسات في عدم تفهم نفسية الطفل وتأثرها .

منتظراً طفلي !! ولا أعلم كيف يمكنني أن أحميه كما حموني أهلي ولم يفلحوا , ليسوا هم السبب , كما لن أكون , فقد فعلوا ما باستطاعتهم !! أحياناً أرتجف عندما يأخذني فكري إلى صعوبة تربية طفل وأنا في هذا العمر , كيف و مدى صعوبة الأمر عندما تكون في سن السنتين .... بعد الأربعين . كيف سأتعلم أو أعلم نفسي على الصبر و على أن آخذ الأمور بروية , بعيداً عن عصبيتي وسوء تصرفي وعدم وجود من يساعدني من أهلي مَن اعتدت على مساندتهم لي , كما أعرف تماماً وكأني أسمع أختي منى تقول لي : أنت خير من تراعي و تهتم , وربما هذا صحيح وبذات الوقت هذا ما يؤرقني , فأنا أهتم حتى درجة المرض , أهتم لدرجة عدم تحملي رؤية مريض فما بالك بطفلي !! ذلك ما يحيل أيامي أكثر سوءً ..

أعيش أيامي وكأنها الأخيرة , لا يحمل لي يومي الجديد سوى نفس المسؤوليات ونفس الرتابة المألوفة لي منذ التحاقي بالمدرسة . تغير الجو , النهار أصبح طويلاً و الشمس ترسل ضوئها باكراً جداً حتى بعد تقديم الساعة , فمثلاً اليوم استيقظت الساعة الخامسة , عادةً الساعة السادسة , كانت الشمس قد أشرقت و أرسلت أشعتها الذهبية لتلون تلك الأحياء التي تطل من نافذة المطبخ وأنا أقف بجانبها منتظراً إبريق الشاي .. النهار أصبح طويلاً لدرجة أني آكل ثلاث مرات ... أكثر من ذي قبل !!

الآن كفاني لعي .. ما بستحي العما !!

الوداع يا صديقي سكتت جوان بيز وهي تغني أستا لا فيدا و هيريكاين إذ ماي نايم وشو بيبقى من الرواية وشو بيبفى من الحجر .. أخوك .......رفعت.

ماذا أنا فاعل في حياتي البالية أيها الصديق ... استيقظ و آكل و أقضي أكثر من ساعتين في الحمام خوفاً من عارض يجبرني على أخذ اذن من المعلمة ... يالي من تافه ....!! صه ((لقد انتهى أمر تافه))...

وقارب الحب

قد تحطم على صخرة الحياة اليومية .

لقد زهدت الحياة .

وعجزت عن أن أعبر عن أحزانها وعثراتها

وأخطائها المشتركة.

ولتنعموا بالسعادة )).

هذا ما كتبه شاعر عظيم اسمه ماياكوفسكي عندما مات منتحراً قالوا أن وجهه كان هادئاً , لا يشبه وجوه الموتى , وكان شهود الجريمة , دم و مسدس ورسالة أخيرة..

بكيت كثيراً وكأن عيناي متحفزتان للبكاء وقلبي أشبه باسفنجة تعصر بسهولة ..

كان لدي سماء و أشجار

كان لدي أهل و أصدقاء

وفتيات وشوارع

كان لدي قصص وضحكات , ذكريات وأوراق لا تذبل

حلمت مرة وذهبت ...

فحلمت بأن كان لدي سماء و أشجار

ومناجم من الذكريات

أحفر أحفر أحفر ...!

استطيع أن أموت بشكل عبثي , تجريدي , أن أذهب إلى بيت الموتى حاملاً معي كل ما كتبته لأصدقائي وعشيقاتي من شعر رديء وتافه وأن أصرخ بملء فمي بكل الكلمات البذيئة التي علمتني إياها عاهرة كانت تصرخ بي لأني لم أرضها ... ما العمل !! كان يومي رديئاً !!! وكنت تعباً ...................................!

اليوم اتصل صديقي أحمد اسفنجة عايدني وكان ذلك لطيفاً جداً منه , فعلاقتي معه أشبه ليس بمد وجزر بل بحركة الموج تماماً , تأتي وتذهب وحركة الموج هذه قوية بفعل رياح المشاعر والالتزامات التي نختلف عليها دائماً ... أصدقاء أصدقاء ..

توقعت من الكثيرين أن يتصلوا .. لا عجب بعيد عن العين بعيد عن القلب !!! لكن ليس أنتم .

عيد مبارك للجميع بما فيهم من ليس له علاقة بالعيد , لكنها مناسبة لأقوال وتمنيات جميلة ..

كــــل عــــــــــــــــــام و أنتــــــــــــــــــــــــــم بخيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر

وأتمنى من الله تعالى أن يعيده علينا وعليكم بالسعادة , وهي ربما أغلى الأماني .. سألحق هذا الأتاش بآخر صوتي , إنشاء الله تعرفوا كيف تفتحونه على مصراعيه هه..!

ليست هناك تعليقات: