٢٠٠٧/٠٦/٠٢

الحلم


من تكون ..

ركبت الحلم وقد امتطيته جيداً

ماسكاً رقبته

شاداً على وسطه

صائحاً به بأعلى صوتي .. هيا .. لنرحل بعيداً

إلى السعادة والحرية والإنسانية

بلاد يكسوها الثلج والفتيات الجميلات الشقر

وآلاف العازفين في أقبية القطارات

طر عالياً دعني ارسم على السماء

غيومي الغير مفهومة كرسومي تماما!

امحي ذاكرتي

أصدقائي

أهلي

حارتي

دعني أغتسل بالموت قبل أن أستيقظ

....

فاستيقظ طفلاً في أرجوحته

ووجه ربما أمي وهي تغني لي أغنيتها المفضلة..

كانت محاولة لكتابة شيء له معنى , فأنا في حاجة لكتابة رسالة طويلة لك, لكنها أتت وقد أتلفها سوء الذاكرة وضياع الحلم والنوم القلق الذي يلازمني منذ مجيئي إلى هنا , شعوري بالعدم الذي جاء معي دون أن أدري,في حقائبي التي وضعت بها ذكرياتي ..

راكباً.. أرجلي, وقدمان ليس من الصعب أن تمتطيهما وتحرك مهماز رغبتك بالاتجاه الذي ربما يكون محطة القطار , لا لتذهب , ولا لتر البشر وهم يصعدون تلك العلب ذات المقاعد المخملية , حاملين صحيفة مجانية ورأس اعتاد التعب, بل منتظراً زوجتي التي تنهي عملها بعد انتهاء مدرستي بنصف ساعة تقريباً !! .

كانت الشمس لطيفة , لكن ليس بقدر البرد الذي قبل هزيمته وتراجع أمام ذلك الربيع الذي ينتظره الجميع .

المحطة الرئيسية في المدينة التي أحيا بها ككل محطات القطار المختلفة عن ما لدينا, نظيفة مليئة بالمقاهي والمطاعم الصغيرة التي تقدم وجبة غداء رخيصة وكرسي جميل و كوب من القهوة مع سماع موسيقى جاز أو بلوز أو....... كلاسيك إذا كنت منحوساً مثلي .

كانت الأمور عادية ككل يوم آتي به إلى هنا عندما صاح بي أحد الذين تعرفت إليهم في المدرسة وهو شاب من البوسنة, كان قد عرفني إليه شاب فلسطيني في نفس صفه بقوله أنه من البوسنة وهولا يعرف أي لغة غير لغته الأم , كان دائماً يقف وحيداً خارج بناء المدرسة ليدخن وكنا جميعاً نحن العرب نقف جماعات جماعات كالبقية المتبقية من قوميات أخرى إلا ذلك الشاب الذي يؤلمني منظره وهو يقف يدخن وحيداً , فكنت غالباً ما أناديه أو أن أقف معه قليلاً لنتكلم كلمات معدودة بصعوبة عن البوسنة أو يوغوسلافيا القديمة الذي لا يعرف عنها شيئاً !!

فها هو الآن يناديني بعد أن نزل من القطار راكضاً باتجاهي , كنت أعلم أنه ولا بد متجهاً إلى استوكهولم وأنه يدعوني لأجلس بقربه في القاطرة , فأخذ يتكلم بكلام غير مفهوم لي على الأقل ولكن ما فهمته أخيراً بأنه يودعني وأنه راجعاً إلى البوسنة لأنه لم يعد يحتمل تلك الوحدة الذي يعيشها !! لم أعد أعرف ماذا جرى لي وأنا أودعه , ذلك الحزن الذي طغى علي , وهو ذلك الشخص الذي لم أعرف منه حتى اسمه الذي لم أعد أذكر الآن من إني سمعته !! صعد القطار وهو يلعن السويد.مودعا ًو ملوحاً يديه خلال نافذة العربة التي تحركت ببطء تاركاً إياي بحيرة وتفكير بذلك الحزن الذي أصابني .

جاءت زوجتي وتمشينا سوية إلى الساحة الكبرى التي تقع في منتصف الطريق إلى بيتنا , كان في مخيلتي ذلك الشاب ما يزال يكمل لي قصته الطويلة عن الوحدة و أنا أمشي عابراً عازف الأكورديون مخترقاً موسيقاه الحزينة التي أتت لتكمل خلفية موسيقية ممتازة لحزني على قصة ذلك الشاب البوسني وأنا أتخيله مع أربع أو أكثر من الحقائب الصغيرة التي رأيتها مرمية جانبه في القاطرة , واصلاً إلى وجهته الأخيرة حيث لغته و ناسه وأصدقائه , لا أعرف سوى , بأني بكيت .. !! كانت لا تزال الموسيقى مسموعة إلى آخر الساحة التي صارت أصغر بكثير من حرف واحد يقف على حافة كلمة ليست صغيرة أبداً ربما تكون الذكريات, الحنين, البلد, الأصدقاء, الأهل, شارع ما, قهوة ما , لا زلت متابعاً مسيري جنباً إلى جنب مع زوجتي وربما ابني أو ابنتي الذي ينمو قليلاً قليلاً ببطء فيها , كانت الشمس لطيفة وكان البرد قد أستعاد قليلاً من قوته , لبسنا قفازينا و قبعاتنا التي تخفي بالنسبة لي شعري الذي لم أقصه منذ مجيئي إلى هذه البلاد ويذكرني دائماً بأخي ماهر الذي يوماً قد أصبح ما كان هو قديماً رابطاً شعره ممتطياً حلمه , لكن بالنسبة للزمن الذي أحيا به لم يعد هناك حلم فقد انتهى زمن الأحلام , البارحة كنت أتكلم مع معلمه لي عن أخي ماهر وكيف ذهب إلى الهند كنت أسألها كيف كانت في ذلك الزمن فقالت لي بأنها أيضاً عاشته وقد ذهبت بالأتوستوب إلى ألمانية واستمعت إلى بوب ديلان و جيمي هندريكس وجنيس جوبلين و غيرهم .. ترى .. بأن حياتي هنا هي أن تقتات ماضيك تتكلم عن ما كنته وما كنت تشعر به عن أولائك الذين تركتهم عن الوجبات التي تحبها هناك عن الخضار والفواكه وإن وجدوا هنا , عن أصدقائك وعن عاداتك التي تفتخر بها مجملاً إياها بأصالة العلاقات الإنسانية بين البشر هناك , كل هذا لأنك هنا هلام إنسان لا أحد يعرفه , يعيش بين بشر لا يعرف منهم أحد, بعيدين كل البعد عن ما تمثله له حياته في الماضي , لغته , عاداته , تاريخه , اهتماماته , وأعرف تماماً بأنها بديهيات الزمن و المكان و الموقف, لكن شعورك بأنك فقدت موقعك في التسلسل فجأة وكأنك ستبدأ طفلاً عجوزاً تتعلم ألف باء الكلام ومن ثم تبدأ بتكوين موقع بين بشر قد بدؤوا قبلك ب42سنة بغض النظر عن ما أنجزوه وما لم ينجزوه , فهم ملكوا تلك السنين و تصرفوا بها , وإن قلت لي بأني لم أنجز شيء يبكى عليه, فهذا غير صحيح و فأنا صنعت بالسنين التي ملكتها وهي تتراوح بين 12 و 14 سنة موقعاً مهما بين البشر الذين أهتم بهم وقد تميزت بكثير من الأمور التي مكنتني من الاستمرار في صعود ولو ببطء إلى الأعلى وعلى مزاجية خاصة لم تكلفني أي جهد ..

هل ألعن الساعة كما يقول والدي الذي لم أتصل به لخوفي من ما سيكونه رد فعله على صوتي وأنا أعرف تماماً بأنه سيحزن كثيراً عندما يصله صوتي أو رسالة مني , على الأقل سيحزن وأنا لا أريد هذا مطلقاً ..

أعود ل هل ألعن الساعة التي أتيت بها إلى هنا , أجمع فتات جسدي وما أخبئه من حنيني وأقطع بطاقة عودة وللمرة الأخيرة إلى حيث ولد الحب وأرض ذكرياتي ومقبرة القلعة حيث جمعت من أحبهم إلى قلبي !!

ما دام هناك وقت و مادام هناك قلب درجة حرارته ليست أقل من 36 درجة يبقى ذلك الحل أرجوحتي المفضلة التي استلقي عليها وأعزف على وتر الاشتياق أغنيات الحب والحنين وأحلم بأني سأحلم مرة أخرى حلماً سيكون مختلفاً عن ما حلمته قبلاً ..

ما دام هناك واقعاً, سيكون هناك حلماً, ولن يستطيع إنسان واحد أن يحققه قبل أن يموت.

أمتطي حلما آخر

أشد سرجه

وأمسك لجامه

وأرتدي مهمازاً

وانطلق حيث تموت الأحلام

رويداً, رويداً مع شروق الشمس .

إلى كل من أحب وإلى جميع من يحبوني أحلاماً سعيدة مروضة..........

.رفعت سودرتالية السبت, 15 آذار, 2003

ليست هناك تعليقات: