٢٠٠٧/٠٦/٠٣

أبي الذي لم يرحل


أبي ..

لم تستيقظ باكراً..!! كعادتك لجلب الحليب و الخضار ..

.. صباحك متأخراً.. لم تترك دفء الفراش هذا اليوم ..

..كانت عيناك مغمضتان على آخر حلم ستراه ..

ياترى لمن سترويه .. !!

نم .. نم ..

....

..ابق متمدداً

فنجان القهوة الذي عودتك إياه زوجتك لن تشربه ...

و المناقشات التي مللت منها يومياً كما , قلت لي ذات مرة , قد آلت للماضي ..

هل تذكر آخر مرة تقابلنا ....

.. لم نتعانق و لم نبكي ...

كان الوداع سهلاً , كان لقائنا أملاً موجوداً ..

عنيت هذا بأن لا أقول لك بأني مسافر لألا تحزن .. فحزنك يقتل بي كل شيء !!

...

لا حاجة للاسيقاظ... ياأبي

.. حين أتت العصافير... قرب النافذة لتلقي عليك تحية الصباح ..

.......ستطير.. و لن تأت بعد الآن ..

.. ستهاجر .. أشجار الكينا قرب النافذة ...

...

أبي .. ذو الشعر الأبيض

و الابتسامة الخجلة ... رحل .. هل تصدقون ..!!

لم ينتظر مجيئي و لم يحمل حفيده من ابنه الأصغر .. رحل

.. وعدته عندما تقابلنا بأني سأودعه لكني رحلت

ما كان ليرحل , دون وداعي و ما كنت لآت لوداعه ..!!

أيها الأمير ..

باكراً على رحيلك ..

فمجيئي كاد أن يكون ...

حاملاً حفيدك الذي أحببت صوره

... حاملاً اسمك كاملاً ..

..ألا يمكنك الانتظار قليلاً ..

ربما نرحل سوية , نلعن الدنيا و نركب الموت ..

....

... هكذا .. كعادتك يا مهذب لا تثقل على أحد .. و لا تودع أحد ...

...أكملت نومك ..و نحن فجعنا !!

...

رحلت هذه المرة دون حقائب .. دون ترهات الألبسة و ربطات العنق ..

خفيفاً ..

.. ركبت الجموع ...

... لكنك .... رحلت وجيداً !!

لماذا .!!!!!!!

.... أبي من قال لك أن الوقت قد حان..!!

.. من قال لك أنك أنت ..

.. من جاء ليأخذ مني أنت !!

...انتظرني أيها الأمير ..

فالزمن قد أخطأ الساعة ..

لا ترحل .. قل للرب بأنك منتظرني ....

فالسماء تستطيع الانتظار ...!!

...

.

..اخوتي و أصدقائي .. قالوا لي بأنك رحلت ..

.. رحلت ..

أهكذا يرحل الأمراء .. !!

بهدوء .. على أحصنة لا تصهل ..دون حدوات .. تخبوا دون أن تتقدم ..

يرحل الأمراء .. يرافقهم بكاء المودعين و حزن المحبين ..

.. هكذا رحلت , بعد أن علمتنا رهافة المشاعر و حب البشر

.. في الرابعة صباحاً .. ضرب صدري ..طعنتان ..

.. أحسست بأن رحيلي قد أوشك .. مشيت إلى المطبخ .. لأكتب ما يمكن له أن يكون وداعاً بارداً !!

في لحظة قررت بأن لا شيء يمكنني أن أكتبه ..

...كان عقلي محشواً بالبشر الذين أحب , و أبي من كان يلمع بين كل هؤلاء , ذلك الأمير الهادئ ..

قررت النوم و في ذهني بأني ربما لن أستيقظ.. لم أعرف بأن من لم يستيقظ هو والدي..

ها هو ثالث يوم على غيابك .. لا زالت الأصوات في رأسي .. تتعارك في متاهات الذاكرة .. كم من السنين و كم من الزمن أحتاج لأصدق بأنك رحلت ..!

لا زال صوتك بين أذني .. يحكي لي عن انطون سعادة .. و أشعار لامارتين .. أهكذا ... ترحل دون أن تودعنا ... دون أن تقول بأنك مللت الدنيا فلم تستيقظ و بقيت تحلم .

مات الملك ...

... و لم يعش أي ملك بعدك ..

فقد كنت آخر الملوك .......................................

ليست هناك تعليقات: