٢٠٠٧/٠٦/٠٣

مصطفى عنتابلي منذر مصري


كنت وحيداً , بعد أن ذهبت زوجتي مع وليم شكيب إلى الكنيسة , لمشاركة في أغانٍ للأطفال , و للعلم يا أبو الصطوف الحبيب , زوجتي حتى المسيحية لا تؤمن بها و عندما نتناقش عن الدين تنتهي المناقشة دائماً دون جدوى , باعتبارها نشأت في مدارس خاصة ويسمونها ( أنتروبوسوفي ) وربما إن درسوها دين فإنهم يدرسونه كمادة أدبية , باعتبارهم يدرسون كافة الديانات و ليس فقط ديانة واحدة , وهذا يعني أنها درست الزراداشتية و البوذية تماما كالاسلامية و المسيحية و اليهودية ..!!

مريضاً , منهك القوة , مالاً من كل ما مكن فعله , علماً كما قلت لك في رسالتي السابقة بأني يجب أن أدرس , لكن هيهات يا درس و أنا الذي كرهت كل مايسمى دراسة !! رن الهاتف ,, و للمرة الثانية ,, عذراً بأني لم أكتشف صاحب الصوت , و الذي يعني لي الكثير , أخي و ابن خالتي مصطفى , مفاجأة حقيقية , قلبت يومي الغائم إلى ساحة كبيرة من الضوء , كنت قد ظننتك مصطفى آخر فلي صديقان اسمهم مصطفى أحدهما في النروج و الآخر في الكويت , فظننت بأنك أحدهما و لهذا كانت ردة فعلي مختلفة , فوجب الاعتذار ,

أبو الصطوف دائماً تأتي في المقدمة , تسبق الجميع في كل ما هو جميل , و هذا لا يعني بأنك سبقتني في الأتصال فأنا كما تعلم , لا أستطيع التصرف كما يحلو لي الآن بسبب عدم وجود دخل مادي أستطيع شراء ما يحلو لي , إلا أن زوجتي لا تبخل ولا ترد أي طلب لي ! لكني كما تعلم , أحسب حسابات كثيرة !! لذلك طبعاً أنت السباق في هذه اللفتة التي أود لو كان باستطاعتي رد تلك اللفتات الجميلة المزينة بكلامك الجميل و اهتمامك الجميل !!

تكلمنا قليلاً , أو لأقل , أقل ما يمكن من كلمات , كنت أشعر بأن الوقت يركض سريعا , يهرب , حاملاً معه ما سرق من كلمات كنت أود قولها أو سماعها . على كل انتشيت بسعادة لسماع صوتك و أخبارك , لطالما كنت و لا زلت أحدنا و بافتخارنا جميعاً بك !!

درجة الحرارة 5.6 فوق الصفر تمطر بشكل خفيف , لكن كاف لترى كل شيء مشبع بالماء , الطرقات و الأسطح التي سأشتاق إليها عندما أنتقل ( ساكن الطابق السادس و سأنتقل للطابق الأول و سأحرم من اطلالة جميلة و إن كانت مقبرة ( سأبعث لك الصورة كما أرى تلك الاطلالة من موقعي ) , غريب هذا الشعور , كلما تترك شيء تشعره مختلفاً عما كان و ربما يزيد الشعور بحميمية الالتصاق بالمكان و الأشياء , سأشعر بضيق عندما ننتقل ( و كأني أبحث عن ما يضايقني ) و سأنسى الفرح و الاحساس بإيجابيات البيت الجديد ( أكبر بأقل من الضعف بقليل ) سيكون لي غرفة منفصلة و سأستطع مشاهدة التلفزيون و أن أكتب على الكومبيوتر عندما أريد , أشياء كثيرة ستكون أظرف , لكني كما تعلم , وكأني قد عمدت بماء الكآبة و الحزن كشمشوم الجبار لكن بطريقة أخرى لأنني سقطت بالمغطس دون أن يكون للسعادة مدخل ,حتى في رسغ قدمي !!

أتطلع لقراءة مقالة منذر و ردك , شيء ظريف , لكنني فكرت كثيراً بما قلت عن أن المقالة ليست اسلوبه و أنك استغربت ذلك , فكرت ملياً بهذا , !! لكن أليس هذا منذر الذي نعرفه , يفاجئنا دائماً بمواقفه المثيرة للجدل وربما هذا ما يقصده , أن يهز أكتافنا لنستيقظ حتى لو خلع رقابنا ( أضحك ) .. أتذكره , أحزن عليه , كنت دائماً و لا زلت مؤمنا بأنه لم يأخذ حقه من شيء , إن كان الرسم و إن كان الشعر , لا زال منذر يختبىء في ذلك القبو , يكتب أو يرسم , لكن هل هو راض , سعيد , أشك و أحزن عليه كان على القدر أن يقدره أكثر و يعطيه أكثر !!

تعرف أبو الصطوف ...!! منذ عشر سنوات بدأت التنازل عن طموحي حتى أصبح ذلك المستقبل بالنسبة لي تلك الشاهدة و ما سيكتب عليها .. كنت في اللاذقية دائم المرور على مقبرتنا في القلعة و كنت آت إليها عن طريقين لأمر على قبر جدتي مرة و في الأخرى على قبر أمي , كنت أقرأ ما كتب على الشاهدة و أتخيل ما سيقرأ الآخرين على شاهدتي و كم من مرة حاولت كتابة شيء ما , لكن كلما قرأت كلمات الشواهد هنالك , كنت أشعر بضآلتي و سفه تفكيري , في بعض الأحيان كنت أقضي الساعة و أكثر هناك , كنت أقرأ تلك الشواهد كما لو كنت أرى وجوه الموتى , كنت أنظر إليهم , عيونهم اللامعة و قلوبهم الحزينة , فأبكي , كنت أقرأ الأعمار, منهم في مراهقته, منهم أعرفهم و منهم أهلي و منهم أجانب . كانت فكرة الموت في بلد غريب , تثير بي حزن كبير ,, لا أحد سيودعك , لا أحد سيحملك و كنت أتسائل عن احاسيس الموتى , تلك الفكرة التي مهما تقدمت البشرية و قدمت حضارتها ستظل تلك الفكر نواة فكر كل انسان , حتى و إن كان وثنيا و ربما من كان دون اعتقاد أصعب فالأجوبة المتاحة في الديانات كلها لا تعنيه , و إن كانت الوجودية لا تعترف ضمنا بأي شيء بعد الموت إلا أنني متأكد من أنهم أجبروا تلك الفكرة في الاختباء بين ثنايا مفكريهو و فكرهم ..

مصطفى الحبيب , تسعدني دائماً كلما أراك أو أسمع أو أقرأ لك شيء , و لن أنسى ما حييت كيف كنت دائماً تدعوني , عندما كنت أراك في اللاذقية وكيف مرة دعوتني لرؤية الكومبيوتر , ومع أن لقاءاتنا كانت قليلة لكنك كنت دائما ركن في الذاكرة موجود أبداً ..

أبو الصطوف الحبيب , ورد و فل و نرجس , و رائحتهم العابقة بين يديك مني , و من زوجتي و من وليم شكيب !!

ليست هناك تعليقات: