٢٠٠٧/٠٦/٠٥

السفينة ذات ال 100 متر ابحار


استوكهولم .. 3 اكتوبر (تشرين الأول 2003 ..

في الساعة الخامسة صباحاً استيقظت على صوت وليم الذي اعتاد على الاستيقاظ في تلك الساعة .. يومياً !

تحممت و بدأت بالفطور , تعبئة السخان الكهربائي بالماء لشرب كاسة الشاي و اخراج المربى و الجبنة و بعض الفواكة من اجاص و تفاح و موز و برتقال و عنب .. نعم كل ذلك على الفطور مع لا يقل عن ثلاث أو أربع صمونيات همبرغر و بدأ التهام الاكل حتى تبدأ معدتي بطلب الافراغ من ذلك الضغط .. فأذهب إلى الحمام بعد الاصرار على التهام جميع ما أخرجته من البراد الصغير (لا يوجد براد كبير ) ..

في الساعة التاسعة و العشرين دقيقة تلفنت لصديق و عدني على أن يمر و يوصلني للقطار الذي سنذهب به مع بقية أفراد الصف إلى متحف فازا في استوكهولم .. فردت زوجته التي أكدت بأنه سيأتي ليأخذي .. كنت أعلم بأنه لا يمكنه نسياني .. مع ذلك .. و كعادتي لا أترك للصدف مكان عندما يتعلق الامر بموعد , فنزلت من البيت و ركبت الدراجة إلى محطة القطار فكنت أول الواصلين !!!ثم توالوا واحداً تلو الآخر و كانت المعلمة التي تسكن في الطرف الآخر من استوكهولم هي من أتت أبكر من الآخرين ثم تلفن صديقي على الموبايل ليقول لي انزل إلى أسفل البناية لأني وصلت إليك .. لكن كان ذلك بعد وصولي للمحطة بأكثر من ربع ساعة .. المهم ما لبث أن أتى فأصبحنا 7 أشخاص مع عدم مجيء الأغلبية التي حاربت من أجل الرحلة ..!!

توجهنا إلى استوكهولم في الساعة العاشرة .. ووصلنا حوالي الحادية عشر ثم ركبنا باص ليوصلنا إلى عبارة توصلنا إلى منطقة سكانسن و هي جزء من العاصمة استوكهولم حيث يقع أجمل القصور و الحدائق و المتاحف و غيرها من المناطق التي تعج بالسياح اليابانيين و الأمريكان وما لف لفيف العرب الغير سياح بل على الأغلب شتات .. تأتي لقتل الوقت .. أما نحن ففي برنامج الدراسة الذي نأخذه يجب الاطلاع على الأماكن المهمة في السويد كالمتاحف.. و أحد أهم المتاحف هو ذلك المتحف الذي يضم أحد أقدم و أضخم سفينة حربية أصلية و التي بقت تحت الماء 333سنة و في عام 1958 بدأت محاولات الدولة بدعم الملك شخصياً أن تخرج السفينة من هذا السبات و عرضها في متحف خاص بني من أجلها ..

السفينة الحربية فازا وهو اسم الملك الذي بنيت السفينة في عهده إبان حربه مع البولنديين في عام 1626 م و التي غرقت بعد نزولها للماء بساعات معدودة لعدم دراسة الارتفاع مع وجود خلل في توازن السفينة التي كانت تعج بالمدافع الثقيلة , التي سرعان ما انقلبت على إحدى الجهات و مالت السفينة و مالبثت أن غرقت لمدة 333سنة مع أكثر من خمسين من بحارتها ..

دخلنا المتحف بعد مرورنا على النصب التذكاري لضحايا السفينة استونيا , و ولجنا أحد أجمل المتاحف التي رأيتها في حياتي , السفينة بكاملها تحت سقف واحد سفينة عمرها يقارب الأربع قرون تقف أمامك بخشبها الأسود و مدافعها البرونزية و تماثيلها الرائعة ..

قالت المعلمة سيبدا عرض فيلم عن تلك السفية فدخلنا صالة ربما بحجم صالة سينما الكندي و بدأ الفيلم عن قصة السفينة و انتشالها , و ربما الملحمة الحقيقية في انتشالها أكبر بكثير من قصتها الحقيقية .. و مترجم الكترونيا بالانكليزية و أعني بالكترونيا أن شاشة الكترونية كبيرة بعرض الشاشة الاصلية منارة بحروف الكترونية مضيئة

ثم بعد 52 دقيقة لم أشعر بها , خرجنا مع بقية السياح برفقة مرشدة من المركز, جميلة بلباس البحرية السويدية في ذلك الزمان,تشرح وبانكليزية أحيانا و بالسويدية أحياناً أخرى عن السفينة و أقسامها و القصص المثيرة حولها ..

المتحف ستة طوابق , ثلاثة تحت المستوى الأول و الباقي فوق , و يتوسط كل تلك الطوابق جسم السفينة و المستويات الاخرى تحيطها بشكل يتيح لهيكل السفينة أن يملك الفضاء الكافي ليثير انتباه الزائر لمدى الابهة و الروعة التي قصد بها مصمموا المتحف اعطائها له !! ثم الطوابق البقية التي لا تقل أهمية عن السفينة فبها أقسام تتراوح من شرح عملية بناء السفينة (الادوات الاصلية و المواد) تاريخ السفينة في القرن السابع عشر و الطابق الرابع و هو المدخل عروض أسباب غرقها و تماثيل فاسا المنحوتة , صالات العرض و الطابق الخامس الحياة على ظهر السفينة و المعارك البحرية في عصر فاسا الخ الخ ..

استمتعت جداً و بقيت مع المعلمة التي لم تكن أقل مني انبهاراً لأنها لم تزر المتحف منذ 20 سنة و قد تغير كثيراً و كبر منذ ذلك الحين و لا تزال الجهود الكبيرة مستمرة لتكبيره و اضافة أقسام مهمة و شروح الكترونية بواسطة الليزر و شاشات البلازمة العملاقة التي بدؤا بتركيبها في مختلف الاقسام .. انتهت الرحلة بخروجنا من المتحف و قد قرر الباقون في المجموعة الذهاب إلى مطعم صيني للغداء , و هكذا استمتعت بوجع رأس مع أربع بنات و شاب في العشرين من العمر و بوجبة دجاج كاري مع الارز الغير مطهية جيداً .. و رجعنا بالقطار الساعة الخامسة تقريباً , أخذت دراجتي و معي بعض الكتيبات التي لا يبخل أي متحف في اغنائك بها بل حتى و طمرك حتى بلغتك العربية و إن كنت فلبيني فهي موجودة !! بالفلبيني !! طبعاً .. كان الجو معتدلاً قليل البرودة و السماء لا زالت تنير البلدة التي اسكنها .. الطريق الذي سلكته مختلفاً هذه المرة عن المعتاد .. كان طريقاً خلال الغابات الكثيفة و الاشجار العالية , كنت أمشي بجانب دراجة زوجتي لأنها تعطلت بسبب الجنزير الدائم الانزلاق عن التروس و الذي تعبت من ارجاعه لمكانه مرة بعد الاخرى , و أنا أفكر بكل هذه الجهود و الامكانيات الجبارة لدولة لا تملك شيء سوى الوعي و ادراك احترام الانسان و إذا استعدنا قليلاً عدد سكان السويد سنة ال1959 فحتما سنرى بأنهم لم يتجاوزوا عدد سكان لبنان أي حوالي 6 ملايين نسمة .. ينتجون السفن الثقيلة , السيارات و لاسلحة و الطائرات , ونحن تلك البقعة المباركة من العالم ننتج فقط اللاجئين و طالبي اللجوء و المشاكل التي لا تعد و لا تحصى , ألا يمكننا أن نقتنع و بعد كل تلك التجارب العقيمة بأن الحلول الجيدة يمكن استنباطها من تجارب الآخرين , أم أننا قوم لا يرضى بالحلول الاجنبية ..

أتيت البيت , كان خالياً من سكانه , فزوجتي و ابني عند حماتي , فأخرجت ما لدينا من طعام و بدأت التهام خيباتي وفشلي الزريع بحياتي .. انبهاري الشديد بالترتيب و الجماليات و الجهود الانسانية و المتاحف و العمارة و الأمكنة و البشر , ثم أقف لحظة مع نفسي , فأرى انسان يقف في مواجهة اعصار من الرمال , فتخرق جسده و تبدأ تلك الأجسام الدقيقة ( الرمال ) في نحته و نخره و يتلاشى ..... يبقى منه روحاً ... ميتة دون جسد . عرب .. عرب .. !! أين نحن !!

ليست هناك تعليقات: