٢٠٠٧/٠٦/٠٥

عائلة الرملي


أسامة العزيز ..

اليوم و في الصباح الباكر بدأت رحلتي اليومية إلى المدرسة .. آلاف الأفكار التي كانت نائمة أو شبه نائمة في الليل الفائت بدأت بالعمل و التضارب و الحرب في رأسي الصغير الذي لا يتسع إلا لإدخال المعلومات المتضاربة حول الحياة التعسة , التي وقعت على صكها بيدي و أنا مبتسم !!

نعم لا أحد منا قد قطع القالب بالشكل الجيد للحياة التي يمكن لها أن تبدو الآن لي بعد التفكر و الاستنتاج المنطقي , أن تكون جيدة لو أننا قد ملكنا زمام أمورنا و آرائنا و الفرص المتاحة حين ذاك !! و أنت تعرف ما المنغصات التي مرت على حياتي .. و لعلك كنت شاهدا عن قرب ماذ حصل لي ذلك الوقت !! و لعلي أقصد بذلك بأنني لو سافرت أو أن الخيار المتاح لي الآن كان متاحاً منذ سنين , ماذا كان سيحدث ... أمور كثيرة كانت أفضل بكثير .. الوقت و العمر ... الزمن .. و التوقيت الصحيح هو من يجعل الفرص ذات قيمة .. أنا الآن فوق الأربعين بسنتين , بدأت الحياة في بلاد الصقيع .. و أقصد صقيع البشر و صقيع الجو , و يبدو لي من المكان الذي أنا به الآن و هذه اللحظة بالذات أنني تأخرت كثيراً و ربما باب الفرصة التي وصلت إليها قد أغلق منذ زمن طويل !!

منغصات العمر , الطاقة التي بدأت بالنتهاء أوجاع الظهر , آلام المعدة , السمنة , سقوط الشعر , ضعف الرؤية و أخرى على الطريق .. التشائمية التي وضعتها كأساس جوهري لحياتي ( لست من وضعها ) و الشعور بالعدم و الفشل و لإحباط ... !! لا أعرف مدى ما يمكنني أن أكتب من ذلك النبع الذي لا ينضب ! إلا أنني متأكد تماما بأنني أبرع في مطه و شده و توسيعه حتى يشمل الكون كله !!

قرأت رسالتك في المدرسة حيث كان لدينا درس في صالة الكومبيوتر و كان لي فرصة أن أفتح الانترنيت و ألقي نظرة على الرسائل التي تنتظر عيناي .. ففتحت رسالتك التي ظننتها من لين و لأقول لك بأني لم أدهش من الاسلوب , فأنا أعرف بأن لين لديها اسلوب جيد في الكتابة كالكبار !! ثم تمعنت بها جيداً و إذ بها من أسامة .. دهشت , حقاً !!!!! فأنا من بعث لك عدة رسائل خاصة و غيرها من الأتاشات التي تكلمت عنها و مع أنني لم أنتظر منك الاجابة فأنا أعلم بما يمكن للوقت و الظرف الذي أنت به و عندما ترجع من البيت منهك من يوم طويل و ممل في المحل .. مدى الاحباط و التعب الذي يهد الجسد و العقل حقاً ... لكنني استغربت الطلب و سأبعث لك إن كان لدي الملف على هذا الكومبيوتر ما بعثته لك و الرسائل التي ربما لم تنجح في الظهور عندك !!!!

و الأمر لا يتعدى سوى أن أقوم بجمع ما كتبته لك من قبل و بعثه لك ,كما قلت لكن ما السبب أو ما الهدف من ذلك أن أبرهن لك على ما أقول أو بأنني حزنت من أنك لم تقرأ ما أكتبه لك , وبأي حال أنت تعرف أهميتك كصديق لي و حبي لك و لعائلتك و لخيركم جميعاً .

أسامة العزيز ..

هل الأمر لا يتعدى تغير المكان أم البشر أم محاولات الانسان العقيمة لتحسين حياته أم ربما الهرب من فشله القديم , ثم لماذا كل هذا الركض باتجاه الغرب و الشمال !!! تساؤلاتي الكثيرة بعد فترة أشعرها كافية لنزع ذلك الغموض , انتهت بأن المعني و هو حضرتي ...!!! لم يقرأ الوضع الراهن و لم يستطع فك أصغر مشاكله , و ربما تستغرب صيغة الكلام و ما يمكن للمعنى أن يظهر بمظهر بأنني قد وصلت الحافة و بعدها الهاوية و أنا بين السقوط و الحيرة بما قد يجره المستقبل لي .. أمور كبيرة حقاً , تلك الحياة التي لم أحاول حتى بالقليل المتاح أن أتناغم مع الجو الحاضر سواء في اللاذقية أم في السويد .. !! أو حتى إذا رجعت للوراء بكثير بريطانية , كانت دائما علاقاتي مع البشر هي من شدتني من أذني نحو اتجاهات أخرى من الجغرافية .. لا علينا ( بعد كل هذا اللعلي الذي ليس له معنى أو طعمة ) ..

أتذكرك كثيراً , و يبدو لي أني حملت من الذكريات أكثر بكثير مما حملت بحقائبي من أشياء !! تلك العلاقات المثيرة و الرائعة و الغنية بين أصدقائي الكثر و المميزين كحضرتك , أسامة الرملي ذلك الصديق الذي أعتز و أفتخر به و لقائه الممتع في كل مرة آت عنده أو بتلك الأمسيات الذي كانت تتأخر لساعة متقدمة من الليل على ضوء التلفاز و أمام الطاولة التي تملئ بالطعام في كل مرة آت بها عندكم ويتم تحضيرها بيدي زوجتك اللطيفة و الرائعة لما, يشاركنا بها السيد باسل و الحلوة لين , كنت أنزل بعد انتهاء السهرة الدرج أو المصعد الذي كنت ترافقني به حتى المدخل مودعاً , مليئاً بالحبور و السعادة و الرضى , كنت دائماً مدعواً و كنت أعرف بأني على الرحب و السعة بأي وقت, و في كل مرة توصلني بها إلى البيت أو إلى بيت أختي منى ..

أما عني فها هو ابني وليم شكيب يمص اصبعه و هو نصف عاري و مستلقي على ظهره و يرفع رجليه تارة و يحكهما ببعض تارة أخرى , ياترى كم من السنين يحتاج ليكبر و يصبح شاباً و لا يعد لي موقعاً بحياته سوى أب أجنبي جاء منذ سنين إلى السويد ثم اختفى !! و يتابع حياته كغيره من البشر هنا , و إذا كان حاملاً الكثير من سلبياتي فأستطيع أن أؤكد لك بأنه لن يسعد و أرجو أن لا !!

كتبت لك الكثير عني , و الآن ماذا عنك , كيف باسل و ما معنى تأجيل , هل هم هناك أيضاً يؤجلون مثل هنا , أرجو له التوفيق يارب .

أما لين الحبوبة الظريفة التي أشكرها على ايميلاتها الرائعة و التي أقرأها لوليم الذي لا يفقه شيئاً !! إلا أنه يضحك ببهلنة علي عندما أقرأ !! و لما التي أشكرها الكثير على كل الأوقات الظريفة التي اقتطعتها من حياتها لأصدقائك و لك و التي كانت على قدر من اللطافة و حسن الضيافة دائماً .. شكراً جزيلاً .

أخيراً و أنا أختتم هذه الرسالة أرجو من الله العلي العظيم أن يوفقكم و يسعدكم ..

سلام كل من كاتارينا و وليم شكيب وأنا رفعت مصري لكم و إلى اللقاء في عدد عفوا حلقة أو رسالة أخرى .

ليست هناك تعليقات: