٢٠٠٧/٠٦/٠٥

رحلتي الى هولندا


هولندا ..

هولندا بلد الطواحين و رامبرنت و فان كوغ و الحي الأحمر و الأراضي المنخفضة ذات القنوات و الجسور المتحركة ..

أما ما كان مهماً أكثر هو اجتماعي بأصدقائي و إن كان اثنين منهم قد تكلفوا بالرحلة كلها ابتداءَ من كرت الباص الداخلي الذي توجهت به إلى المطار في استوكهولم حتى الهدايا التي أتيت بها إلى عائلتي !!

مالك و محمد , أبو عوض حمدوش و أبو علي هارون صديقاي !!

في الثالث من كانون الثاني حيث كانت أقرب رحلة متاحة وممكنة بالطائرة إلى أمستردام حيث سألتقي بصديقي مالك الذي سافر إلى هولندا منذ أكثر من خمس سنوات و محمد حمدوش الذي رأيته منذ سنتين عندما جاء إلى اللاذقية في زيارة قصيرة , حملت الحقيبة و في رأسي الكثير مما سأراه و الكم الكبير من الأشتياق لصديقي .. وصلت إلى مطار أمستردام الكبير و الجميل و المستغرب بالأمر أنني صعدت الطائرة دون اثبات شخصية و لم يسألني أحد وعند نزولي وخروجي من المطار كذلك !! عادت ذاكرتي إلى بلدي حيث أوراق اثبات الشخصية من الأمور التي ربما تحيل يومك إلى جحيم إن لم تكن معك , و بعد سنة و نصف لا زال هذا الهاجس يتملكني كلما خرجت من البيت هنا !! أما هناك في بلدنا و إن كانت معك , كما حصل لي مرتين أو ثلاث , و تمر أمام دورية راجلة , كما يسمونها , فيأخذون الهوية منك و تأتي باكراً إلى المخفر لتأخذها و تسمع ما لا يعجبك , و هذا ما أجبرني دوما على ركوب تاكسي عندما أتأخر في السهرة .

المطار كبير جداً , و الجميل بأنك لن تتعب من المشي لأن ردهات المطار مربوطة بسيور تأخذك إلى حيث تشاء دون أن تجبر على المشي

ألتقيت الشباب حيث كانوا ينتظروني , مالك و محمد و أسامة ( الأخ الأصغر لمحمد ) و الذي أصبح أسمه أوزي , تيمناً باسم المغني أوزي أوزبرن .

العناق و القبل أنستني مشاق الرحلة و انتظار موعد اقلاع الطائرة لأني وصلت المطار قبل ثلاث ساعات من الموعد ..

ركبنا سيارة أبو عوض و توجهنا إلى سوق كبير, ذكرني بأسواق نساها التاريخ الشرقي في تلك البقعة من العالم. كل شيء بها , كاسة الشاي وورق النعناع التي جلبتها تلك الصبية التركية أو المغربية الرقيقة في ذلك المقهى الذي يتوسط كل شيء. محلات الالكترونيات و الكومبيوتر , التوابل , الخضار و الفواكهة , الحلويات و اللحم الحلال, مطاعم الكباب و الصفائح , الايرانيين, الأتراك و الأفارقة و العرب و القليل من الهولنديين الذين تعلو ابتسامتهم و دهشتهم كلما شاهدوا شيئاً غريبا وكأنهم هم السياح في بلدهم .. أصوات الباعة و آذان الصلاة الممزوجة بلهجات بعضها لم أسمعه من قبل .., خرجنا من ذلك السوق المسور بعد ساعات من دخولنا, محملين بمأكولات وخضار و فواكهة تعرفت إليها لأول مرة هناك , ثم لبيت أبو عوض في خوركن حيث استقبلتنا امرأته و ابنته ذات الأربع سنين بديعة, ثم أعد لنا وجبة لذيذة و غريبة من اللحم و الخضار و الموز التايلندي المقلي و نبيذ أحمر فرنسي و كلام كثير عن سنين و ذكريات و أصدقاء .. و في آخر المساء توجهنا إلى مدينة دوردرخت القديمة الجميلة والتي يسكن بها مالك , في بيت جميل و بمنطقة وسط المدينة . استقلتبنا ريا التي التقيتها في اللاذقية منذ ست سنين , جلسنا الساعة تقريباً حيث رتب لي مالك غرفته .. ونمت هناك أول ليلة تعباً منهكاً سعيداً طويلاً ..

اليوم الثاني .. الأحد 4 كانون الثاني ...

استيقظت أول الساكنين .. الجو الرمادي هو الجو الذي يعجبني و المطر الحقيقي الذي اشتاق إليه هو حقيقة في هولندا . النوافذ كبيرة جداً تستطيع أن تر كل الشارع الذي تطل عليه , الأشجار لازالت خضراء و الشوارع مرصوفة بأطواب من القرميد و ليس من الغرانيت كالسويد , و الروح المسكونة في هولندا لا شك بأنها أكثر بريقاً و حياة من السويد .. نزلت الطابق الأول حيث غرفة المعيشة ( الصالون و المطبخ و التلفزيون و غرفة الأكل ) شربنا الشاي و فطرنا ثم توجهنا إلى سوق المدينة الجميل و من ثم رحلة بالقارب السريع إلى عدة مناطق و القوارب هنا هي كالباص أو القطار لها مواقف باعتبار هولندا مقسومة إلى أجزاء كثيرة و صغيرة بسبب القنوات و منظر هولندا من الطائرة أشبة برقع جميلة يفصلها الماء هنا و هناك , كان القارب سريعاً فلم تأخذ الرحلة أكثر من ربع ساعة نزلنا بعدها إلى مقهى على حافة الماء ذو واجهة من الزجاج و ثلاث موسيقيين يعزفون ويغنون , و نادلة ذات الثمانية عشر عاماً ذات و جهة ملائكي .. النساء الذين يجلسون و يحتسون الكاوكاو أو البيرة أو يأكلون قطعة من الحلوى.. الجو بأكمله , ملئني بالحبور و السعادة , لكن اللحظات السعيدة دائماً قصيرة و إن كانت طويلة بالساعات , حان موعد الطعام و أبو عوض صديقنا الثاني سيأتي و نجتمع سوية عند مالك وريا و نأكل .. هكذا رجعنا بين تلك البيوت الجميلة و الكلاسيكية للبيت, حيث أكلنا و شربنا و سهرنا حتى ساعة ليست متأخرة لأن مالك لديه عمل باكراً !! فوضعت لي ريا مخطط كيف يمكنني أن أذهب لمكتب السياحة من اجل الخريطة و المعلومات عن المتاحف و الأماكن المهمة في دوردرخت ..

الثالث .. الاثنين 5 كانون الثاني .

مالك سيذهب إلى عمله الساعة السادسة صباحاً أعطتني ريا بعض النصائح حول السياحة و زيارةالمتاحف و الأماكن الجميلة , بدأتها بزيارة مكتب الاستعلامات و هو يقع في جزء من قصر له تاريخ عريق جدد ليس أكثر من مرة قبل أن يحتل مكتب السياحي جزء منه دخلت عبر حديقة واسعة و مشيت أكثر من 50 متر قبل الوصول إلى مدخل المكتب حيث استقبلتني امرأة في العقد الخامس من عمرها فسألتها بالأنكليزية طبعاً عن كتيب لخريطة الطرق في المدينة و الأماكن السياحية فأعطتني خريطة بها اعلانات أكثر من المعلومات و نصحتني بشراء كتيب صغير عن الأماكن التاريخية في المدينة فاشتريته , وحيث أنني لأول مرة في المدينة لا أعرف شمالها من غربها فأضعت الطريق عدة مرات حال دون وصولي إلى الأماكن التي أريد المرور بها !! رجعت البيت عندما شعرت بحاجة تواليت لأتبول !! ثم في الساعة الثالثة و الربع جاء مالك من العمل.

ذهبنا لنتبضع الخضار والفواكهة و الخبز من الأماكن التي يملكها العراقيين أو المغاربة أو الأتراك , كان لهواً أن أرى أشيائنا هنا. كل شيء متوفر في أي مكان في العالم , كم أصبح العالم صغيراً ..

رجعنا البيت و طبخنا ثم جائت ريا و أكلنا سوية .. بعدها جاء أبو عوض و تمشينا في المدينة سوية و تكلمنا كثيراً عن كل شيء و رجعت البيت ثم النوم ..

الرابع الثلاثاء 6 كانون الثاني ..

كان نومي قلقاً , لم أنم بشكل جيد , كان برداً و التدفئة المركزية لا تعمل في المساء مما جعل الأمر بالنسبة لي كابوساً لم أستطع بعده النوم ..

في الصباح نزلت الدرج إلى الطابق الأول و حضرت لي كاسة الشاي ثم نزلت ريا و فطرت ثم نصحتني بزيارة متحف دوردرخت الرئيسي حيث يعرض هناك الرسامين الدودرختيين الكلاسيكيين أعمالهم المهمة , كانت ستبدأ العمل الساعة التاسعة و النصف فخرجنا سوية لتدلني على مكان عملها و هو محل للنظارات , كبير و في منتصف المدينة , نسيت الخرطة و الكتاب فرجعت ثم مررت للمحل عندها فعرضت علي جولة في مكان عملها و فحص عيناي على الكومبيوتر , فقبلت !! استغرقت الجولة حوالي النصف ساعة في طابقين كبيرين و رائعين !!

ثم إلى المتحف الرائع حيث حظيت بمعرض حديث لفنان ضوئي , بما تحمله هذه الكلمة من كل الدلالات الفنية , فالمبنى و اللوحات التاريخية و الشاشات و التلفزيونات و القاعات و حتى الأدراج قد رتبت تماماً كما يريدها هو و تبدأ مغامرتك في هذا المعرض بالبداية ببعض الرسومات الكلاسيكية على وزن رامبرانت ثم يبدأ معرضه هو بعرض تلفزيوني عنه , فكرة المعرض و كيف بدأت و التحضيرات .. البوسترات الكبيرة للصور .. كومبيوترين لمشاهدة الصور على شاشات الصغيرة و بجانبها مجلدين للصور بقياس آ4 .. تتابع التلفزيونات تحاصرك أينما ذهبت , مختلف المواضيع التي تتعلق بالصور التي رأيتها بالقسم الأول إنما بشكل أوسع , الموضوع أصبح فيلم صغير , ثم تلفازين متقابلين و مجادلة بين امرأتين كل في جهاز .. يتوسط الصالة شاشــة برجكتور كبيرة بها رجل سبعيني يتنفس ثم يضحك و هكذا بشكل دائم ( الفيلم يعاد نفسه كلما انتهى ) و هكذا الصالة التي تليها ستة أجهزة تلفزيون بشكل دائري و في المركز صوفا دائرية و ستة سماعات (هيدفون)و في كل جهاز فيلم قصير عن شيء ما يتعلق أيضا بالصور ..

و هكذا الشرح يطول .. بقيت في المتحف و هذا المعرض لثلاث ساعات. لم أشبع اهتمامي به .. للأسف لم أصور شيء فالتصوير ممنوع و أينما مشيت كانوا الحراس يحاصروني أو هكذا كان احساسي .. !! ثم خرجت لأتمشى حسب خطوات الدليل السياحي الذي اشتريته , فتمشيت و تمشيت في كل جوانب المدينة التاريخية التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر , الجسور الكنائس الرائعة و الأوتيلات الصغيرة الرومانسية , كل شيء كان بالنسبة لي رومانسي حقاً !!و كانت لي فرصة بأن أصور تلك العمارة و الكنائس و تلك الجسور المتحركة طبعاً ككل جسور هولندا التي لا تعلو أكثر من أربعين متر ..

رجعت البيت في الثالثة , كان مالك قد أتى البيت .. تكررت الجولة مع بعض التعديلات فقد زرنا بعض المحلات التي تبعد ليس قليلا عن مركز المدينة و هناك أحسست بأني في منطقة لها رائحة الشرقيين فكانت المنطقة كما سماها لي مالك , استنبول الصغيرة. اشترينا كل ما نحتاجه من طعام .. رجعنا البيت بعد شراء بعض الحلويات الشامية أيضا ًو هي مستوردة من محلات حلويات داوود .. طبخنا مقلوبة مع الكستناء المعلبة , التي اكتشفنا بأنها ليست كالكستناء التي اعتدنا عليها , لكن الرز كان ظريفا فاستمتعنا بالأكلة و ضحكنا كثيراً .. في المساء اتصل صديقي نهرو زكريا , تكلمنا و كان الجميل بالموضوع بأننا و لأول مرة سوف نتقابل في بلد أجنبي .. وعد بالاتصال اليوم التالي ..أبو عوض اتصل وقال بأنني يجب أن أذهب عنده و هذا يضطرني الذهاب بالقطار حوالي ال20 دقيقة إلى مدينته التي تسمى خوركن أو غوركن فذهب مالك معي و قطع لي تذكرة القطار و ....وصلت تلك المدينة التي استقبلني بها أبو عوض فمررنا على ديسكو صغير ثم على الكافي شوب حيث بعض الشبان المغاربة و بار مان ايطالي و بعض الفتيات و الصبية الهولنديين يدخنون الماريوانا التي تباع علناً في هولندا .. كان هناك شابين من أصدقاء أبو عوض و هما من المغرب أحدهما اسمه مصطفى , فكان يتكلم معي بعض الدقائق و من ثم على الموبيل و هكذا حوالي الساعة ثم اصطحبناه معنا في السيارة إلى أحد المطاعم التي تقدم شاورما ,فعزمنا على العشاء و من ثم العودة إلى بيت أبو عوض و السهر قليلاً و الدردشة ثم النوم الذي لم أرتح به كعادتي ..!!

اليوم الخامس 7 كانون الثاني ..

صباحا جاءت بديعة ابنة أبو عوض الجميلة ذات الثلاثة أعوام , ضمتني و قبلتني وبدأت بالكلام الغير مفهوم بالنسبة لي ( لا أعرف الهولندية ) استيقظ أبو عوض و امرأته ثم الفطور و من ثم تحركنا إلى أحدى صديقاته و استضافتنا حوالي الساععة و النصف استمتعت بالكلام معها فلقد كانت تتكلم الانكليزية بشكل جيد و هي امرأة ذكية ثم تحركنا إلى المحطة بعد أن رفضت أن أذهب معه إلى عمله الذي يبدأ في الساعة الثانية ظهراً , قطع لي تذكرة العودة إلى دوردرخت و تحرك القطار .. وصلت البيت قبل ساعة من وصول مالك , كنت قد اتصلت بزوجتي و يومياً لأن مالك كان قد اشترى لي كرت تلفون مدته 200 دقيقة !! جاء مالك , حضرنا بعض الطعام ريثما جاءت ريا و أكلنا . ريا وعدت بأن تأخذني إلى روتردام غداً لأنه يوم عطلتها .. مالك وضع بطانية تدفئ بالكهرباء و زاد من حرارة الغرفة فنمت نوما ظريفاً دون برودة !!

اليوم السادس 8 كانون الثاني .. رحلة روتردام و امستردام و لقاء نهرو ..

استيقظت باكراً هذا اليوم ربما الساعة السابعة , جلست في السرير بعد أن فتحت الستائر و بدا أمامي الشارع و البيوت الجميلة و تلك الأشجار التي لا تبخل شوارع أوروبة بها , و أدرت الراديو و استمعت مطولاً إلى الموسيقى و أنا مستلقي في في الفراش , دارت في رأسي عدة أشياء , البلد و الأهل , الأصدقاء , موت أبي , ابني وزوجتي .... كان الجو باردا و ممطراً !! يا لحظي رحلة روتردام ستكون باردة و صعبة ليست لي فأنا أحب الجو الرمادي و المطر الذي اشتقت عليه , لكن بالنسبة لريا مرافقتي في الرحلة !! المهم الساعة التاسعة نزلت و أكلت بعض الحلوى العربية من بقلاوة و مبرومة و كاسة شاي مطعمة بفاكهة المانجو و مشاهدة التلفزيون ريثما تستيقظ ريا و نذهب إلى روتردام ..!!

في الساعة ربما .. الثانية عشر تحركنا إلى تلك المدينة الجميلة .. روتردام .. عندما تخرج من محطة القطار الرئيسية يواجهك مبنى ضخم و حديث يذكرك بعمارة نيويورك و شيكاغو الحديثة حيث الواجهات الزجاجية السوداء و الضخامة و الارتفاع و الاشكال الفضائية من قبب و أبراج شاهقة. و هناك يتحرك كل أنواع الباصات و الترام , الملونين بألوان جذابة بسبب استعمالهم كلوحات اعلانية, و البشر الذيت لا تقل ألوانهم و أشكالهم و اختلافهم عن تلك المركبات , كانت ريا قد سألت مكتب الاستعلامات عن الترام الذي يلف بك معالم المدينة المهمة !! ركبنا الترام و بدأت الرحلة بمشاهدة كل ما أتذكره من تلك البطاقات البريدية التي كانت تصلني من أصدقائي , الجسور المعلقة , الأبنية المتراصة الملونة , السفن , و رسوم الجدران .. في آخر المطاف نزلنا السنتر و جلسنا في مقهى كبير جداً و أكلنا قليلاً و شربنا العصير ثم نزلنا الشارع و إذ مالك يتصل و يقول أن نهرو يريدني أن أذهب إلى أمستردام للقائه , تتدبر الأمر بقطع البطاقات ذهاباً و إياباً إلى أمستردام و من ثم الرجوع بآخر قطار إلى دوردرخت , و صعدت القطار إلى أمستردام .. للمرة الثانية أزور تلك المدينة الرائعة .. تقابلنا عند مطعم بيغ بيرغر حيث اتفقنا , نهرو صديق طفولة و عزيز جداً , كانت بضع ساعات فقط قضينا معظمها في منطقة الرد لايت دستريك و ساحة رامبرانت و المرور أمام تلك المعالم التاريخية في تلك العاصمة , ثم دعاني إلى مطعم صيني حيث امتلأت معدتي و كان الطعام لذيذاً حقاً و هكذا , ... أحاديث ومناقشات لا تخلو من الصراخ و الضحك و المزح الممزوج بجدية المواضيع المطروحة !! الساعة الحادية عشر و النصف تحرك قطاري مودعاً نهرو على أمل اللقاء ..

في الساعة الثانية بعد منتصف الليل كنت في فراشي الدافئ .. كان يوماً جميلاً .. ممتعاً .

اليوم السابع 9 كانون 2 ..الجمعة

ريا تعمل اليوم .. و مالك يستيقظ باكرا جداًً .. و مع أنني نمت متأخراًً فأنا أول المستيقظين .. نزلت و جلست أمام التلفزيون .. أشرب الشاي !! ذهبت ريا إلى العمل و في الساعة ربما الثانية عشر كنا قد خرجنا من المنزل في جولة ضمن المدينة .. في يوم الجمعة كالعادة .. يسهر الاوربيون سهرتهم الاسبوعية الرئيسية .. بعد الظهر بعد رجوع مالك من العمل الساعة الثالثة, عملنا فتة و أكلنا. في المغربيات, جاء أبو عوض و تمشينا بجانب القناة كان الجو ممطراً بشكله التقليدي , ينف كما يقولون في لاذقيتي , تمشينا هنا و هناك ثم جاء ميدالي و هو صديقهم التونسي الظريف ومن ثم إلى بار بحارة, ظريف جداً شربنا المارتيني و من ثم أكملتها أنا بالبيرة , سررت جداً بالجو بالأصدقاء , لي زمن طويل لم أشعر بهذه الألفة , نضحك و نمتلئ بالسعادة , كنت أريد لهذه اللحظة بأن لا تنتهي ...

رجعنا البيت وودعنا أبو عوض على أمل اللقاء غداً للسهرة في أمستردام ...!!

الثامن 10 كانون الثاني .. السبت ..

بدأ اليوم الساعة الحادية عشر .. جاء أبو عوض و أسامة و ركبنا السيارة و أوصلنا أبو عوض لذلك الحي المسمى باستنبول الصغيرة , اشترى مالك الخضار و الخبز و بعض الحلويات و رجعنا مشياً إلى البيت .. حضرنا الطعام و أكلنا , جاء ميدالي و بدأت الرحلة إلى أمستردام بسيارة أبو عوض .. ضحكنا كثيراً و مشينا كثيراً و امتدت الرحلة حتى الساعة الثالثة .. بعد منتصف الليل .اتفقنا الذهاب إلى بروكسل غداً..!!

التاسع 11 /1 الاحد .. الطواحين ..

استيقظ مالك متأخراً جداً .. كان الوقت لا يسمح و الجو ليس بهذه الظرافة ليسافر المرء إلى انفرس و منها إلى بروكسل .. فقررت الغاء الرحلة و عوضاً عنها ذهبنا إلى مكان الطواحين الهوائية و تذكرت دون كيخوته .. كيف حارب تلك الطواحين على أنها وحوش .. كان الطريق طويلاً و الجو ماطراً و لكن لم يحل هذا ذلك اليوم إلى يوم سيئ بل العكس كان مناسباً و رومانسياً و أحاديث طويلة عن الحياة مع مالك .. القرى التي مررنا بها خلابة , البيوت, النظافة ,العراقة و الطراز ... تصورنا كثيراً و كان ذلك اليوم من أجمل الأيام التي قضيتها في هولندا , رجعنا البيت تعبين , أكلنا .. و سهرنا قليلاً على التلفزيون ثم النوم ..

ماقبل الأخير 12 كانون الثاني ..

استيقظت كالعادة باكراً و مالك في الفترة التي يعمل بها مسائي لذلك يذهب في هذا الاسبوع من الساعة الثانية حتى الحادية عشر ليلاً!!

كان مالك كريماً دائماً , يعرض كل شيئ دون حدود , عندما ستسافر سأشتري لك الهدايا .. كنت لا أريد هذا , و ليس بمعنى أنني لا أريد هدايا بل ليس إلى أن يشتري لي حذاء كلارك و هدية نظارات شمسية ثمينة و لزوجتي من ريا بارفان و لابني قبعة و لفحة ومع هذا نصف ثمن التذكرة منه و النصف الآخر و فوقها هدية مبلغ من المال من أبو عوض .. كان ذلك جميلاً , الشعور بأنني بذلك البعد و أتعامل بنفس المحبة و الكرم من أصدقائي ..جاء ميدالي و بقي معي حتى الساعة الرابعة و النصف و للأسف لم أستطع وداعه .. كان ظريفاً و لطيفاً .. رافقني إلى استنبول الصغيرة حيث اشتريت بضعة حلوى عربية زيادة على ماشتراه لي مالك من تين و راحة تركية .. اتصل نهرو ليأتي و يودعني لكنني فضلت أن لا يجهد نفسه برحلة تبعد الكثير و ليس هناك متسع من الوقت لكلينا فودعته على الهاتف على أمل يوماً سيأتي لعندي .. في المساء جاء أبو عوض .. سهرنا للثانية ليلاً. ودعته و حاولت النوم قليلاً لكن كعادتي في وقت السفر لا أنام !! صباحاً استيقظ مالك كان قد اشترى لي بطاقة القطار إلى المطار .. لم أودعه ... كان القطار يتحرك ببطئ في البداية و كانت أيدينا مرفوعة ملوحة للقاء قادم قريب فلماذا الوداع .. أسرع القطار ذو الطابقين المليئ بركابه إلى عملهم أما أنا و بعض المسافرين فإلى المطار. نزلت اشتريت بعض الهدايا لحماتي .. ترددت كثيراً في شراء شيء لزوجتي فأنا أعرف بأننا لا نتوافق الأذواق خاصة الرائحة و الثياب و بالأخير هي لا تكترث بالهدايا فتناسيت الموضوع و اشتريت شيء للبيت طاحونتين هولندية واحدة للملح والثانية للبهار .. تذكرني بهؤلاء الأصدقاء و تلك الطواحين و دون كيخوته ..

تأخرت الطائرة نصف ساعة .. كان الجو ماطراً و الأراضي التي ظهرت من نافذة الطائرة كانت سهول تشع بالخضار ثم ارتفعت الطائرة فوق الغيوم ..هكذا إلى أن وصلنا إلى مطار استوكهولم الذي يسمى أورلاندا حيث كل شيء تبدل إلى بياض ... بياض الثلج ماعدا تلك الخطوط التي ترسمها الآليات التي تسير على الطرقات ... السويد .. الثلج و البرد .... ابني, زوجتي و حماتي .....

..... لقد ِعدت ..

ليست هناك تعليقات: