٢٠٠٧/٠٦/٠٥

ثيودور كاليفاتيدس و أشياء أخرى


في أحد الايام وبينما أنا في بيت حماتي أبحث في الانترنيت عن ما هو مفيد لموضوع دراسي و انا غارق في مياه الارتباك و الفشل

تلفن في هذه اللحظة شاب اسمه أسامة (و هو أخ لصديقي أبو عوض, وهو يعيش في هولندا و قد وعدني عندما كنت هناك ان يأتي و يلقي التحي. وها هو في زيارة إلى السويد للمرة الثانية لعند أحد أصدقائة من الحي العوينة في اللاذقية و اسمه أحمد سقاطي شاب حباب عرفت بانه قريب لصديق لي أيم السبعينات و أوائل الثمانينات و اسمه احمد شليلات وهو الآن يعيش في فرنسا .. )

قال بأنهم موجودين هنا في البلدة و هم منتظرين في المحطة .. نزلت بسرعة على دراجة حماتي القديمة و تلاقيت معهم في المحطة .. شابان أصغر من الثلاثين تملؤهما الحياة , كانوا يضحكون عندما ناورت من خلفهم حتى أفاجأهم ثم بسرعة كنت أمامهم بتلك الدراجة و قلت بع !!

لم يجلسوا عندي سوى..ربما , الساعتين و النصف كانوا جداً لطيفين.. ضحكنا وتكلمنا عن اللاذقية ..لم يستطيعوا البقاء فاستوكهولم تغري .. نزلنا سوية من البيت حتى المحطة ورجعت وحيداً !! وصلت .. ثم نمت باكراً !

البارحة .. كان يوماً مليئاً .. المدرسة حتى الظهر .. ثم مروراً بصالة البلدية لبيع الكتب القديمة لشراء ما يمكن لي أن أقرأ به لعلني أستفد من قراءة هذه اللغة الغريبة لا زالت فوجدته مغلقاً و هذا غريب جدا !!

..!!ثم البيت .. كان خالياً من السكان باعتبار ابني و زوجتي عند حماتي .. قررت أن آكل و أحضر قليلاً من الكوكتيل بالموز الذي أصبح لونه أسوداً بالبراد فعصرت التفاح و الجزر و بدأت بسكبهم في ابريق الخلاط و وضعت ملعقة مربى الفريز و نسيتها في الخلاط ( قلت في نفسي في اللحظة ذاتها بأنني سأنسيها , لكن ذكائي الخارق أيقظني بأني لم أصل لتلك المرحلةمن الغباء أي أن ينسى المرء ملعقة في الخلاط , أي غباء يوجد أكثر !! ثم وضعت الحليب و الموز إلى أن اختفت الملعقة من خلال ذلك الابريق المليء بالحليب و العصائر و بعض الزبيب بحركة أكثر من فوق طبيعية كبست أقوى و أسرع زر في الآلة و بدأت الآلة في اصدار أصوات مألوفة لدي بأن شيء ما يتكسر فظننت بأنه الزبيب ... يا خي !! و استمرت للحظات قبل أن لفظت هذه الآلة انفاسها و أراقت دمائها تحت سمعي و بصري و بلاهتي التي لا توصف .... و الآن ماذا عن الكوكتيل .. لقد كان منعشاً .. و صحتين رفعت ..

بعد شرب القليل من هذا الشراب ( كان الموز مقطعاً , لم يكن الوقت كاف للخلاط لهرسه و خلطه بدلاً من خنق أنفاسه) ( ماذا عن الملعقة .. لاشيء بالطبع !! لكني أستطع تميزها عن الاخريات الخمس بوجود تجريحات قليلة في الحدود الخارجية من القسم السفلي ) أخذت من البراد حلوى مصنوعة من الشوفان و الزبيب و جوز الهند و كاسة شاي و جلست أمام التلفزيون أشاهد تحقيق لجنة الكونغرس الامريكي مع الجنرالات المسؤولين عن فضيحة سجن أبو غريب و كما تعلمون أيها الغوالي أن الشوفان و مايتبع من تلك النباتات و الحبوب كالذرة مثلاً , كثيرا ما يعلق هنا و هناك بين الاسنان , فتستعمل لسانك أولاً و إن لم ينجح في ازالتها تأخد طرف ظفرك ( حيث لا يوجد أحد معك ) و تنكش مابين تلك الاسنان أو الأضراس حيثما علق بينهم وتأتي المفاجأة أن تلك النثرة العالقة أصبحت بين أصابعك صفيحة كلون الضرس تماماً !!! هل توصف التعابير هنا بالدهشة أم الخيبة أو ربما الأصح الغضب .. بلا شك أعتقد أن هذا كثير بساعتين !!!!!! لعنت حياتي مبتدأً بآدم و صولاً لي .. كم من البشر قد لعنوا تلك اللحظة مني , ياترى هل منهم انبياء , ملوك , قادة و امراء أم ياترى كم منهم صعاليك , مرتزقة , عبيد , مجرمين وأغبياء , رجحت الثانية فأنا لا أرى بي سوى نتيجة لهؤلاء ...

جاءت زوجتي فعرضت علي أن أذهب لوحدي إلى اللاذقية إذا وجدت بطاقة في الأيام القادمة و ستأتي بعدي عندما ينتهي ما تنتظره هنا فاستقبلها هناك ,!! طبعاً قبلت فتصليح الاسنان هنا يعتبر بالنسبة لي أغلى من أن أذهب للاذقية و أصلحهم هناك و ثانياً لقد اهترء قلبي من اشتياقي للجميع !!

ها هو اليوم مشمساً قليل البرودة , البيت هادئ لم أذهب مع زوجتي إلى عيد ميلاد أحد أولاد صديقتها فاستطعت الكتابة لكم ..

أهلاً أهلاً كما يقولها أخي منذر الذي تحدثت عنه البارحة مع أحد الأصدقاء , كم اشتقت للجميع و كيف أن الجميع ماعدا القلة منهم لا يزالوا دون اتصال بي .. !

قرأت قصص قصيرة للكاتب اليوناني السويدي ثيودور كاليفاتيدس , مثيرة و مشوقة و سأكتب مترجماً لكم بعضها ممن يعكس تماماً تجربة المهاجرين إلى السويد و هذه أولها ..

هذه ليست شكوى . وليست أيضاً محاولة لخلق و الدلالة على هذه المسؤوليات . بل انها رغبة في أن نفهم ماذا حدث, ليس لأجل أن نستطيع المضي قدماً, دون أن يكون ممكناً أن نستطع مساعدة الآخرين الذين هم بنفس الوضع.

خلال هذا النهار جائني رجل لا أعرفه و حياني باليونانية. كان الوقت لا زال باكراً و ليست لي رغبة في المضي قدماً بمحادثة طويلة, لكنه قد قالها خطأ. مساء الخير بدلاً من صباح الخير, هذا الذي لا أستطيع نفسي من أن أشير عليه.

شرح لي على أنه كان متزوجاً من امرأة يونانية و يتمنى أن يعرف إذا كنت مسروراً ومرتاحاً هنا في السويد بحيث أن زوجته لم تكن أبداً كذلك. كانت تشتكي بأن السويديين يحيون من أجا العمل, وجهة نظر قد فهمها,بينما اليونانيون يعملون من أجل ان يحيوا, تلك التي اعتقد بأنها الحقيقة.

تضايقت, ليس بسببه بل بسبب سوء فهمه لشيئين بسيطين. من أجل الأولى تمسك طويلاً بأن السويدين يعملون أقل من الكثير من الأوروبيين, ومن أجل الثانية أكدت طويلاً أن اليونانيين هم شعب مجتهد, حتى لو لم يعش ليحيا يعش نوعاً ما كثيراً من خلال العمل.

نعم أنا نفسي لم أتكاسل خلال الحياة.بالعكس, لم تكن أبداً العطلات وقتي المفضل و اعتدت القول على أن العطلة جيدة لهذا أستطع العمل بهدوء و سكينة. في البيت زرعت عقيدة في أولادي بأن لاشيء سوى خلال العمل يستطيع المرء أن يحقق شيء و يستطيعون الضحك بفرح بأشياء وجدت كعطلة مابين العطلتين و أشياء أخرى كهذه

هذة العقيدة قد أصبحت غنية بالنجاح بعدما أخذ ولداي تلك الدروس بجدية وبنتيجة.

هنا أقف و أتفرك كدودة بين تلك الأخطاء و أشعر برغبة في الدخول بالمناقشة, وجهة النظر التي أعتبترها مشكلة بطريقة أخرى تماماً, أعني بأي ميكانيكية نستخدم من أجل ابعاد المواجهة مع أنفسنا,مع الآخرين أو مع الحياة بشكل عام.

السويديون يبدون احترامهم لهذه المعاني الكبيرة في العمل, بينما اليونانيين يستعملون اللعب , التسلية بنفس الحكمة أو المعنى. انها تمس ميكانيكية الهجرة بكلا الحالتين .

هذه المرأة اليونانية تفتقد حياة التسليةاليونانية وهذه ليست صعبة الفهم. لكنها لم تستطع رؤيتهم, لم تر أن هذه لست حياة عدا طريقة واحدة هي أن تواجه الحياة. هي عرفت عن نفسها بنوعية معينة للحياة. قصيرة و جيدة, لم تكن تملك موهبة أن تكون مهاجرة أو غريبة,و التي لا تعني بأنها انسانة غير موهوبة.

في اليونان عندنا تعبير يقول العصفور الذكي يعلق بمنقاره في القفص , و تعني أن خطأ الانسان الذكي أسهل توقعاً. خطأ مواطنتي كان أنها لم تواجه نفسها دون أن تقيس نفسها مع الموديل السويدي و قد أصبحت منقاراً قد علق, ليس إلا. هي لم تعش في السويد بل بقت في اليونان . و هذه ليست طريقة اقتصادية للحياة أسوء الاشياء هي أنها طبيعيةبشكل لم يسبق لها مثيل أيضاً. الكثير يفتقدون السقوط من أجل أن يكونوا غرباء.للآن لم أعط لهذا الغريب أي جواب. ماذا أستطيع أن أقول؟ مسرور أنا في السويد أو بأنني لا لست مسروراً هنا؟

فجأةً ظهر سؤال بقصد آخر . بدا وكأني ليست سعيداً, ماذا يعني ذلك؟ أو أني سعيد؟ هل سأقيس بلد بمقياس سعادتي؟ خاصةً, لم أطرح هذا السؤال على نفسي أبداً ؟

الموقف هذا هو أيضاً موقفي منذ كنت في بلدي.

و لم أعكس عنه هذا قط,و أعتبر هذا من المسلمات. إذا سر المرء أم لا, أم أكان ناجحاً أم لا , تبقى القضية قضية غير منتهية كالقصص و القصائد, في الحياة الواقعية المشاكل مختلفة تماماً, أعني الاعتناء و الحماية و الرعاية و أن نرعى سهولنا و أشجار الزيتون و عرايش العنب. السعادة و النجاح لم تكن أبداً خارج الفكر و هذا يعني أن تكون انسان بين البشر , أن تفرح لأجلهم و أن تتمنى لهم الخير .

السعادة ليست نقطة بداية عدا أنه في أحسن الأحوال أن تكون النتيجة, لكن بغير الضرورة. أن تموت سعيداً لم تكن هذه الأكثر أهمية, أن تموت كرجل صالح كانت و لوقت طويل أهم .

هكذا رأى فيلسوف القرية الأمور. اعتادت جدتي اختصارها بجملة لم أنساها بحياتي " أنها لرائحة طيبة تلك التي تخرج من قبر رجل صالح"

أليس هناك أحد يعرف ما هي الرائحة التي تخرج من قبر انسان سعيد؟

انتهـــــــــــــــــــــــــــــــــــت

الكاتب جاء إلى السويد 1964 و تعلم اللغة السويدية بشكل جيد بوقت قصير لافت للنظر , بجانب الكثير من الأعمال في المصانع و المطاعم درس في الجامعة و حصل على الليسانس , في هذا الوقت كتب أشعاره و قصصه في اللغة السويدية , كتب عنه الكثير من المديح و نال عدة جوائز أدبية .

ثيودور كاليفاتيدس يكتب في قصصه و قصائده عن مدى الصعوبة في هجر الوطن الأم و الشعور بالراحة في تلك الثقافة الجديدة. كتب في قصيدة ( لغتي و أنا )

خسرت لغتي

لا شيء له أي مذاق في فمي بعد

هناك دائماً لحظة صمت لانهائية ..

بيني و تلك الكلمة الجديدة ..

ليست هناك تعليقات: