٢٠٠٧/٠٦/٠٥

غروب ميت



قصة ميني

أصعد درج بناية عِِالية , المصعد به قفل لا يملك مفاتيحه سوى أهل البناية , إنه الطابق المائة و السابع عشر , ألهث في الطابق الخامس , أقف استرد بعضاً من هدوء قلبي الذي كاد ان ينفجر من ضخ محلول احمر خالي من الاوكسجين ,رئتاي تكادان تلتصق , حلقي ناشف و احليلي الذي ما إنفك طالباً بعض الشفقة ليستريح من ضغط المثانة بعد شرب أكثر من خمس أو ست كؤوس من البيرة الاجنبية التي كنا نحلم بها عندما كنا نشرب بيرة الشرق المصنوعة في بلادنا الخضراء ., استطلع يمنتاً و يسرةً , لا أحد إنهم جميعاً يستعملون المصعد و أنا في عتبة الطابق الخامس فكرت بأنني أستطيع أن أطلب من البيت الذي يسكنه العجوزان اللذان فتحا الباب عندما وصلت الى عتبة الطابق لربما ظنوا أن أحد أقاربهم قد أتى ,, لم يقولوا شيئاً تبادلنا نظرة واحدة قبل ان يغلقوا الباب خائبين من ان الذي رأوه هو احد الغرباء ربما أحد المدمنين أو انه يتمرن لينحف قليلاً من سمنته المفرطة . لا استطيع طلب شيء منهم فأنا كما تعلم أموت من خجلي و لا اطلب ذلك حتى ولو كان هذا على جثتي , استرد بعض انفاسي و أتابع انها ثلاثمائة درجة لعينة و أصل , أتابع الصعود ( فقط في حال كهذه اتابع صعوداً و غير ذلك لم يكن سوى هبوطاً ) اخفف حدة سرعتي أحاول التنفس كما لو اني امارس رياضة زفير ثم شهيق متزامن مع سرعة دقات قلبي أقرأ من ذاكرتي اسماء أصدقائي الفتيات العاهرات المتكومات خارج الملاهي الليلية في جونية أو ساحة المرجة أو ساوباولو في ألمانيا حيث حكى لي السيد العظيم سهيل جازة المحترم عنها . , كما هي الأنثى أينما كانت , يحضرني قولك مرة أيها الصديق الصريح عندما كنا نتكلم عن الخيانة الزوجية أو أنها كذبة صدقناها نحن المتشائمين من أنك تتفهم الأمور مثلي تماماً لكنك لست بقادر على مصارحة نفسك كما يجب , لا أعلم إذا كنت تذكر هذا الكلام لكني معك 100% حيث الحكايات كلها صحيحة و الكذب هو ما صدقناه على أنفسنا جميعاً ..., كل هذا مر في تفكيري لقد وصلت للطابق العشرون تذكرت كل أصدقائي المتوفون حديثاً و قديماً أنهم أصدقاء اشتقت لهم حقاً كلي رغبة بالموت لأرى ما كنت آمل أن اراه ارى ربما من أخذ لي سيارتي الماتش بوكس التي كنت أحبها عن غيرها من السيارات التي كان أخي منذر يأتي لي بها من حلب حيث كان يدرس الجامعة هناك ويقطع من مصروف غذائه الخمس أو العشر ليرات سورية ليأتي لي بقليل من الفرح ,, شريط طويل من الأفكار ,, التاتا و الماما

محمدبلة فؤاد أصدقاء ماتو و ارتاحوا إنهم الآن ينتظروني حيت الفيزا و الكفالة قد دبرت ربما هناك أيضاً فتاة صينية بيضاء قصيرة ذات انف صغير دون عملية تجميل معهم هناك سأحيل رحلتي تلك إلى ترفيه حقيقي لي منذ زمن و أنا أحلم بتلك الرحلة حتى أن رحلاتي السابقة الى الهند باءت بالفشل مع المهاتما و المهراجا والمهاريشا و الثلوج التي تترأس التيبت قد انشأ بدلا عنها نصب كبير لماوتسي تونغ او أحد القادة الصينيين القدامى.. لا شيء لم أفلح في تجاوز الطابق الأربعين. أرى من هنا على النافذة كل شيء مقزما, حياتي الصغيرة و انجازاتي التي لا ترى إلا بالمجهر, حتى العلاقات السريعة التي اصفيتها مع اصدقائي القلائل سهيل عبد الكريم مصطفى علي هيثم فايز, آخرون كثيرون بالعد لكن بالكم ليس هناك سوى قضاء وقت لا فائدة من كل هذا علي الاسراع لألا يحل الغروب قبل وصولي . الساعة التي اشتريتها مؤخرا تشير الى الساعة الثامنة مساء الغروب بدأ هنا أتجاوز الطابق الخمس و السبعون أرى أن كل شيء تبدل في حياتي يخيم علي سكون غريب من نوعـــه أشعر بلذة غريبة عني و كأنني تحررت من كل ارهاقاتي و ارهاصاتي التي طالما زعمت أنها قرآني وكتابي المقدس

ما الذي دفعني هكذا لأن أكون ما كنت ...., ! لا شيء كان كله مجرد وهم عشته حقاً بمرارة امرأة مهجورة من حلم و اطفال امرأة عاقر و زوج خائن و حبيب لم يأت بعد ,,. افتش عن لفافة تبغ كنت قد استلفتها من أحدهم , أراها ممزقة مع عودين من الكبريت أحاول إصلاحها و اشعل أول عود فينتشر وهج قوي سرعان ما يخبو وأنا أحاول اشعال تلك اللعينة أظنها ونستون فأنا كنت معتاداً على هذا النوع من التبغ إنه أمريكي تشتعل أخيراً من طرفها , لم أعد بحاجة للعود الثاني الغير مستعمل, أرميه و أنا أسند ثقل جسمي المنهار من التعب, على تلك النوافذ المذهبة و انظر الى المدينة الساحرة من الأعلى تبدو لي أنها من الاحلام , يفتح باب المصعد تخرج منه فتاة جميلة جداً أظنني حلمت بها منذ أيام ليست قليلة, لها ساقان يشتهيها الرب بعل نفسه تنظر لي بدهشة ربما أيضاً بخوف يبدو لي ان تلك الطوابق قد اجهزت علي تماماً ايها الصديق ربما كان لوني مثل الصينيين أصفراً شاحباً تخرج المفاتيح بسرعة لتفتح باب شقتها و ينتهي كابوسها من انها رأتني

يغلق الباب بعجل و أراها في مخيلتي بأنها سندت ظهرها ورأسها على الباب و زفرت طويلاً .. أنها الآن بخير لم يكن هذا الكائن سوى أحد المجانين الذي يتجولون في البنايات الكبيرة ربما خطر لها طلب البوليس إلا أنها على ما أظن لم تفعل , كان لديها أشياء أهم من تضيع وقتها في التفكير بهذا الكائن الذي ربما هو مسكين , مريض نفسي ربما .!! , اتابع , أحمل رجلي اليسار من ركبتي لأعلمها الصعود أني جداً تعب فليذهب الغروب الى حيث يذهب ربما ليس من المستحسن أن أراه من هناك أشعر بدوخة جراء هذا التعب أنه الطابق الثماني و التسعون هناك طابقين لأصل الى المائة الرقم الطفولي الذي كنا ننهي كل العابنا به حتى تلك الصور المرقمة والتي يعدنا السمان بالجائزة اذا كان لدينا الصور المصور عليها كل النجوم هوليود من جون واين حتى المرحوم جيمس دين (الاسلام) مروراً بروك هدسون الذي يعتبر أول مشهور مات متأثراً بمرض خطير كان يدعونه بالايدز كان ذلك منذ زمن التسعينات حيث كان أصدقائي جميعهم خارجاً سواء عربياً أم خارجياً . أيضاً كان هناك عربياً كلمة الآن ليست لها معنى يطلقونها الآن على الذين يلبسون الدش دش الأبيض في الجمهورية العربية الاسلامية (سابقاً كان اسمها المملكة السعودية نسبةً لآل سعود الذين يملكون الآن ثلث شركات العالم الرأسمالي المتمدن , الدنيا كلها تغيرت أنا الوحيد الذي لم يتغير لا زلت أحيا رغم موت أغلب أصدقائي و موتي أنا معهم ..., إنه المائة أقرأ اللوحة الاسمية على الباب إنه اسبنيولي على ما أظن خوسيه بندريراس ., محظوظ ذلك الرجل أنه يسكن الطابق المائة هناك المنظر من الخارج يشابه سابقه إلا أنني أشعر بانضغاط على صدري كان من الممكن أن ابكي لولا خوفي من ان يفاجئني احدهم خارجاً من شقته لأن كل طابق هنا يحوي ما لا يقل عن عشرون مسكناً ., بعضهم كان يلقي التحية بمختلف اللغات بعضهم مساء الخير و الآخر يوم جميل أم الأكثرية فكان عدم الاكتراث أشعر بذل حقيقي مثلك أيها الصديق المتوفى في أمريكا بعد كل هذه السنين لم يطالبوا أهلك بجثتك لو كنا غبر العرب لكانوا هلكوا العالم لأخذ رفاتك الى مسقط رأسك مكسوراً محطماً مدعوساً بكل انواع الفقر والذل والحظ السيئ و الغباء الذي ولد معك وتلك الذاكرة التي لم تساعدك في حفظ اشعار جرير و الفرز دق و المتنبي و ذلك العجوز الآخر ماسمه لا أعلم سوى أنه كان يملئ كتبنا بأشعاره التي كنا نشعر باحليلنا المنتصب كلما تكلم عن أمه و أخته (أظنه كان أوديبياً )

أخرج محفظتي أعد أوراق النقد والقصاصات التي أحتفظ بها تترك لي ذكريات تافهة هشة صور لفتاة فقيرة كانت تحيا في حي لم يعبد طريقه لأنه لا يوجد مسؤول هناك و السكان هناك فقراء بالسليقة لا يحبوا أن يغيروا ما بأنفسهم حتى يغير الله ما يمكنه ان يغير أنها جميلة فلها عيون مسكينة تشعرك بأنها المظلومة رقم ثلاثة (لكسر المألوف مع الملفوف) وصلت إلى ما كنت أتعب لأجله أنه الطابق المائة و السبعة عشر أقرأ الرقم على بداية الممر 117 طابق اه ليس الاخير كما ظننت هناك ثلاثة طوابق اخرى لن اصعد اليها لقد اعياني التعب كل ما هناك اني فكرت بعمل ما , لقد نعست أتثاءب أضع علي سترتي البالية و أنام أنتظر غروب غد اتً لكنني لن أقفز الآن علي أن أحيا قدري بالطريقة ذاتها كان كل شيء بارداً أخرج من جيبي الاخرى زجاجة من الكونياك و أكرع قليلاً منه عله يدفئ عظامي العجوز .. يومها حلمت كثيراً بأشياء لا تخطر على بالي مطلقاً كنت وقتها و لأول مرة سعيدا ترتسم على شفاهي بسمة حقيقية ملامح أقرب من الحي عن الميت …
تأتي الشرطة و الاسعاف يجتمع أهل الطابق أولاد و عجائز تصعد تلك الفتاة الجميلة التي سمعت الخبر و الضجة كانت ذاهبة الى عملها في البنك استوقفتها الجارة لتصف تلك الجثة التي ماتت قبل الغروب بلحظات ..

ليست هناك تعليقات: